فضائل المدينة

فضائل المدينة

 

الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مكور الليل على النهار، ومكور النهار على الليل، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، أما بعد:

فإن من حكمة الله عز وجل أن فاضل بين مخلوقاته، ففضل بعض البشر على بعض، وفضل بعض الأماكن على بعض، وفضل بعض الأزمنة على بعض، ومن تلك الأمكنة التي فضلها

مدينة رسوله – صلى الله عليه وسلم- ومن تفضيله لها:

أولاً: أن جعلها حرماً ولعن من أحدث فيها:

كما جاء من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه و سلم- قال: ((المدينة حرم من كذا إلى كذ1لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها حدث من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين))2.

وأكد هذا المعنى – صلى الله عليه وسلم- مراراً وتكراراً تعظيما لحرمتها، وتأكيداً على عظمتها كما جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((حرم ما بين لا بتي3 المدينة))4، وأكده مرة أخرى فقال: كما صح عن علي -رضي الله عنه- قال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي -صلى الله عليه و سلم-: ((المدينة حرم ما بين عائر5 إلى كذا، من أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل، وقال ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل،  ومن تولى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل))6.

ولذا قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها"، قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم-: ((ما بين لابتيها حرام))7.

ثانياً: رغب في سكنها وعدم مجاوزة حدود حرمها:

 قال أبو هريرة  – رضي الله عنه – أتى النبي -صلى الله عليه و سلم- بني حارثة فقال: ((أراكم يا بني حارثة قد خرجتم من الحرم))، ثم التفت فقال: ((بل أنتم فيه))8.

ثالثاً: ومن تفضيلها أن الله اختارها مهداً لدعوة نبيه وسكناً له، وأنها تنفي أهل السوء كما ينفي الكير خبث الحديد:

لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه و سلم-: (( أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد))9.

وعن محمد بن المنكدر عن جابر -رضي الله عنه- قال: جاء أعرابي النبي -صلى الله عليه و سلم – فبايعه على الإسلام فجاء من الغد محموم10 فقال: أقلني فأبى ثلاث مرات فقال: ((المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها))11

رابعاً: أن النبي – صلى الله عليه وسلم- سماها طابة: لحديث أبي حميد -رضي الله عنه-

قال: أقبلنا مع النبي -صلى الله عليه و سلم- من تبوك حتى أشرفنا على المدينة فقال:

((هذه طابة))12.

خامساً : حذر النبي – صلى الله عليه وسلم- على سبيل الإخبار عن تركها وسكن غيرها: لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم يقول: ((يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العواف –يريد عوافي السباع والطير– وآخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشا حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما))13

سادساً: ومن فضلها إخبار النبي – صلى الله عليه وسلم- بخيريتها: كما صح من حديث سفيان بن أبي زهير -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه و سلم-يقول: ((تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون14 فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح الشأم فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون))15

سابعاً: أنها مستقر الإيمان: لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه و سلم- قال: ((إن الإيمان ليأرز16 إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحره17))18.

 ثامناً: دفاع الله عن أهلها: لحديث عائشة قالت سمعت سعداً -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه و سلم- يقول: ((لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع19 كما ينماع الملح في الماء))20.

تاسعاً: حماية الله لها من دخول المسيح الدجال والطاعون:

لحديث أبي بكرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه و سلم- قال: ((لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان))21.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم -: ((على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال))22.

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه و سلم- قال: ((ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق))23

 عاشراً: دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم- لها بالبركة:

لحديث أنس بن مالك-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه و سلم- قال: ((اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة))24.

الحادي عشر: حب النبي – صلى الله عليه وسلم- لها، وشوقه إليها: لحديث أنس -رضي الله عنه-أن النبي -صلى الله عليه و سلم- كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدرات المدينة أوضع راحلته وإن كان على دابة حركها من حبها.

ولذا قال: أنس -رضي الله عنه-أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد فكره رسول الله -صلى الله عليه و سلم- أن تعرى المدينة وقال: ((يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم))،فأقامو25.

وبهذا القدر من الفضائل نكتفي، لعل الله أن ينفع بها قارئها، كما نسأله أن يبلغنا زيارتها وزيارة أماكنها الشريفة الطاهرة.

وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 


1  من عير إلى أحد وعير جبل بقرب المدينة.

2  رواه البخاري برقم (1734).

3  تثنية لابة وهي الحرة وهي الأرض ذات الحجارة السوداء.

4  رواه البخاري برقم (1736).

5  هو عير.

6  رواه مسلم برقم (2774).

7  رواه البخاري برقم (1740).

8  رواه البخاري برقم (1736).

9  رواه البخاري برقم (1738).

10  أصابته الحمى.

11  رواه البخاري برقم (1750).

12  رواه البخاري برقم (1739).

13  رواه البخاري برقم (1741).

14  يبسون: يسوقون إبلهم ودوابهم راحلين من المدينة.

15  رواه مسلم برقم (1388).

16  لينضم أهله ويجتمعون.

17  مسكنها الذي تأمن فيه وتستقر.

18  رواه مسلم برقم (147).

19  انماع: ذاب أي أهلكه الله تعالى ولم يمهله.

20  رواه مسلم برقم (1387).

21  رواه البخاري برقم (1746).

22 رواه مسلم برقم(1379).

23  رواه مسلم برقم (2943).

24  رواه البخاري برقم (1752).

25  رواه مسلم برقم (1376).