مواقف الأنبياء في الحج

من مواقف الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – في الحج

مواقف النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – في الحج:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن المعلوم عند أهل السير والأخبار، والتراجم والآثار أن نبينا – صلى الله عليه وسلم- لم يحج بعد هجرته إلى المدينة إلا مرة واحدة؛ ألا وهي حجته الشهيرة "حجة الوداع" التي ذكرها أهل العلم والمحققين، ورواها المئات، وتناقلها الآلاف، حتى بلغو تواتراً لا يحصى عدده؛ ولا يحد رواته؛ إلا الله تعالى.

والحج فرض في السنة العاشرة وهذا ما ذهب إليه ابن القيم – رحمه الله -، واستدل بأدلة قويه، وهو اللائق بهديه – صلى الله عليه وسلم- في عدم تأخير ما هو فرض، لأن الله – تعالى – يقول: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}1، وقد نزلت عام الوفود أواخر سنة تسع2، وفي حجته هذه كانت له مواقف عظيمة سطرت في جبين التاريخ، وحفظت في ذاكرة الزمن، وقرئت على صفحة الكون، من أهمها:

أنه أرسى دعائم عدة قضايا، وأكد عليها أيما تأكيد:

الموقف الأول: القضاء على التمييز العنصري بين المسلمين، وتحقيق مبدأ العدل والمساواة، ورفض كل ما كان من أمر الجاهلية سواء كان له تعلق بالأخلاق أو العبادة أو الاقتصاد: قال – صلى الله عليه وسلم -: ((ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوعٌ، ودماء الجاهلية موضوعةٌ، وإن أول دم أضعُ من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد فقتله هُذيل، وربا الجاهلية موضوعٌ، وأول ربا أضع ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله))3.

الموقف الثاني: تأكيد حرمة الأموال والدماء، والأعراض والأنفس، وتعظيم أمرها، والتشديد من شأنها فقال: ((إن دمائكم، وأموالكم، وأعراضكم حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا))4.

الموقف الثالث: إعلان مبدأ حقوق المرأة والمحافظة على كرامتها، وصيانتها عن كل ما يمسها بسوء أو ضرر:

فأوصى بها، وأكد على عظم حقوقها، وما يجب عليها فقال: ((فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهم بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف))5.

الموقف الرابع: دعوة المسلمين إلى أن يتمسكوا في كل زمان ومكان بكتاب الله و سنته، والتأكيد على أخوة المسلمين ووحدتهم، فقال: ((وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وسنتي))6.

الموقف الخامس: إعلان اكتمال رسالة الإسلام وتمامها حيث قال: ((ألا هل بلغت، ألا هل بلغت، ألا هل بلغت؟، اللهم اشهد))7.

الموقف السادس: أعلن فيه – صلى الله عليه وسلم – مبدأ حِرص الإسلام على التيسير على الناس، فكان الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – لا يُسأل على أمر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) ليوافق يسر الملة، وسهولة الشريعة، حتى قال رجل: "يا رسول الله رميت بعدما أمسيت"، فقال: ((إرم ولا حرج))8، وولدت أسماء بنت عميس؛ محمد بن أبي بكر، وأرسلت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: كيف أصنع؟ فقال: ((اغتسلي واستثفري بثوب))9.

الموقف السابع: الأمر بتعظيم حق الله تعالى: فحين اعترضت له امرأة من خثعم وقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: ((نعم، حجي عنه))10 وذلك في حجة الوداع، وسألته امرأة من جهينة فقالت: يا رسول الله إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: ((نعم، أرأيت لو كان على أمك دين أ كنت قاضيته، اقضوا الله فالله أحق بالوفاء))11.

الموقف الثامن: تجنيب الناس مواطن الشبهات: حيث كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ – صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ…الحديث12.

الموقف التاسع: إعلان أن دين الله غير قابل للزيادة وأنه قد اكتمل: ولما فرغ من خطبته نزل عليه قوله – تعالى -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نعمتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً}13، وعندما سمعها عمر – رضي الله عنه – بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان14.

