واجبات الصلاة

واجبات الصلاة

 

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خير خلقه أجمعين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 أمَّا بعدُ:

فالصلاة كما أن لها شروطاً وأركاناً, فلها واجبات، وواجبات الصلاة تختلف عن أركانها فالركن إذا تركه المصلي عمداً بطلت صلاته، وإذا تركه ناسياً فلا تصح صلاته حتى يأتي به، ويسجد سجدتي السهو، أما الواجب، فإن تركه عمداً بطلت صلاته، وإن تركه ناسياً فإنه يسجد سجدتي السهو، وصلاته صحيحة، وهذه الواجبات جعلها الجمهور من سنن الصلاة، ولكن الحنابلة جعلوها واجبات، وفرقوا بينها وبين سنن الصلاة، فالسنن لو تركها المصلي لا تبطل صلاته سواء أكان عامداً لذلك، أم ناسياً، ويباح السجود له1.

وقال الشيخ ابن عثيمين وهو يشرح قول صاحب الزاد: "واجباتها": أي: واجبات الصلاة، وهل يعني أن الأركان غير واجبة؟

الجواب: لا يعني أن الأركان غير واجبة، بل الأركان واجبة وأوكد من الواجبات، لكن تختلف عنها في أن الأركان لا تسقط بالسَّهْوِ، والواجبات تسقط بالسَّهْوِ، ويجبرها سُجودُ السَّهْوِ، بخلاف الأركان؛ ولهذا من نسيَ رُكناً لم تصحَّ صلاته إلا به، ومن نسيَ واجباً أجزأَ عنه سُجودُ السَّهْوِ، فإنْ تَرَكَه جهلاً فلا شيء عليه، فلو قام عن التشهُّدِ الأول لا يدري أنه واجب فصلاتُه صحيحة، وليس عليه سُجود السَّهْوِ؛ وذلك لأنه لم يكن تَرْكه إيَّاه عن نسيان2.

فالوجبات ثمانية, وهي كما يلي:

الأول: جميع التكبيرات التي في الصلاة -غير تكبيرة الإحرام- واجبة:

 فجميع تكبيرات الانتقال من قبيل الواجب, لا من قبيل الركن؛ لقول ابن مسعود: (رأيت النبي-صلى الله عليه وسلم- يُكبِّرُ في كلِّ رفعٍ وخفضٍ، وقيام وقعود) رواه أحمد والترمذي وصححه3، وأمر به فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا كَبَّرَ الإِمامُ فكبِّروا، وإذا قال: سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه, فقولُوا: ربَّنا ولكَ الحمدُ)4، وهذا يدلُّ على أنه لا بُدَّ مِن وجود هذا الذِّكْرِ، إذ الأمر للوجوب.

ومن الأدلة على ذلك: "مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه إلى أن مات، ما تَرَكَ التكبيرَ يوماً من الدَّهر, وقال: (صَلُّوا كما رأيتموني أصلِّي) رواه البخاري"5.

ولحديث علي بن يحيى بن خلاد, عن عمه, أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: (إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء-يعني مواضعه-، ثم يكبر ويحمد الله -جل وعز-، ويثني عليه، ويقرأ بما تيسر من القرآن، ثم يقول: الله أكبر، حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حتى يستوي قائماً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعداً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يرفع رأسه فيكبر، فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته)6.

الثاني: قول سمع الله لمن حمده للإمام، والمنفرد:

لحديث أبي هريرة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكبر حين يقوم إلى الصلاة، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: (سمع الله لمن حمده)، حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول -وهو قائم-: (ربنا ولك الحمد) متفق عليه.

الثَّالِثُ: التَّحميدُ:

أي قول: (ربنا ولك الحمد)، للإمام والمأموم والمنفرد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده؛ فقولوا: ربنا ولك الحمد) متفق عليه.

الرابع: قول: (سبحان ربي العظيم) في الركوع:

والواجب مرة واحدة ,ويُسنُّ الزيادة إلى ثلاث، وهي أدنى الكمال، وإلى عشر وهي أعلاها.

الخامس: قول: (سبحان ربي الأعلى) في الرُّكوع:

وقول: (سبحان ربي الأعلى) في السجود مرة واحدة، وتُسنُّ الزيادة إلى ثلاث؛ لقول حُذيفة في حديثه: (فكان –يعني النبي صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه: (سبحان ربي العظيم)، وفي سجوده: (سبحان ربي الأعلى)7.

