توعية أهل الحي بأهمية المسجد

 

 

توعية أهل الحي بأهمية المسجد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير مبعوثٍ رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، أما بعد:

فإن المساجد هي أحب البقاع إلى الله، وهي المنطلق الأكبر للدعوة إلى الله، وهي التي قال الله فيها: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}[النور: 36]، ولقد عَظَّم الإسلامُ المسجد، وأعلى مكانتَه، ورسَّخَ في النفوس قدسيتَه، فأضافه اللَّهُ تعالى إليه إضافةَ تشريفٍ وتكريم فقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن: 18]، وهي التي يعمرها أهل الإيمان بالله عز وجل قال الله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}[التوبة: 18].

وعمارة المسجد عند أهل العلم على ضربين:

عمارة حسية: بالبناء والتشييد، وأجرها عظيم لمن قصد بها وجه الله  عز وجل.

وعمارة معنوية: بالصلاة والذكر، والدعاء وقراءة القرآن الكريم.

وكلا المعنيين وارد في هذه الآية، فلا يعمر هذه البيوت إلا أولياؤه سبحانه وتعالى، ولا يحق للزنادقة، ولا يصح للملاحدة، وليس للمنافقين؛ طريقة إلى عمارة المساجد؛ لأن الذين يعمرون المساجد يريدون أن يعمر هذا الدين، وأن يستمر، وأن ينتشر ليصل نوره إلى كل مكان، فهم يبنون قلاعاً من الانتصار للرسالة الخالدة العظيمة، رسالة محمد  ، وهم يشيدون معاقل لرفع راية التوحيد خفافة في كل شبر من الأرض، فعلى الأمة الاعتناء بمساجدها لأنها مظهر للرقي والفلاح.

لقد كنا أمة مبعثرة قبل ظهور الإسلام، فلما بعث محمد   جمعنا في أعظم جامعة آخت بين قلوبنا، وجمعت كلمتنا، ووحدت شملنا، ولمت شعثنا؛ ألا وهي المسجد، فكان حقاً علينا جميعاً أن نظهر هذه المساجد بأجمل مظهر يعرفه الناس، فنعتني بها أكثر من اعتنائنا ببيوتنا ومنازلنا، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أمر الرسول صلي الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب))1، وتنظيفها يعني: إزالة الأذى منها، أما تطيبها فيكون بانبعاث الرائحات الندية من العطور والبخور وما شابه ذلك بين جنباتها لتشتاق إليها الأرواح المؤمنة، وترتاح بها الأنفس الزكية.

ومن هنا كان علينا جميعاً الاهتمام بشئون المساجد، والحرص على إقامتها في كل مكان تدعو الحاجة إلى وجودها فيه، وخاصة في أماكن التواجد البشري، والعمل الجماعي، وعلى الطرق للمسافرين، وفي محطات الوقوف والانتظار، والمطارات، ودور التعليم، وأماكن النزهة والاصطياف، والحدائق وغيرها، ومن المهم جداً معرفة أنه لا يكفي أن تقام المساجد هنا وهناك دون عناية بشئونها، أو اهتمام بخدمتها، أو حرص على جمال مظهرها، وإعدادها لاستقبال المصلين في كل حين.

فمن هنا كان المسجد مدرسة يتربى فيها المجتمع كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء، فمتى عادت الأمة إلى المسجد، وقامت بواجبه؛ أفلحت، وربحت، وتحقق لها ما تصبو إليه من الخير.

وينظرُ الإسلام إلى المسجد نظرة خاصة وهامة من حيث اعتبارها ميداناً واسعاً، ومكاناً رحباً؛ يُعْبَدُ اللَّهُ تعالى في أرجائه، ويطاع في سائر نواحيه وأجزائه, ولذا منحه فضائل فريدة، وميَّزَه بخصائص عديدة؛ باعتباره منطلق الدعوة إلى الخالق جل وعز، ومركز الإشعاع الأول الذي انطلقت من جنابته أحكام التشريع، وانبعثت من ردهاته أشعة الإيمان.

فالمسجد يحتل مرتبةً مميزة ومعظمة في أفئدة المسلمين تزكو به نفوسُهم، وتطمئن قلوبُهم، وتتآلف أرواحهم، وتصفو أذهانُهم، يجتمعون فيه بقلوبٍ عامرةٍ بالإيمان، خاشعة متذللةٍ للخالق الديان، فرسالة المسجد شاملة ومتنوعة، وصافية ومتعددة، تنتظم مجالاتٍ مختلفة لنشر القيم الإسلامية، وغرس الآداب والأخلاق الحميدة، وإبراز سمو الإنسان وكرامته، والحفاظ على وجوده وحياته، وتقويم سلوكه، وإشعاره بالأمن والطمأنينة من خلال الأدوار المتعددة، والمجالات المختلفة التي يضطلع بها المسجدُ لتحقيق الأمن الاجتماعي، وتوفير الطمأنينة النفسية والروحية التي تخفف عن الناس أعباءَ الحياةِ وآلامها، وتكبحُ فيهم جموح الغرائز وشهواتها، وبالدوام على صلاة الجماعة تترسّخ أواصر المحبة والأخوة، وروابط الألفة بين الأفراد، وتضاعف الدرجات,وتزكوا النفوس, وتمحى السيئات كما في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله   قال: ((ألاأدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله!! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط))2، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي   قال: ((من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح))3.

فالمحافظة على الصلاة في المسجد جماعة لها فضل عظيم عند الله عز وجل، ومن هذا الفضل أن الذي قلبه معلق بالمسجد يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم قال رب العالمين في كتابه الكريم: {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ *إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:88-89].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي   قال: ((سبعة يظلهم الله في ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق فأخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه))4.

