سنن الصلاة
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله, وعلى آله وصحبه وسلم. أمَّا بعدُ:
فللصلاة سنن، يُستحبُّ للمُصلِّي أنْ يحافظ عليها لينال ثوابها، ولا تبطل الصلاة بترك شيء منها، ولو عمداً، ويُباح السجود لسهوه1. وسنن الصلاة منها أقوال، ومنها أفعال.
أولاً: السنن القولية:
1- دعاء الاستفتاح:
يُندب للمصلي أن يأتي بأيِّ دعاء من الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم ويستفتح بها الصلاة، مادام قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استفتح به صلاته مثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ، فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟ قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد))2.
2- التعوذ :
لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}[النحل: 98]، وقال ابن المنذر: جاء عن النبي صلى الله عليه سلم أنه كان يقول قبل القراءة: ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم))، أو يقول: ((أعوذُ باللهِ السَّميعِ العليمِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ، مِنْ همزِهِ ونفخِهِ ونفثِهِ)) رواه أحمدُ3، وتُقال سِرَّاً، قال في المغني: ويُسِرُّ الاستعاذةَ ولا يجهر بها، لا أعلم فيه خلافاً4.
3- البسملة:
لما روت أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة: بسم الله الرحمن الرحيم، وعدها آية)، ولأن الصحابة أثبتوها في المصاحف فيما جمعوا من القرآن، قاله في الكافي5.
4- التأمين:
وهو أنْ يقول المصلي إماماً أو مأموماً أو منفرداً: آمين، بعد قراءة الفاتحة، ويجهر بها في الصلاة الجهرية، ويُسِرُّ بها في السرية، لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه.
5- القراءةُ بعدَ الفاتحةِ بما تيسَّرَ مِنَ القُرآنِ :
وتكون القراءة في الركعتين الأولى والثانية من كل صلاة، ويجهر بهما فيما يجهر فيه بالفاتحة، ويسر فيما يسر بها فيه؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي قتادة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين، بأم الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب، ويسمعنا الآية، ويُطوِّل في الركعة الأولى مالا يطول في الركعة الثانية، وهكذا في العصر، وهكذا في الصبح). رواه البخاري، ومسلم نحوه.
6- قول: ملء السماوات، "وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد" بعدما يقول: ربنا ولك الحمد:
لحديث ابن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع ظهره من الركوع,قال: (سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد) رواه مسلم.
7- الزيادة على المرة في تسبيح الركوع والسجود، وقول رب اغفر لي بين السجدتين6:
لحديث سعيد بن جُبير, قال: سمعت أنس بن مالك,يقولُ: (ما رأيت أحداً أشبه صلاة بصلاة رسول الله من هذا الفتى -يعني عمر بن عبد العزيز- فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات)7.
8- الصلاة في التشهد الأخير على آله -عليه السلام- والبركة عليه وعليهم:
لحديث كعب بن عجرة, قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد عرفنا كيف نُسلِّمُ عليك، فكيف نُصلِّي عليكَ؟ قال: ((قُولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)) متفق عليه.
9- الدُّعاءُ بعدَ التشهدِ الأخيرِ:
لحديث أبي هُريرة رضي الله عنه, قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)) رواه مسلم وأصحاب السنن إلا الترمذي.
ثانياً: السُّننُ الفِعْليَّةُ:
1- رفع اليدين:
ويكون في أربع حالات: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع, والرفع منه، وعند القيام إلى الركعة الثالثة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع، ويقول: ((سمع الله لمن حمده))، ولا يفعل ذلك في السجود) متفق عليه.
وعن نافع أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه, وإذا ركع رفع يديه, وإذا قال: سمع الله لمن حمده، رفع يديه، وإذا قام من الرَّكعتينِ رَفَعَ يديه، ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري.
2- وضع اليد اليمنى على اليسرى:
وتوضع فوق الصدر لحديث وائل بن حجر: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة، وكبر، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى) رواه أحمد، ومسلم.
3- النظر إلى موضع السجود:
قال العلماء: يستحب النظر إلى موضع سجود المصلي: لأنه أقرب إلى الخشوع8، فعن أنس بن مالك, قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟!)), فاشتد قوله في ذلك حتى قال: ((لينتهُن عن ذلك أو لتُخطفن أبصارهم)) رواه البخاري.
4- وضع اليدين على الركبتين في الركوع، وتسوية الظهر:
يُسنُّ في الركوع أخذ الركبتين باليدين, وتمكين اليدين من الركبتين، وتسوية الظهر أثناء الركوع، وتفريج الأصابع، ونصب الساقين، وتسوية الرأس بالعجز، وعدم رفع الرأس أو خفضه9؛ لحديث أبي مسعود عقبة بن عمرو: (أنه ركع فجافى يديه, ووضع يديه على ركبتيه، وفَرَّجَ بينَ أصابعِهِ من وراء ركبتيه، وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) رواه أحمد وأبو داود، ولحديث وابصة بن معبد عند ابن ماجه: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فكان إذا ركع، سوَّى ظهره، حتى لو صب عليه الماء لاستقر)10، وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (وكان إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه، ولكن بين ذلك) رواه مسلم.
