مكة المكرمة تاريخ ورموز

مكة المكرمة تاريخ ورموز

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الأكرمين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن مكة المكرمة شرفها الله –تعالى- منذ أمد طويل، وجعل لها من المكانة والتبجيل ما جعلها مهوى أفئدة الناس، ومحل إعظامهم واحترامهم وتقديسهم.

لقد مرت على هذا البلد الحرام حوادث وتغيرات على مر العصور، ونظراً لكون الكعبة المشرفة واقعة فيه، فإن التغيرات حصلت بشكل غير معتاد في بقية البلدان، وذلك لدوام السكن والاستيطان حولها منذ عهد إبراهيم- عليه السلام- بل ومن قبله..

أخي: هل تعلم أن هذا البيت الحرام تاريخه بتاريخ وجود هذه البشرية، لقد ذكر علماء التاريخ والسير عن ابن عباس وغيره أن أول من بنى الكعبة هو آدم عليه السلام – وهذه من الإسرائيليات التي سمح لنا بالتحديث بها ما لم تخالف شرعنا.. وهذا يدل على أن إبراهيم لم يكن أول من بناها، لقول الله: (( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل)) لأنه أسسه على قواعد سابقة في مكان معروف سابقاً.. فأتى إبراهيم  لتجديدها بعدما اندثرت؛ بسب الطوفان في زمن نبي الله نوح -عليه السلام-.. وبعد إبراهيم -عليه السلام- وبعد ابنه إسماعيل، انتقلت ولاية مكة لجرهم الذين فسدوا بعد وأفسدوا وألحدوا في بيت الله فسلط الله عليهم خزاعة، استأصلوا شأفتهم، وقتلوهم وأسروهم، وهرب منهم الكثير.. فآل الأمر إلى خزاعة، وملكت الحرم ما يقارب من ثلاثمائة سنة.1 ثم آل الأمر إلى قصي بن كلاب فحاز شرف مكة، وأنشأ دار الندوة للمشورة. ثم تتابع الأمر كذلك إلى ابنه ثم إلى أحفاده، ومما جرى على الكعبة من حوادث: حادثة أصحاب الفيل وعزمهم على هدم الكعبة، لكن الله خيب عزمهم وحفظ البيت الحرام، وكانت تلك السنة التي ولد فيها الرسول- صلى الله عليه وسلم-، ثم إن قريشاً بنت الكعبة بعدما كانت مهدمة منذ فترة طويلة، إلا أنه قصرت بهم النفقة، فأنقصوا منها على خلاف ما بناها إبراهيم، ولما فتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة عام الفتح لم يتغير من ذلك شيء، وأعطى مفاتيح الكعبة لبني عبد الدار، وكان قد سلم المفاتيح آنذاك لعثمان بن طلحة، وقال:( لا ينزعها-أي الحجابة- عنكم إلا ظالم ). وهكذا.. مرت الأيام ولم يحصل لمكة شيء في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد الفتح.. ولما كان في عهد عبد الله بن الزبير- رضي الله عنه- احترقت الكعبة فبناها ابن الزبير على قواعد إبراهيم -عليه السلام-، وأصاب السنة في ذلك؛ لأنه سمع من خالته عائشة فيما رواه الإمام مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر، وليس عندي من النفقة ما يقويني على بنائه، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع، ولجعلت له باباً يدخل الناس منه وباباً يخرجون منه). فقال ابن الزبير: فأنا أجد ما أنفق ولست أخاف الناس.. ففعلها مثلما أراد الرسول -صلى الله عليه وسلم-) رواه مسلم. ولما حاصر الحجاج بن يوسف الثقفي وقتل عبد الله بن الزبير – رضي الله عنه- ظلماً وعدواناً أمره عبد الملك بن مروان أن يهدم الكعبة، ويعيد بناءها على ما بنتها عليه قريش، وهكذا… مضت السنون والأيام، ولم يزل حرم الله في أمن وأمان في عهد الدولة الأموية.. ومن الاهتمام بالحرم ما فعله عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه – من توسعة له، واهتمام بساحته، ثم جاء الوليد بن عبد الملك فجدد بناء الحرم بشكل ملفت للأنظار.

ثم جاء أبو جعفر المنصور ووسع الحرم المكي من شقه الشمالي، فاشترى من الناس دورهم اللاصقة من أسفله ووسعه من تلك الجهة.

ثم جاء المهدي أمير المؤمنين ووسع الحرم أكبر ما كان عليه أيام المنصور، وهكذا.. إلى أن جاء القرامطة الباطنية فانتهكوا حرمة الحرم في أوائل القرن الرابع الهجري، وانتزعوا الحجر الأسود، وأخذوه معهم إلى بلاد هجر في البحرين حتى أعادوه بعد مدة طويلة دامت أكثر من عشرين سنة، ثم تتابعت الترميمات والإصلاحات عبر العصور للمسجد الحرام.

وقد أخبر الرسول – صلى الله عليه وسلم- ما يحصل للكعبة آخر الزمان، فبين أنه يحاول جيش أن يغزو الكعبة فيهلكه الله كله، كما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة – رضي الله عنها-، وأن الذي يتجرأ على الكعبة فيهدمها – بقدر من الله- هو ذو السويقتين الحبشي؛ كما ثبت ذلك في البخاري ومسلم..

اللهم احفظ بيتك وحرمك من أيدي العابثين.. وهيئ لهذه الأمة من يقودها إلى الخير ويدلها عليه يا رب العالمين،،


 


1– أخبار مكة للأزرقي ص 103. ط/دار الأندلس.