الموقف العاشر: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال فأوقصته قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً))15.

الموقف الحادي عشر: السهولة واللين مع الناس، مع ترغيبهم في الخير: فحين لقي ركباً بالروحاء قال: ((من القوم؟)) قالوا: المسلمون قالوا: من أنت؟ قال: ((أنا رسول الله)) فرفعت امرأة إليه صبياً، فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر))16.

الموقف الثاني عشر: إعطاء كل ذي حق حقه: فإنه أتى على بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم، فقال: ((أنزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم))، فناولوه دلواً فشرب منه17.

الموقف الثالث عشر: مراقبة الله تعالى في كل وقت، والتحلي بالسكينة والوقار والخشوع لله عز وجل: فإنه لما غربت الشمس أفاض من عرفه، وأردف أسامة بن زيد خلفه، وأفاض بالسكينة، وضم إليه زمام ناقته، حتى أن رأسها ليصيب طرف رحله وهو يقول: ((أيها الناس عليكم السكينة))18.

الموقف الرابع عشر: ملاطفته لصحابته، وحسن عشرته، وتفاني الصحابة في حبه، وفوز أبي طلحة بنصف شعر رأسه – صلى الله عليه وسلم- وذلك عندما دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحلاق ليحلق رأسه، فجاء معمر بن عبد الله ومعه الموس، فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجهه ثم قال له ملاطفاً: ((يا معمر، قد أمكنك رسول الله من شحمة أذنه وفي يدك الموس)) فقال معمر: والله يا رسول الله إن ذلك لمن نعم الله عليّ ومنّه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((أجل)) ثم قال له: خذ، وأشار إلى جانبه الأيمن، فأطاف به أصحابه، ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل، فجعل يُقسم بين من يليه الشعرة والشعرتين، ثم قال للحلاق: ((خذ وأشار إلى جانبه الأيسر، ثم قال: أين أبو طلحة؟))19 فجاء أبو طلحة، فدفع إليه شعر رأسه الأيسر كله، وكأنما استعاد -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين قضاها في المدينة، وبيت أبي طلحة وزوجه أم سليم وربيبه أنس بن مالك، كأنما هو من بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم-، خدمةً لرسول الله، وعنايةً بشأنه وقرباً وحفاوةً، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يختاره هذا اليوم على أهل هذا الموقف كلهم، فيعطيه شعر شق رأسه الأيسر كله، ويناوله ما لم يناول أحداً مثله، وينطلق أبو طلحة يحوز شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- وكأنما طلائع الأرض ذهباً وفضة بين يديه -رضي الله عنه-.

حتى بكى من شدة الفرح الذي أنهل عليه:

طفح السرور علي حتى أنه   ***      من فرط ما قد سرني أبكاني

الموقف الخامس عشر: تعليمه للناس بواسطة أفعاله وتصحيح الفهم الخاطئ بفعل ضده، ومنه أن الناس كانوا يظنون أن يوم عرفة يجب صيامه كما في حديث ميمونة – رضي الله عنها-: أن الناس شكوا في صيام النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم عرفة فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون20.

الموقف السادس عشر: ملازمة أسامة له – صلى الله عليه وسلم- وقضاء حاجته، ونزوله الشعب،

قال أسامة  – رضي الله عنه –  دفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عرفة، فنزل الشعب فبال، ثم توضأ، ولم يسبغ الوضوء. فقلت له: الصلاة! فقال: ((الصلاة أمامك))، فجاء المزدلفة فتوضأ، فأسبغ، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهم21.

الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – أيضاً يحجون:

آدم عليه السلام حاجاً:

عن أنس بن مالك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((كان موضع البيت في زمن آدم شبراً أو أكثر علماً، فكانت الملائكة تحجه قبل آدم، ثم حج آدم فاستقبلته الملائكة فقالوا: يا آدم من أين جئت؟ قال: حججت البيت، فقالوا: قد حجته الملائكة قبلك))22.