5- هيئة السجود:
ويُستحَبُّ للساجدِ أنْ يُراعيَ في سجودِهِ مَا يَلِي:
أ- تمكين أنفه وجبهته ويديه على الأرض، مع مجافاتهما عن جنبيه، لحديث أبي حميد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض، ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه) رواه ابن حبان، والترمذي: وقال: حسن صحيح11.
ب- وضع الكفين حذو الأذنين أو حذو المنكبين، وقد ورد هذا وذاك.
ج- أن يبسط أصابعه مضمومة، فعند الحاكم وابن حبان: أن النبي كان إذا ركع فرج بين أصابعه، وإذا سجد ضم أصابعه12.
د- أن يستقبل بأطراف أصابعه القبلة, فعند البخاري من حديث أبي حميد: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا سَجَدَ وضع يديه غيرَ مُفترشهما, ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة13.
6- الافتراش في الجلوس بين السجدتين،وفي التشهد الأول، والتورك في التشهد الثاني:
الافتراش: هو أن يثني رجله اليسرى, ويقعد عليها، وينصب اليمنى, وتكون أصابعُها نحو القبلة، ويفعل هذا في التشهد الأول، أما التشهد الثاني فإنه يتورك14: لحديث أبي حميد: (فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته) رواه البخاري.
7- وضع اليدين على الفخذين:
بحيث تكون على الصفة المبينة في الأحاديث الآتية:
أ- عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثاً وخمسين، وأشار بالسبابة. وفي رواية: (ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى، ويلقم كفه اليسرى ركبته) رواه مسلم.
ب- وعن وائل بن حُجْر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض اثنتين من أصابعه فحلق حلقة، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها) رواه أحمد والنسائي15.
ج- وعن عامر بن عبد الله بن الزبير, عن أبيه, قال: (كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا جلس في التشهد, وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بالسبابة، ولم يجاوز بصره إشارته) رواه أحمد ومسلم.
8- الالتفات يميناً ثم شمالاً بالتسليمتين16:
لحديث سعد بن أبي وقاص, قال: (كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره، حتى أرى بياض خده) رواه مسلم.
9- الأذكار والأدعية بعد السلام:
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم جُملةُ أذكار وأدعية بعد السلام، يُسَنُّ للمُصلِّي أن يأتي بها؛ لكي يحصل على الخير والأجر المترتب على الإتيان بها، ولا يحرم الإنسان نفسه من هذا الثواب، الذي يترتب على قول هذه الأذكار. وهذه الأذكار موجودة في كتب السنة، والكتب المؤلفة في الأذكار، نسأل الله أن يوفقنا لطاعته، ويتقبل منا أعمالنا، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
1 راجع: منار السبيل (1/89).
2 متفق عليه.
3 نيل الأوطار (2/196وما بعدها)، ورواه الترمذي وأبو داود، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم (201)، وصحيح سنن أبي داود رقم (701).
4 المغني (1/283).
5 منار السبيل (1/90).
6 راجع: منار السبيل (1/91)، والملخص الفقهي (1/133)، وجعل بعض العلماء جميع أذكار الركوع والرفع منه والاعتدال، والسجود، الجلوس بين السجدتين، وتكبيرات الانتقال، كلها سنة، راجع: "فقه السنة" (1/142وما بعدها)، والفقه الإسلامي (1/702 وما بعدها).
7 رواه النسائي, وصححه الألباني في "صحيح النسائي", رقم (1087).
8 راجع: فتح الباري (2/232)، ونيل الأوطار (2/205).
9 راجع: منار السبيل (1/92)، والفقه الإسلامي (1/702).
10 صححه الألباني في الجامع الصغير رقم (4723)، وصحيح ابن ماجه رقم (712).
11 صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (221).
12 قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/135): "رواه الطبراني في الكبير وإسناد حسن".
13 راجع: فقه السنة للسيد سابق (1/146- 147).
14 وكيفية التورُّك: أن يُخرِجَ الرِّجلَ اليُسرى مِن الجانب الأيمن مفروشة، ويجلس على مَقعدته على الأرض، وتكون الرِّجل اليُمنى منصوبة. وهذه إحدى صفات التورُّكِ. الصفة الثانية: أن يَفرُشَ القدمين جميعاً، ويخرجهما مِن الجانب الأيمن. الصفة الثالثة: أن يَفرُشَ اليُمنى، ويُدخل اليُسرى بين فخذ وساق الرِّجل اليُمنى. وكل هذه الصفات واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن يَفعلَ الإنسانُ هذا مرَّة، وهذا مرَّة.
15 وصححه الألباني، انظر: صحيح النسائي رقم (856).
16 راجع: منار السبيل (1/94)، والفقه الإسلامي (1/724).