تهادوا تحابوا

تهادوا تحابوا

 

الحمد لله الكريم الرحمن، جزيل العطايا والإحسان، والصلاة والسلام على نبينا محمد خير الأنام، وعلى آله وصحبه الغر الكرام، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم بإحسان. أما بعد:

للهدية أثرٌ عجيبٌ وعميقٌ في نفوس من نهاديهم، فبها يزول ما في النفوس من جفاءٍ ووحشةٍ، وبها ترق القلوب، وتصفو النفوس، وتزداد المودَّة والألفة، ويعمق الحب، وتوثق الروابط؛ ولهذا يوصينا نبينا صلى الله عليه وسلم بأن يهادي بعضُنا بعضًا فقال: ((تهادوا تحابوا))1.

إن للهدية أثراً عجيباً في النفوس، كم من شحناء وغل أذهبته، وكم من حقد وحنق وغيض أزالته ، وكم ألفت بين القلوب، وكم قربت بين النفوس؟

ويكفينا في هذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم للهدية حيث ذكر أنها سبب لجلب المحبة والتعاطف والأخوة ((تهادوا تحابوا)).

ولا يشترط في الهدية أن تكون شيئاً ثميناً، بل لو كانت شيئاً يسيراً لكفى ذلك، فقيمة الهدية المعنوية أكبر من قيمتها المادية. قال بعضهم: كان التابعون يرسلون الهدية لأخيهم ويقولون: نعلم غناك عن مثل هذا وإنما أرسلنا ذلك لتعلم أنك منا على بال.

إن الهدية تُضعِّف الحب، أي تزيده وتذهب بغوائل الصدر، روى الإمام الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحرَ الصَّدْرِ))2 أي تذهب وسواسه وحقده وغيضه وبغضه وعداوته للآخرين.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها، وكان يدعو إلى قبولها ويرغّب فيها، ففي صحيح البخاري أن عائشة رضي الله عنها قالت لعروة: ابن أختي! إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فقلت: يا خالة، وما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان، التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم فيسقيناه)3.

قال المهلب: فيه الحض على التهادي والمتاحفة ولو باليسير؛ لما فيه من استجلاب المودة، وإذهاب الشحناء، واصطفاء الجيرة، ولما فيه من التعاون على أمر العيشة المقيمة للإرماق، وأيضا فإن الهدية إذا كانت يسيرة فهي أدل على المودة، وأسقط للمئونة، وأسهل على المهدي لاطراح التكليف4.

وللهدية أهمية كبيرة في جذب غير المسلمين إلى الدين الإسلامي وتأليف قلوبهم, كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع صفوان بن أمية، فأسلم صفوان وحسن إسلامه، ثم سخّر كل ما يملك لخدمة الإسلام، عن ابن شهاب قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح -فتح مكة- ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين فاقتتلوا بحنين فنصر الله دينه والمسلمين وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم، ثم مائة، ثم مائة، قال ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب أن صفوان قال: "والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي5.

ويستحب لك -أيها الأخ- اختيار الوقت المناسب للهدية، وقد تُستَغل بعض المناسبات لإعطاء الهدية مثل الزواج والشفاء من المرض والرجوع من السفر والنجاح في الامتحانات، وكذلك ينبغي أن تُختار الهدية المناسبة لكل شخص، فهدية الصغير تختلف عن هدية الكبير، وهدية الغني تختلف عن هدية الفقير، وهدية العالم تختلف عن هدية الجاهل، ولا ننسى ونحن نقدم الهدية أن نقدمها بنفس طيبة ووجه طلق، وابتسامة عذبة فقد يكون لذلك وقع أعظم من الهدية.

أسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلوب المسلمين وأن يذهب ما فيها من بغضاء وشحناء، إنه أعظم من سُئل وأكرم من رُجي.. والحمد لله رب العالمين.


1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/169)، وحسنه الألباني انظر حديث رقم (3004) في صحيح الجامع.

2 أخرجه الترمذي في سننه (2130)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي (2130).

3 رواه البخاري (6094)، ومسلم (2972).

4 شرح ابن بطال (13/84).

5 صحيح مسلم (2313).