أخلاق أهل القرآن

أخلاق أهل القرآن

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن القرآن الكريم يهدي لأحسن الأخلاق، وأطيب الخصال قال الله تعالى في كتابه الكريم: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (الإسراء: 9) قال ابن سعدي: يخبر تعالى عن شرف القرآن وجلالته، وأنه يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ أي: أعدل وأعلى من العقائد، والأعمال، والأخلاق، فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن كان أكمل الناس، وأقومهم، وأهداهم في جميع أموره1.

ولما سئل سعد بن هشام بن عامر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله  قالت: (كان خلقه القرآن، أما تقرأ القرآن قول الله ​​​​​​​: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم: 4)2 قال صاحب فيض القدير وهو يبين معنى قول عائشة: (كان خلقه القرآن): أي ما دل عليه القرآن من أوامره ونواهيه، ووعده ووعيده إلى غير ذلك، وقال القاضي: أي خلقه كان جميع ما حصل في القرآن، فإن كل ما استحسنه وأثنى عليه ودعا إليه فقد تحلى به، وكل ما استهجنه ونهى عنه تجنبه وتخلى عنه، فكان القرآن بيان خلقه. انتهى، وقال في الديباج: معناه العمل به، والوقوف عند حدوده، والتأدب بآدابه، والاعتبار بأمثاله وقصصه، وتدبيره وحسن تلاوته3.

وقال الإمام النووي وهو يذكر الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها حامل القرآن ومعلمه: “وينبغي للمعلم أن يتخلق بالمحاسن التي ورد الشرع بها، والخصال الحميدة، والشيم المرضية التي أرشده الله إليها من الزهادة في الدنيا، والتقلل منها، وعدم المبالاة بها وبأهلها، والسخاء والجود ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، والحلم والصبر، والتنزه عن دنيء المكاسب وملازمة الورع، والخشوع والسكينة والوقار، والتواضع والخضوع واجتناب الضحك، والإكثار من المزاح، وملازمة الوظائف الشرعية كالتنظيف والتقليم بإزالة الأوساخ والشعور التي ورد الشرع بإزالتها كقص الشارب، وتقليم الظفر، وتسريح اللحية، وإزالة الروائح الكريهة والملابس المكروهة، وليحذر كل الحذر من الحسد والرياء، والعجب واحتقار غيره وإن كان دونه، وينبغي أن يستعمل الأحاديث الواردة في التسبيح والتهليل ونحوهما من الأذكار والدعوات، وأن يراقب الله تعالى في سره وعلانيته، ويحافظ على ذلك، وأن يكون تعويله في جميع أموره على الله تعالى4.

وقال عن حامل القرآن أيضاً: أن يكون على أكمل الأحوال، وأكرم الشمائل، وأن يرفع نفسه عن كل ما نهى القرآن عنه إجلالاً للقرآن، وأن يكون مصوناً عن دنيء الاكتساب، شريف النفس مرتفعاً على الجبابرة والجفاة من أهل الدنيا، متواضعاً للصالحين وأهل الخير والمساكين، وأن يكون متخشعاً ذا سكينة ووقار، فقد جاء عن عمر بن الخطاب  أنه قال: “يا معشر القراء ارفعوا رؤوسكم فقد وضح لكم الطريق، فاستبقوا الخيرات، لا تكونوا عيالاً على الناس”، وعن عبد الله بن مسعود  قال: “ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون”، وعن الحسن بن علي  قال: “إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها في النهار”، وعن الفضيل بن عياض قال: “ينبغي لحامل القرآن أن لا تكون له حاجة إلى أحد من الخلفاء فمن دونهم”، وعنه أيضاً قال: “حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو”5.

فهذه بعضٌ الآداب التي ينبغي لأهل القرآن التأدب بها. جعلنا الله تعالى ممن يتأدب بآداب القرآن، ويتخلق بأخلاقه، والحمد لله رب العالمين.


1 تفسير السعدي (ص 454).

2 رواه أحمد في مسنده وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4811).

3 فيض القدير (5/216).

4 التبيان في آداب حملة القرآن للنووي (1/37).

5 المرجع السابق (1/54).