أعمال يوم النحر وأيام التشريق

 

أعمال يوم النحر وأيام التشريق

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمابعد:

نقف مع الأعمال التي يشرع للحاج عملها في يوم النحر وأيام التشريق.

أعمال يوم النحر:

أعمال يوم النحر يستحب تأديتها على الترتيب الآتي:

الرمي، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم الطواف بالبيت.

فلو قدم منها نسكاً على نسك فلا شيء عليه، عند أكثر أهل العلم. وهذا مذهب الشافعي؛لحديث عبد الله بن عمرو أنه قال: وقف رسول الله  في حجة الوداع للناس بمنى، والناس يسألونه، فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله، إني لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر. فقال رسول الله  : “اذبح ولا حرج“. ثم جاء آخر، فقال يا رسول الله إني لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، فقال رسول الله  : “ارم ولا حرج“. قال فما سئل رسول الله  – عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: “افعل ولا حرج“.1

وذهب أبو حنيفة: إلى أنه إن لم يراع الترتيب، فقدم نسكا على نسك فعليه دم. وتأول قوله “ولا حرج” على رفع الإثم دون الفدية.

وبرمي الجمرة يوم النحر وحلق الشعر أو تقصيره، يحل للمحرم كل ما كان محرما عليه بالإحرام؛ فله أن يمس الطيب ويلبس الثياب وغير ذلك ما عدا النساء. وهذا هو التحلل الأول.

فإذا طاف طواف الإفاضة -وهو طواف الركن- حل له كل شيء، حتى النساء، وهذا هو التحلل الثاني، والأخير.

 رمي الجمار:

أصل مشروعيته:  عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن النبي  – قال: (لما أتى إبراهيم عليه السلام المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض. ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض. ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض) قال ابن عباس رضي الله عنهما: “الشيطان ترجمون، وملة أبيكم تتبعون”.2

والجمار هي الحجارة الصغيرة، والجمار التي ترمى ثلاث، وكلها بمنى وهي:

1 – جمرة العقبة الكبرى، على يسار الداخل إلى منى.

2 – وجمرة العقبة الوسطى، بعدها وبينهما: 77 و 116 متراً.

3 – وجمرة العقبة الصغرى، وهي التي تلي مسجد الحيف وبين الصغر والوسطى 4و156 متراً.

حكم الرمي: ذهب جمهور العلماء: إلى أن رمي الجمار واجب، وليس بركن، وأن تركه يجبر بدم.

لحديث جابر -رضي الله عنه- قال: رأيت النبي   يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر، ويقول: (لتأخذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه).3

وعن عبد الرحمن التيمي قال: أمرنا رسول الله   أن نرمي الجماربمثل حصى الحذف في حجة الوداع.4

فدل الحديث على أن الحصى الذي يرمى به مثل حصى الحذف؛ ولهذا ذهب أهل العلم إلى استحباب ذلك. فإن تجاوزه ورمى بحجر كبير فقد قال الجمهور: يجزئه ويكره. وقال أحمد: لا يجزئه حتى يأتي بالحصى، على ما فعل النبي  ، ولنهيه   عن ذلك.

فعن سليمان بن عمرو بن الأحوص الأزدي، عن أمه قالت: سمعت النبي   وهو في بطن الوادي وهو يقول: (يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضاً، إذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الحذف).5

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله  : (هات،القط لي) فلقطت له حصيات هي حصى الحذف، فلما وضعتهن في يده قال: (بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك الذين من قبلكم الغلو في الدين).6

وحمل الجمهور هذه الأحاديث على الأولوية والندب.

أيام الرمي: أيام الرمي ثلاثة أو أربعة: يوم النحر، ويومان، أو ثلاثة من أيام التشريق.

قال الله تعالى: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (203) سورة البقرة.

الرمي يوم النحر: الوقت المختار للرمي، يوم النحر، وقت الضحى بعد طلوع الشمس، فإن رسول الله   إنما رماها ضحى ذلك اليوم.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- ضعفة أهله، وقال: (لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس).7 فإن أخره إلى آخر النهار جاز.

الذبح:

الذبح يكون على المتمتع والقارن، كما قال تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}(196) سورة البقرة، وإذا لم يجد الهدي فعليه صيام عشرة أيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذارجع إلى أهله، كما قال تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.

الحلق:

وهو من واجبات الحج، ولا يكون إلا بعد الذبح، كما قال تعالى: {وَلاَتَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (196) سورةالبقرة.

الطواف:

وهو طواف الإفاضة من عرفات، وهو ركن من أركان الحج. فإذا رمى ونحر وحلق وطاف، حل له كل شيء حتى النساء. وأما إذا فعل النسك الثلاثة الأولى وهي الرمي والنحر والحلق فيحل له كل شيء ما عداء النساء.

