النوم والمبيت في المسجد

النوم والمبيت في المسجد

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .. أما بعد:

هل يحوز للمسلم سواءً كان ذكراً أو أنثى المكث والمبيت في المسجد أم لا؟

ذهب كثير من أهل العلم إلى جواز ذلك، وبوب الإمام البخاري في صحيحه فقال: "باب نوم المرأة في المسجد" وذكر حديث عائشة رضي الله عنها: (أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها فكانت معهم. قالت: فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور قالت: فوضعته -أو وقع منها – فمرت به حدياة وهو ملقى فحسبته لحماً فخطفته قالت: فالتمسوه فلم يجدوه. قالت فاتهموني به. إلى أن قالت عائشة -رضي الله عنها-: فكان لها خباء في المسجد، أو حفش، قالت: فكانت تأتيني فتحدث عندي)1.

قال ابن حجر: "قوله: باب نوم المرأة في المسجد أي وإقامتها فيه… إلى أن قال: وفي الحديث إباحة المبيت والمقيل في المسجد لمن لا مسكن له من المسلمين رجلاً كان أو امرأة عند أمن الفتنة، وإباحة استظلاله فيه بالخيمة ونحوها"2.

ثم ذكر البخاري أيضاً الباب الذي بعد الباب السابق فقال: "باب نوم الرجال في المسجد" وذكر حديث نافع قال: أخبرني عبد الله أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم3.

وكذلك حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت فقال: (أين ابن عمك؟) قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي. فقال رسول الله لإنسان: (انظر أين هـو؟) فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول: (قم أبا تراب، قم أبا تراب)4.

قال ابن حجر: "قوله: باب نوم الرجال في المسجد .. أي جواز ذلك، وهو قول الجمهور، وروي عن ابن عباس كراهيته إلا لمن يريد الصلاة، وعن ابن مسعود مطلقاً، وعن مالك التفصيل بين من له مسكن فيكره، وبين من لا مسكن له فيباح.

قوله: هو راقد في المسجد: فيه مراد الترجمة، لأن حديث ابن عمر يدل على إباحته لمن لا مسكن له،  وكذا بقية أحاديث الباب، إلا قصة علي فإنها تقتضي التعميم، لكن يمكن أن يفرق بين نوم الليل وبين قيلولة النهار"5.

وذكر الشيخ سيد سابق كلاماً مختصراً في هذا فقال: "إباحة الأكل والشرب والنوم فيها –أي المساجد-: فعن ابن عمر قال: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ننام في المسجد نقيل فيه ونحن شباب، وقال النووي: ثبت أن أصحاب الصفة والعرنيين وعلياً وصفوان بن أمية وجماعات من الصحابة كانوا ينامون في المسجد، وأن ثمامة كان يبيت فيه قبل  إسلامه، كل ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 قال الشافعي في الأم: وإذا بات المشرك في المسجد فكذا المسلم. وقال في المختصر ولا بأس أن يبيت المشرك في كل مسجد إلا المسجد الحرام"6.

وأخيراً. نختم بذكر أقوال المذاهب الأربعـة في هذه المسألة:-

أولاً: الحنفية قالوا: يكره النوم في المسجد إلا للغريب والمعتكف، فإنه لا كراهة في نومهما به، ومن أراد أن ينام به ينوي الاعتكاف، ويفعل ما نواه من الطاعات، فإن نام بعد ذلك نام بلا كراهة.

وأما الشافعية قالوا: لا يكره النوم في المسجد إلا إذا ترتب عليه تهويش، كأن يكون للنائم صوت مرتفع بالغطيط.

وأما الحنابلة فقالوا: إن النوم في المسجد مباح للمعتكف وغيره. إلا أنه لا ينام أمام المصلين لأن الصلاة إلى النائم مكروهة، ولهم أن يقيموه إذ فعل ذلك.

وأما المالكية فقالوا: يجوز النوم في المسجد وقت القيلولـة، سواءً كان المسجد بالبادية أو الحاضرة. وأما النوم ليلاً فإنه يجوز لمسجد البادية دون الحاضرة، فإنه يكره لمن لا منزل له، أو لمن صعب عليه الوصول إلى منزله ليلاً؛ وأما السكنى دائماً، فلا تجـوز إلا لرجل تجرد للعبادة. أما المرأة فلا يحل لها السكن فيـه7.

هذا خلاصة ما قيل في هذه المسألـة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.


1 – البخاري مع الفتح 1/635 برقم (439).

2 – الفتح (1/636-637).

3 – البخاري مع الفتح (1/637) برقم (440).

4 – البخاري مع الفتح برم (441).

5 – الفتح (1/638).

6 – فقه السنة لسيد سابق (1/237) ط. دار الريان.

7 – الفقه على المذاهب الأربعـة (1/285).