وعن عروة بن الزبير أنه قال "ما من نبي إلا وقد حج البيت، إلا ما كان من هود وصالح، ولقد حجه نوح فلما كان من الأرض ما كان من الغرق أصاب البيت ما أصاب الأرض، وكان البيت ربوة حمراء، فبعث الله هوداً عليه السلام فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه الله إليه فلم يحجه حتى مات، فلما بوأه الله لإبراهيم عليه السلام حجه، ثم لم يبق نبي بعده إلا حجه23" يقول ابن هشام: لم يبعث الله – تعالى – نبيا بعد إبراهيم إلا وقد حج هذا البيت، فموسى حج راكباً على جمل أحمر، وعليه عباءتان، فطاف بالبيت، وبين الصفا والمروة.

وروى ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: " أتى على هذا الوادي عيسى، وموسى، وصالح، وذكر غيرهم من الأنبياء على بكرات خطمهم الليف، وأذرهم النمار، وأرديتهم العباء، يلبون يحجون البيت العتيق".

وروى عبد الله بن الزبير أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "حج البيت ألف نبي من بني إسرائيل، لم يدخلوا مكة حتى عقلوا أنعامهم بذي طوى"، وعن مجاهد قال: كنا عند ابن عباس رضي الله عنهما فذكروا الدجال فقال: إنه مكتوب بين عينيه كافر، وقال ابن عباس: لم أسمعه قال ذاك ولكنه قال – أي النبي – صلى الله عليه وسلم- ((أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم، وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر، مخطوم بخلبة، كأني أنظر إليه إذ انحدر في الوادي يلبي))24.

موقف من حج إبراهيم – عليه السلام -:

الموقف الأول: الأذان والإعلان للناس بالحج يدل عليه قول الله{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}25.

الموقف الثاني: بناء البيت ورفع قواعده مع ابنه إسماعيل، والخوف والوجل من عدم تقبل العمل  

{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}26

الموقف الثالث: تعرض الشيطان لسيدنا إبراهيم – عليه السلام – ورميه له بالحجارة مما جعل هذا الفعل سنة متبعة إلى يومنا هذا:

عن ابن عباس – رضي الله عنهما – رفعه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لما أتى إبراهيم خليل الله صلوات الله عليه وسلامه المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض))، قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: الشيطان ترجمون، وملة أبيكم إبراهيم تتبعون27.

وعن عمرو بن عبد الله بن صفوان أن يزيد بن شيبان قال: كنا وقوفاً بعرفة مكاناً بعيداً من الموقف، فأتانا ابن مِرْبَع الأنصاري فقال: إني رسول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إليكم يقول: ((كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم – عليه السلام -))28.

 

حج نوح عليه السلام:

وقال الحافظ أبو يعلى: حَدَّثَنا سفيان بن وكيع، حَدَّثَنا أبي، عن زمعة – هو ابن أبي صالح – عن سلمة بن دهران، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال: حج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلما أتى وادي عسفان قال: ((يا أبا بكر أي واد هذا؟")) قال هذا وادي عسفان. قال: ((لقد مرّ بهذا نوح وهود وإبراهيم على بكران لهم حمر خطمهم الليف، أزرهم العباء وأرديتهم النمار يحجون البيت العتيق))29. فيه غرابة.‏

حج موسى ويونس بن متى – عليهما السلام -:

عن ابن عباس – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مرَّ بوادي الأزرق فقال: ((أي واد هذا؟)) فقالوا: هذا وادي الأزرق، قال: ((كأني أنظر إلى موسى – عليه السلام – هابطاً من الثنية (المرتفع من الأرض) وله جؤار (صوت مرتفع) إلى الله بالتلبية، ثم أتي على ثنية هَرْشي قال: كأني أنظر إلى يونس بن متى – عليه السلام – على ناقة حمراء جعدة (كثيرة اللحم) عليه جبة من صوف، خطام ناقته خُلبة (ليف) وهو يلبي))30 قال النووي: "أخبر عما أوحي إليه – صلى الله عليه وسلم – من أمرهم، وما كان منهم، وإن لم يرهم رؤيا عين".