وعن عقبة بن عامر, قال: لما نزلت: {فسبح باسم ربك العظيم}8 قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اجعلوها في ركوعكم), فلما نزلت: {سبح اسم ربك الأعلى}9 قال: (اجعلوها في سجودكم)10.

وقال الشيخ ابن عثيمين بعد ذكره لهذا الحديث: "وهذا بيانٌ مِن النبي صلى الله عليه وسلم لموضع هذا التسبيح، ومِن المعلوم أن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن يجب علينا أن نَرْجِعَ إليه؛ لأن أعلم الخَلْقِ بكلام الله هو رسول الله، ولهذا كان تفسير القرآن بالسُّنَّة هو المرتبة الثانية، فالقرآن نُفسِّرُه أولاً بالقرآن, مثل: {القارعة * ما القارعة * وما أدراك ما القارعة * يوم يكون الناس كالفراش المبثوث}[القارعة: 1-4] ويُفسَّر بعد ذلك بسُنَّة رسول الله؛ لأنها تبيِّنه مثل هذه الآية: {فسبح باسم ربك العظيم} [الواقعة: 74] حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوها في ركوعكم).

وهذا بيان لموضع هذا التَّسبيح وقد يُبيِّنُ النبي صلى الله عليه وسلم المعنى، مثل قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس: 26]، فالحُسنى هي الجنة، والزيادة النظر إلى وَجْهِ الله، هكذا فسَّرها النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما تسبيحة السُّجود فهي أيضاً مفسَّرة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اُجعلوها في سجودكم)، حين نَزَلَ قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}[الأعلى:1]"11.

السادس: قول: (رب اغفر لي)، بين السجدتين:

الواجب مرة واحدة، وتُسنُّ الزيادة على ثلاث، لحديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: (رب اغفر لي، رب اغفر لي) رواه النسائي وابن ماجه12.

السابع: التشهد الأول:

وهو أن يقول: (التحيات لله والصلوات والطيبات، والسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) متفق عليه، أو يقول أي صيغة ثابتة عن النبي-صلى الله عليه وسلم-.

لحديث ابن مسعود مرفوعاً: (إذا قعدتم في كل ركعتين، فقولوا: التحيات…) الحديث رواه أحمد والنسائي13.

 الثامن: الجلوس للتشهد الأول:

لحديث رفاعة بن نافع, وفيه: (فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن، وافترش فخذك اليسرى، ثم تشهد) رواه أبو داود14، وقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وقد داوم النبي صلى الله عليه وسلم على فعله، ولما نسيه في صلاة الظهر، سجد سجدتين قبل أن يسلم.

هذه واجباتُ الصَّلاة الثمانية، التي على المصلي أنْ يحرص عليها ولا يتركها، فإن سها عنها فإنه لا يعود لها, بل يكتفي بأن يسجد سجدتي السهو، وتكون صلاتُهُ صحيحة.

نسأل الله أن يتقبل منا أعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه، وأن يعلمنا ما ينفعنا, وأن ينفعنا بما علمنا، وصلى الله على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.


1 – راجع: منار السبيل (87-89)، والملخص الفقهي: (1/132-133).

2 – الشرح الممتع على زاد المستقنع (3/316).

3 – وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي رقم (1101).

4 – متفق عليه.

5 – راجع: الشرح الممتع على زاد المستقنع (3/ 316).

6 رواه أبو داود, وصححه الألباني، انظر:"صحيح سنن أبي داود" رقم (736).

7 رواه أبو داود والترمذي، وصححه، وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم (774).

8 – الواقعة: (74، 96).

9 – سورة الأعلى: 1.

10 – رواه أحمد, وأبو داود، وابن ماجه، وحسنه النووي في المجموع (3/413).

11 – الشرح الممتع على زاد المستقنع (3/321).

12 – صححه الألباني في إرواء الغليل رقم (335)، وصحيح ابن ماجه (731).

13 – وصححه الألباني في إرواء الغليل رقم (336)، وصحيح النسائي (1114)، والسلسلة الصحيحة رقم (787)، وصفة الصلاة (160).

14 – وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم (766).