تحسين الصوت بقراءة القرآن

تحسين الصوت بقراءة القرآن

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد:

فإن القرآن كلام الله، وهو حبله المتين، وصراطه المستقيم، ما تركه من جبار إلا قصمه الله، وهو دستور الأمة، وبه حياتها ورفعتها، ولذلك فإن على الأمة العناية به وتلاوته، والعمل به، وتحكيمه، والتدواي به وغير ذلك.

ومن الأمور التي ينبغي العناية بها عند تلاوة القرآن تحسين الصوت بالقراءة، وخاصة من كان إماماً يصلي بالناس في مسجد فقد جاء في حديث عائشة – رضي الله عنها – عن رسول الله أنه قال: الذي يقرأ القرآن وهو ماهرٌ به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن، ويُتَعْتع فيه، وهو عليه شاق؛ فله أجران1؛ أي يُعطيه أجرين: أجر المشقة، وأجر التلاوة.

وقد جاء الأمر بترتيل القرآن، وتحسين الصوت به؛ قال الله ​​​​​​​: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا [المزمل:4]، ويبين كيفية الترتيل أنس بن مالك  حينما سُئل عن قراءة النبي  فقال: كان يمد مداً، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم فمدها2. وذكر النووي – رحمه الله – في كتابه “التبيان في آداب حملة القرآن” فصلاً أسماه في استحباب تحسين الصوت بالقرآن قال في مطلعه: أجمع العلماء من السلف والخلف من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من علماء الأمصار، وأئمة المسلمين؛ على استحباب تحسين الصوت بالقرْآن، وأقوالهم، وأفعالهم مشهورة … ودلائل هذا من حديث رسول الله  مستفيضة عند الخاصة والعامة3، فمن هذه الأحاديث الصحيحة؛ حديث أبي هريرة  قال: ‏سمعت رسول الله  يقول‏:‏ ‏ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به4، ومعنى “أذن” أي استمع، وهو إشارة إلى الرضا والقبول.

وعن أبي موسى الأشعري  أن رسول الله قال له‏: ‏لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود5. وعنه أيضاً قال: قال رسول الله : إني لأعرف أصوات الأشعريين بالليل حين يدخلون، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار6. وعن أبي لبابة بشير بن عبد المنذر  قال: قال رسول الله :‏ من لم يتغنَ بالقرآن فليس منا‏‏7، بل لقد كان رسول الله أحسن الناس صوتاً؛ فعن البراء بن عازب  قال: ‏سمعت النبي قرأ في العشاء بالتين والزيتون، فما سمعت أحدًا أحسن صوتاً منه!8.

وكما هو معلوم فإن الصوت الحسن هبة من الله يعطيه الله لمن يشاء، فينبغي أن يتتبع أصحاب الأصوات الحسنة، وأن يعتنى بهم ليؤموا الناس كما فعل عمر  في صلاة التراويح، واختياره للصحابيين الجليلين أبي بن كعب، وتميم بن أوس الداري – رضي الله عنهما – لإمامة الناس، وأما من لم يكن حسن الصوت فليحرص على تحسين صوته بالقرآن، وأن يتلوه حق تلاوته.

ولكن تحسين الصوت ينبغي أن يكون وفق الضوابط الشرعية، والآداب المرضية، وليس المقصود به ترقيقه، وتمطيطه وما أشبه ذلك؛ كما يفعله بعض قراء عصرنا في الجنائز، والمحافل؛ وقد كانت هذه المخالفة موجودة منذ زمن بعيد، ولهذا قال النووي – رحمه الله -: “وهذا القسم من القراءة المحرمة مصيبة ابتلي بها بعض الجهلة الطغام الغشمة الذين يقرؤون على الجنائز، وبعض المحافل، وهذه بدعة محرمة ظاهرة، يأثم كل مستمع لها كما قاله أقضى القضاة الماوردي، ويأثم كل قادر على إزالتها، أو على النهي عنها إذا لم يفعل ذلك، وقد بذلت فيها بعض قدرتي، وأرجو من فضل الله الكريم أن يوفق لإزالتها من هو أهل لذلك، وأن يجعله في عافية”9، وإنما المقصود بتحسين الصوت تلاوة القرآن مع مراعاة أحكام تلاوته، وتدبر معانيه.

والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.


1 رواه البخاري ومسلم.

2 رواه البخاري.

3 انظر التبيان في آداب حملة القرآن صـ (77- 78).ط: مكتبة الساعي.

4 رواه البخاري ومسلم.

5 رواه البخاري ومسلم. 

6 أخرجه البخاري ومسلم.

7 رواه أبو داود بإسناد جيد..

8 رواه البخاري ومسلم.

9 التبيان صـ(79).