السنن الرواتب

السنن الرواتب

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. أمَّا بعدُ:

فقد شرع الله بجانب الفرائض نوافل يُتقرب بها إليه، فكل فرض من الفروض الخمسة له نافلة إما قبلية أو بعدية، أو قبلية وبعدية، وقد رتب الله أجراً عظيماً لمن حافظ عليها، فعن أم حبيبة بنت أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: ((من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة: أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر))1.

 وهذه السنن هي:

سنة الفجر:

وردت عدة أحاديث في فضل المحافظة على سنة الفجر، فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الركعتين قبل صلاة الفجر: ((لهما أحب إلي من الدنيا جميعاً))2. وعنها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها))3. وقد حافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر، فعن عائشة رضي الله عنها, قالت: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر)4.

قال ابن القيم رحمه الله: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في سفره الاقتصار على الفرض، ولم يُحفظ عنه أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها؛ إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر"5.

والسنة تحفيف ركعتي الفجر؛ لما في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح6، ويقرأ في الركعة الأولى من سنة الفجر بعد الفاتحة: {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية: {قل هو الله أحد}، أو يقرأ في الركعة الأولى منهما: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا…}[سورة البقرة: 136]، ويقرأ في الركعة الثانية: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم…}[آل عمران: 64].

سنة الظهر:

ورد في سنة الظهر أنها أربع ركعات أو ست أو ثمان، والراتبة بعد الظهر ركعتان، أما الأربع فهي من السنن غير الراتبة، ولكن يستحب الإتيان بها لما ورد في فضلها، وإليك أدلة سنة الظهر:

أما ما ورد في أنها أربع ركعات، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الصبح)7.

أما ما ورد في أنها ست ركعات، فعن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالت: كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعاً، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين8.

وعن أم حبيبة بنت أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة: أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر))9.

أمَّا مَا وردَ في أنها ثماني ركعات، فعن أم حبيبة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى أربعاً قبل الظُّهر, وأربعاً بعدها, حرَّم اللهُ لحمَهُ على النَّارِ)10.

ولا تعارض بين حديث ابن عمر من أنه كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبين الأحاديث الأخرى من أنه كان يصلي أربعاً، قال الحافظ: "والأولى أن يُحمل على حالين؛ فكان تارة يصلي ثنتين, وتارة يصلي أربعاً، وقيل: هو محمول على أنه كان في المسجد يقتصر على ركعتين، وفي بيته يصلي أربعاً، ويحتمل أن يكون يصلي إذا كان في بيته ركعتين ثم يخرج إلى المسجد فيصلي ركعتين، فرأى ابن عمر ما في المسجد دون ما في بيته، واطلعت عائشة على الأمرين، ويقوي الأول ما رواه أحمد وأبو داود في حديث عائشة كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعاً ثم يخرج، قال أبو جعفر الطبري: الأربع كانت في كثير من أحواله, والركعتان في قليلها)11.

قضاء سنتي الظهر:

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصلِّ أربعاً قبل الظهر صلاهن بعده12. وروى ابن ماجه عنها, قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الأربع قبل الظهر صلاهن بعد الركعتين بعد الظهر13.

هذا في قضاء الراتبة القبلية، أما قضاء الراتبة البعدية فقد جاء في "الصحيحين" عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما -أي الركعتين بعد العصر- ثم رأيته يصليهما, أما حين صلاهما فإنه صلى العصر, ثم دخل وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما، فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه فقولي له تقول أم سلمة: يا رسول الله إني أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما، فإن أشار بيده فاستأخري عنه، قال ففعلت الجارية فأشار بيده، فاستأخرت عنه، فلما انصرف قال: (يا بنت أبي أمية سألتِ عن الركعتين بعد العصر إنه أتاني ناس من بني عبد قيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان) متفق عليه14.

وروى أحمد عن أم سلمة قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، وقد أُتي بمال، فقعد يقسمه حتى أتاه المؤذن بالعصر؛ فصلى العصر ثم انصرف إليَّ، وكان يومي، فركع ركعتين خفيفتين، فقلنا: ما هاتان الركعتان يا رسول الله أُمِرت بهما؟ قال: ((لا .. ولكن ركعتان كنت أركعهما بعد الظهر فشغلني قسم هذا المال حتى جاء المؤذن بالعصر فكرهت أن أدعهما))15.