فعلى أهل الحي المحافظة على المسجد، وحضور صلاة الجماعة، وتربية أولادهم على ذلك، والتأدب بآدابه، ومن آدابه ما يلي:

1- محبة المساجد وتقديرها، والنظر إليها بعين التكريم والتعظيم، والتقديس والاحترام، لأنها بيوت الله تعالى التي بنيت لذكره وعبادته؛ قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج:32].

2- المحافظة على ارتياد المساجد ولو كانت بعيدة عن منزله، والمشي إليها ولو تحمل في سبيل ذلك الحّر والبرد، وظلمة الليل ومشقة الطريق فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله  : ((إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام))5 رواه مسلم، وعن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار لا أعلم أحداً أبعد من المسجد منه، وكانت لا تخطئه صلاة، فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرّني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله   :((قد جمع الله لك ذلك كله))6.

3- التهيؤ للذهاب إلى المسجد بالطهارة وحسن الوضوء والتسوّك، ولبس الثياب النظيفة، وتقليم الأظافر، وترجيل الشعر، والتجمّل والتطيّب قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف: 31]، وعن أبي هريرة  رضي الله عنه أن النبي  قال: ((من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضة من فرائض الله؛ كانت خطواته إحداها تحطّ خطيئة، والأخرى ترفع درجة))7.

4- المسارعة إلى تلبية النداء، والتوجه إلى المسجد مهما كانت الأعذار قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال: 24]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “أتى النبي  رجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله   أن يرخّص له فيصلي في بيته، فرخّص له، فلما ولى دعاه فقال له: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟)) قال: نعم، قال: ((فأجب))”8.

5- صيانة المسجد من الأطفال والمجانين، وتشجيع الصغار الذين تجاوزوا السابعة، وإحضارهم إلى المسجد تعويداً لهم على العبادة، وتحبيبهم بالمساجد، مع تعليمهم آدابها قبل دخولها.

6- تجنب التطيب والتزين والتبرّج للمرأة التي تشهد المساجد، ودخولها وخروجها من المكان المخصص للنساء، دون اختلاطها بالرجال أو مزاحمتهم فعن زينب الثقفية رضي الله عنها قالت: قال لنا رسول الله  : ((إذا شهدت إحداكنّ المسجد فلا تمسّ طيّباً))9.

7- تجنب تلويث المسجد بالبصاق أو المخاط أو النخامة، وخاصة عند عتبات المسجد، أوعلى بابه، أو في أماكن الوضوء، والقيام على إزالته إن وجد فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله  قال: ((البصاق في المسجدخطيئة، وكفارتها دفنها))10، وعن عائشة رضي الله عنها “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في جدار القبلة مخاطاً أو بزاقاً أو نخامة فحكّه11.

8- تجنب أكل الثوم أو البصل وما له رائحة كريهة كشرب الدخان، والدخول إلى المسجد قبل إزالتها بتنظيف الفم بالماء والفرشاة والمعجون، أو بالسواك فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله  : ((من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا))12، وعنه رضي الله عنه أن النبي   قال: ((من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم))13.

9- صلاة ركعتين سنة تحية المسجد قبل الجلوس إذا لم يكن وقت صلاة راتبة، فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله  : ((إذادخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين))14.

10- الدخول إلى المسجد مقدماً الرجل اليمنى قائلاً: “بسم الله، اللهم صل على سيدنا محمد، اللهم افتح لي أبواب رحمتك”، وعند الخروج مقدماً الرجل اليسرى، واضعاً حذاءه أمامه بهدوء قائلاً: “اللهم صل على سيدنا محمد، اللهم إني أسألك من فضلك” لحديث أبي أسيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله  : ((إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: “اللهم افتح لي أبواب رحمتك”، وإذا خرج فليقل: “اللهم إني أسألك من فضلك“))15.

فهذه بعض الآداب التي ينبغي معرفتها، ومراعاتها تجاه بيوت الله عز وجل وعلى أهل الحي أن يعلموا أبناءهم ونساءهم ذلك لأن المساجد إنما بنيت لعبادة الله وحده.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لطاعته، وعمارة بيوته، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


1 سنن أبي داود (1/178) برقم (455)؛ وسنن الترمذي (2/489) برقم (594)؛ وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/68) برقم (279).

2 صحيح مسلم (1/219) برقم (251)؛ وسنن الترمذي (1/72) برقم (51) وغيرهما.

3 صحيح البخاري (1/235) برقم (631)؛ ومسلم (1/463) برقم (669).

4 صحيح البخاري (1/234) برقم (629)، وصحيح مسلم (2/715) برقم (1031).

5 صحيح مسلم (1/460) برقم (662).

6 صحيح مسلم (1/460) برقم (663).

7 صحيح مسلم (1/462) برقم (666).

8 صحيح مسلم (1/452) برقم (653).

9 صحيح مسلم (1/328) برقم (443).

10 صحيح البخاري (1/161) برقم (405)؛ وصحيح مسلم (1/390) برقم (552)؛ وسنن النسائي (2/50) برقم (723)؛ ومسند أحمد بن حنبل (3/173) برقم (12798)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين؛ وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (1/520) برقم (5197)؛ وفي صحيح الجامع برقم (2886).

11 صحيح البخاري (1/159) برقم (399)؛ وصحيح مسلم (4/2303) برقم (3008)، واللفظ للبخاري.

12 صحيح البخاري (5/2077) برقم (5137)، وصحيح مسلم (1/394) برقم (564).

13 صحيح مسلم (1/394) برقم (564).

14 صحيح البخاري (1/391) برقم (1110).

15 صحيح مسلم (1/494) برقم (713).