ماذا يفعل من أُحصِرَ عن العمرة؟
يذهب كثير من الناس لأداء العمرة في شهر رمضان الكريم طمعاً فيما علموه من فضيلة وردت عن النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما -: أنه – صلى الله عليه وسلم – قال لامرأة من الأنصار: ((ما منعك أن تحجي معنا؟)) قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه (لزوجها وابنها)، وترك ناضحاً ننضح عليه، قال: ((فإذا كان رمضان اعتمري فيه؛ فإن عمرة في رمضان حجة))1.
ولاحتمال أن يطرأ على من أراد العمرة طارئ يمنعه من إكمال نسكه (إما خشية عدوٍ، أو مرض، أو غير ذلك)؛ كان لا بد من الكلام حول ما يلزم هذا الشخص الذي مُنِعَ من إكمال نسكه بسب الإحصار.
ونذكر بداية قول الله – تبارك وتعالى -: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}2 قال العلامة ابن سعدي – رحمه الله – في قول الله – تبارك وتعالى -: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ}: "أي: منعتم من الوصول إلى البيت لتكميلهما بمرض، أو ضلالة، أو عدو، ونحو ذلك من أنواع الحصر الذي هو المنع، {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} أي: فاذبحوا ما استيسر من الهدي وهو سُبع بدنة، أو سُبع بقرة، أو شاة يذبحها المحصر، ويحلق ويحل من إحرامه بسبب الحصر كما فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه لما صدَّهم المشركون عام الحديبية"3، وقال العلامة ابن قدامة المقدسي – رحمه الله -: "وإذا قدر المحصر على الهدي فليس له الحل قبل ذبحه، فإن كان معه هدي قد ساقه أجزأه، وإن لم يكن معه لزمه شراؤه إن أمكنه، ويجزئه أدنى الهدي وهو شاة أو سبع بدنة لقوله – تعالى -: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}، وله نحره في موضع حصره من حل أو حرم نص عليه أحمد وهو قول مالك والشافعي، إلا أن يكون قادراً على أطراف الحرم ففيه وجهان:
أحدهما: يلزمه نحره فيه لأن الحرم كله منحر، وقد قدر عليه.
والثاني: ينحره في موضعه لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – نحر هديه في موضعه، وعن أحمد ليس للمحصر نحر هديه إلا في الحرم فيبعثه، ويواطئ رجلاً على نحره في وقت يتحلل فيه، وهذا يروى عن ابن مسعود فيمن لدغ في الطريق، وروي نحو ذلك عن الحسن والشعبي والنخعي وعطاء، وهذا والله أعلم فيمن كان حصره خاصاً، وأما الحصر العام فلا ينبغي أن يقوله أحد لأن ذلك يفضي إلى تعذر الحل لتعذر وصول الهدي إلى محله، ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه نحروا هداياهم في الحديبية هي من الحل"4.
ولو اشترط المحرم في ابتداء إحرامه أنه يحل من إحرامه متى مرض، أو فقد نفقة الحج، أو قال: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني؛ فهذا الاشتراط له أثره عند إحصاره؛ إذ يجوز له التحلل من إحرامه إذا أصابه إحصار بعدو، أو بغيره من الموانع، ولا شيء عليه لا هدي ولا قضاء ولا غيره لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على ضباعة بنت الزبير فقال لها: ((لعلك أردت الحج))، قالت: والله لا أجدني إلا وجعة، فقال لها: ((حجي واشترطي، قولي: اللهم محلي حيث حبستني))5, وحكم التحلل من الإحرام بسبب الإحصار صيرورته حلالاً يباح له تناول جميع ما حظره الإحرام لزوال الحاظر – المانع -، فيعود حلالاً كما كان قبل الإحرام، والله أعلم.
هذا ما تيسر القول فيه، والله – تبارك وتعالى – أعلى وأعلم، ونسبة العلم إليه أسلم, ونسأله التوفيق لإكمال رمضان وصومه إيماناً واحتساباً، وأن يتقبله منا, ويعتق رقابنا ورقاب آبائنا من النار، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه.