عظمة الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن عظمة الله تعالى لا يعرفها إلا المؤمنون الموحدون الذين امتلأت قلوبهم بمعرفة الله وإجلاله وتعظيمه، وهذه العظمة التي اختص الله بها نفسه تقف الخلائق تجاهها حائرة مهما بلغت من التقدم والرقي في الدنيا.
إن من عظمة الله وقوته وقدرته أنه أكبر شيء، وأن الخلائق بالنسبة إليه لا تساوي شيئاً، وإذا كان كرسي الله الذي هو موضع قدميه سبحانه قد وسع السماوات والأرض فما نسبته للعرش؟ ثم ما نسبة العرش لله سبحانه؟ وقد جاء في آية الكرسي قوله عز وجل: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة: 255]. وفي حديث أبي ذر الغفاري الطويل أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، فأيُّ ما أنزل الله عليك أعظم؟، قال: ((آية الكرسي)) ثم قال: ((يا أبا ذر، ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة)1.
إن الناظر إلى الكون وما يحويه من كواكب عظيمة وأفلاك ضخمة بعد تطور أجهزة الأرصاد والكشف وتقريبها للبعيد ليرى العظمة التي يحار دونها العقل! إذا كانت هذه الأرض التي تعيش عليها الكائنات الحية ما هي إلا كذرة في الكون! فكيف إذا قورنت الأرض الصغيرة المعلقة في الهواء بالمجموعة الشمسية! ثم ما النسبة إذا قورنت هذه المجموعة بالمجموعات الأخرى؟! وكل هذه المخلوقات ما هي إلا من مكونات السماء الدنيا! فكيف بالسماوات الأخرى وما تحويها من عجائب لا يعلمها إلا الله؟
إن الإنسان ضعيف كل الضعف، وهو حين يعصي الله العظيم يصبح أضعف من أي ضعيف! وكل هذا يبين لنا عظمة الله تعالى وأن الخلائق هذه التي خلقها كلها في ستة أيام لتنبئ عن أن هناك خالقاً عظيماً كبيراً جليلاً سبحانه وبحمده لا إله إلا هو.
ومن عظمة الله وقدرته أنه يجعل السماوات والأرض يوم القيامة جميعاً في قبضته ويهزهن هزاً، فيهتز لعظمته كل شيء، إنه العظيم الكريم، يقول عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر: 67]. متفق عليه.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جَاءَ حَبْرٌ مِنْ الْأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ! فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} متفق عليه. وفي رواية: (ثم يهزهن فيقول: أنا الملك أنا الملك..).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَطْوِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟). رواه مسلم.
وقال تعالى في بيان عظمته: {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[غافر: 16].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ! ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟). متفق عليه.
وما الإنسان الذي يتكبر ويتعاظم بجانب هذا الكون الفسيح؟{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[غافر: 57].
لقد خلق الله تعالى الكون في ستة أيام بدون تعب ولا مشقة وإن ذلك عليه ليسير، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}[سورة ق: 38]. أي عظمة هذه؟ وأي قوة؟ وأي قدرة؟ فسبحان العلي العظيم..
وأمام هذه العظمة لا بد أن يقف الإنسان وقفات يعرف بها أين هو من هذه العظمة وما دوره تجاهها:
1. أن يعلم الإنسان أنه ضعيف بخلقته وطبيعته، ولتقوية ذلك الضعف عليه أن يكون من المطيعين لله حتى يقوى ويكون من المقربين، فإنه لو عصى الله وتكبر عليه ازداد ضعفاً وذلاً وهواناً وبُعداً من ربه.
2. أنه لا بد من التفكر في خلق السماوات والأرض للتعرف على الله الخالق العظيم، وقد أثنى الله على المتفكرين في عظمة الكون، فقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[آل عمران: 190-191].
3. أن يسخر الإنسان وسائل التطور الحديثة في طاعة الله وفي الدعوة إلى سبيله، وأن يزيده النظر في الكون بصيرة إلى بصيرته وإيماناً إلى إيمانه، وخاصة عندما يرى الأرض من مكان بعيد وهي تتحرك كالكرة في الجو، وكلما سمع عن اكتشاف جديد لما في هذا الكون من أسرار ذكر عظمة الله وزاده ذلك قوة في دينه واستقامة على شرع ربه.
4. عند النظر في عظمة الكون المخلوق لله فإنه يجب على الإنسان أن يتواضع وأن يعلم أنه مخلوق صغير جداً يتحرك على ظهر الأرض، وهذا يزيده معرفة بنفسه وذاته، ويكون على علم ويقين أنه مخلوق ضعيف، وأنه عائد إلى الله العلي العظيم.
5. ألا ييأس المسلم من تسلط الأعداء على الدين وأهله، وأن يعلم علم اليقين أن الله على كل شيء قدير وأنه من عظمته يقول للشيء كن فيكون، فتزداد ثقته بالله وتمسكه بحبله، ويعلم أن العباد ضعفاء محتاجون لله العظيم، مهما تكبروا وطغوا في الأرض، فإنهم عائدون إلى ربهم العظيم الأعلى.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام نسألك إيماناً لا يرتد ونعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
والله المستعان.
1 صحيح ابن حبان (2/213).