أعمال أيام التشريق: أهم أعمال أيام التشريق الرمي، والوقت المختار للرمي في الأيام الثلاثة يبتدئ من الزوال إلى الغروب.

فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن النبي   رمى الجمار عند زوال الشمس، أو بعد زوال الشمس.8

الترتيب في الرمي: الثابت عن رسول الله : أنه بدأ رمي الجمرة الأولى التي تلي منى، ثم الجمرة الوسطى التي تليها، ثم رمى جمرة العقبة. وثبت عنه أنه قال: “خذوا عني مناسككم“.

فاستدل بهذا الأئمة الثلاثة على اشتراط الترتيب بين الجمرات، وأنها ترمى هكذا،مرتبة، كما فعل رسول الله  ، والمختار عند الأحناف: أن الترتيب سنة.

ويمكن تلخيص ما سبق بالآتي:

للمفرد: رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة والسعي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، وأما المتمتع والقارن فيزيد بذبح الهدي، ويزيد المتمتع سعيا بعد طواف الإفاضة.

وهذه الأعمال تكون مرتبة:

– الرمي فالذبح فالحلق أو التقصير ثم الطواف والسعي. هذا هو الأفضل تأسيا بالنبي .

– ومن فعل اثنين سوى الذبح حصل بذلك التحلل الأول، وبذلك يحل له كل ما حرم عليه بالإحرام ما عدا النساء، وإذا فعل الثلاثة حل له كل شيء حرم عليه حتى النساء.

– لا يجوز للحاج تأخير رمي جمرة العقبة إلى اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق بدون عذر، ومن أخرها إلى أيام التشريق بلا عذر: فقد خالف السنة، وحرم من بعض أجرنسكه.

– الواجب تعميم الرأس كله بالحلق أو التقصير في حج أو عمرة، ولا يلزمه أن يأخذ من كل شعرة بعينها.

– من قَصّر من مقدم رأسه جاهلا ثم حل من إحرامه فإن ذلك لا يجزئه، ويجب عليه أن يتجرد من المخيط ويلبس الإزار ويكشف رأسه حتى يحلق أو يقصر من جميع الرأس بنية التحلل. فإن كان جامع زوجته في هذه الفترة فعليه دم يذبح بمكة ويوزع على فقراءالحرم، فإن لم يستطع فيصوم عشرة أيام.

– يوم الحج الأكبر هو يوم النحر، سمي بذلك لما في ليلته من الوقوف بعرفة، والمبيت بالمشعر الحرام، والرمي في نهاره، والنحر والحلق والطواف والسعي من أعمال الحج.

– ليس على الحجاج صلاة عيد الأضحى، ومن صلاها منهم مع الناس فهو مأجور.

– التحلل من الإحرام بالحج للرجل والمرأة يكون بعد رمي جمرة العقبة، وحلق الرجل رأسه، أو تقصيره شعره، وليس للمرأة إلا التقصير، فيحل لكل منهما بذلك كل شيء كان محرما عليهما بالإحرام إلا الجماع، أما التحلل الأكبر فيكون بالفراغ من طواف الإفاضة والسعي إذا كان عليه سعي، فيحل لهما كل شيء كان محرما عليهما بالإحرام حتى الجماع.

– وأما التحلل من العمرة فيكون لكل من الرجل والمرأة بعد الفراغ من الطواف والسعي والحلق أو التقصير، وليس للمرأة إلا التقصير.

– والقارن حكمه في التحلل حكم المفرد.

– لا يستحب للحاج الحلق أو التقصير بعد تحلله التحلل الأكبر (التحلل الثاني) بعد أن حلق أو قصر شعره في التحلل الأول.

– يرجع الحاج بعد الطواف والسعي إلى منى ويبقى بها بقية أيام الحج.

– يرمي الجمرات الثلاث بالترتيب ابتداءً من الكبرى طيلة أيام الحج تعجل أو تأخروالرمي بعد الزوال.

– بعد الرمي يسن له أن يتنحى قليلا ويدعو طويلا مستقبل القبلة رافعا يديه عند الصغرى والوسطى فقط.

– طواف الوداع وهو آخر أعمال الحج.

– استغلال هذه الأيام في طاعة الله من قراءة القرآن وذكر لله.

هذا ما يتعلق بالأعمال التي تكون في اليوم العاشر وأيام التشريق.9


1 رواه البخاري ومسلم.

2 رواه البيهقي والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.

3 رواه مسلم.

4 رواه الدارمي، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

5 رواه أحمد وأبو داود، وقال الألباني: حسن.

6 رواه أحمد والنسائي، وقال الألباني: صحيح.

7 رواه النسائي وقال الألباني: صحيح.

8 رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي، وحسنه.

9 المراجع: فقه السنة، وموقع: الحج والعمرة. ومراجع أخر.