سنة المغرب:

يسن بعد صلاة المغرب صلاة ركعتين لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الصبح"16.

وكان لا يدع هاتين الركعتين فقد روى أحمد عن ابن عمر أنه قال: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يدع ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الصبح17.

ويُستحبُّ أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة: بـ {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد} فعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ما أحصي ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب, وفي الركعتين قبل الفجر بـ {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد}18.

ويستحبُّ أن تؤدَّى في البيت، فعن محمود بن لبيد قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد الأشهل فصلى بهم المغرب، فلما سلَّم قال: ((اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم))19، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته)20.

سنة العشاء:

وسنة العشاء ركعتان، والأحاديث السابقة تدلُّ عليها.

والأفضل أن تؤدَّى السنن الراتبة في البيت، وذلك لمصالح تترتب على ذلك؛ منها البعد عن الرياء والإعجاب، ولإخفاء العمل عن الناس، ومنها: أن ذلك سبب لتمام الخشوع والإخلاص، ومنها: عمارة البيت بذكر الله والصلاة التي بسببها تنزل الرحمة على أهل البيت، ويبتعد عنه الشيطان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً)) متفق عليه21.

السنن غير المؤكدة

أربع ركعات بعد الظهر:

الوارد من فعل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه صلَّى ركعتينِ، وورد عنه صلى الله عليه وسلم, أنه قال: ((من صلى أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعدها حرم الله لحمه على النار))22.

أربع ركعات قبل العصر:

عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً))23.

ركعتان قبل المغرب:

روى البخاري عن عبد الله بن مُغفَّل المزني أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم, قال: ((صلوا قبل صلاة المغرب، صلوا قبل صلاة المغرب)) ثم قال في الثالثة: ((لمن شاء)) كراهية أن يتخذها الناس سنة24.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنا نصلي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، فقلت له25: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا)26.

وعنه رضي الله عنه أنه قال: (كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري فيركعون ركعتين ركعتين, حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صُليت مِنْ كثرة مَنْ يصليهما)27.

نسأل الله أن يوفقنا لعمل الخير، وأن يتقبل منا أعمالنا، ويجعل كل أعمالنا خالصة لوجهه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

 


 


1 رواه الترمذي (415)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح", رقم (1116).

2 رواه مسلم (725).

3 رواه مسلم (725).

4 رواه البخاري (1116).

5 زاد المعاد (1/473).

6 رواه البخاري (1118).

7 رواه البخاري (1126) ومسلم (729).

8 رواه مسلم (730).

9 رواه الترمذي (415)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح رقم (1116).

10 رواه أحمد، وأصحاب السنن، وصححه الترمذي وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1708).

11 فتح الباري (3/58).

12 رواه الترمذي (426)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم (350).

13 رواه ابن ماجه (1158)، وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه رقم (241)، وقال في تمام المنة لفظة: بعد الركعتين لفظة منكرة.

14 البخاري (1176)، ومسلم (834).

15 رواه أحمد (26560)، وقال محققو المسند: " صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر صحيح، وهذا إسناد ضعيف على قلب فيه".

16 رواه البخاري (1126) ومسلم (729).

17 رواه أحمد (5128)، وقال محققو المسند: "حديث صحيح".

18 رواه الترمذي (431) وحسنه، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (355).

19 رواه أحمد (23628)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه رقم (956).

20 سبق تخريجه.

21 راجع: الملخص الفقهي (125).

22 رواه أحمد (26763)، والنسائي (1812)، وصححه الألباني، انظر صحيح سنن النسائي رقم (1708).

23 رواه أحمد (5980)، وأبو داود (1273)، والترمذي (430)، وحسنه الألباني، انظر صحيح الترمذي رقم (354).

24 صحيح البخاري (1128).

25 أي الراوي عن أبي هريرة.

26 رواه مسلم (836).

27 رواه مسلم (837).