وجاء من حديث ابن مسعود أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: ((كأني أنظر إلى موسى في هذا الوادي محرما بين قطوانتين))31

وجاء عن ابن عباس  – رضي الله عنه –  قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- (( كأني أنظر إلى يونس على ناقة خطامها ليف و عليه جبة من صوف و هو يقول : لبيك اللهم لبيك))32

 

حج عيسى – عليه السلام -:

قال – صلى الله عليه وسلم -: ((كأني أنظر إلى موسى، وكأني أنظر إلى عيسى، وكأني أنظر إلى يونس عليهم السلام))33.

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((والذي نفسي بيده ليهلنَّ ابن مريم بفج الروحاء حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهم))34

 

 

حج سليمان عليه السلام:

أورد المؤرخون أن سليمان عليه السلام حجَّ إلى بيت الله الحرام بمكة، في ركبٍ مَلَكيٍ كبيرٍ وفّى فيه نذره، وقدم في حجته ذبائح وقرابين كثيرةً، وأنه بعد حجه عليه السلام سافر بركبه إلى اليمن، ودخل أرض صنعاء. والله أعلم.

قال النووي: "قال القاضي عياض – رحمه الله -: أكثر الروايات في وصفهم تدل على أنه – صلى الله عليه وسلم – رأى ذلك ليلة أسري به، وقد وقع ذلك مبيناً في رواية أبي العالية عن ابن عباس، وفي رواية ابن المسيب عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، وليس فيها ذكر التلبية، قال: فإن قيل كيف يحجون ويلبون وهم أموات، وهم في الدار الآخرة، وليست دار عمل، فاعلم أن للمشايخ وفيما ظهر لنا عن هذا أجوبة:

أحدها: أنهم كالشهداء بل هم أفضل منهم، والشهداء أحياء عند ربهم فلا يبعد أن يحجوا ويصلوا كما ورد في الحديث الآخر، وأن يتقربوا إلى الله – تعالى – بما استطاعوا، لأنهم وإن كانوا قد توفوا فهم في هذه الدنيا التي هي دار العمل، حتى إذا فنيت مدتها وتعقبتها الآخرة التي هي دار الجزاء؛ انقطع العمل.

الوجه الثاني: أن عمل الآخرة ذكر ودعاء قال الله – تعالى -: {دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام}.

الوجه الثالث: أن تكون هذه رؤية منام في غير ليلة الإسراء أو في بعض ليلة الإسراء كما قال في رواية ابن عمر – رضي الله عنهما -: ((بينا أنا نائم رأيتني أطوف الكعبة)) وذكر الحديث في قصة عيسى – صلى الله عليه وسلم -.

الوجه الرابع: أنه – صلى الله عليه وسلم – أُري أحوالهم التي كانت في حياتهم، ومثلوا له في حال حياتهم كيف كانوا، وكيف حجهم وتلبيتهم كما قال – صلى الله عليه وسلم -: ((كأني أنظر إلى موسى، وكأني أنظر إلى عيسى، وكأني أنظر إلى يونس عليهم السلام)).

الوجه الخامس : أن يكون أخبر عما أوحي إليه – صلى الله عليه وسلم – من أمرهم وما كان منهم وإن لم يرهم رؤية عين، وهذا آخر كلام القاضي عياض – رحمه الله -".

هذا ماأمكن جمعه في هذا الباب وصلى الله على محمد وآله.

والحمد لله رب العالمين


1 – (97) سورة آل عمران.

2 – زاد المعاد (ج3ص 595).

3 – رواه مسلم برقم (2137).

4 – المصدر السابق.

5 – المصدر السابق.

6 – السابق.

7 – السابق.

8 – البخاري برقم (1513).

9 – رواه مسلم برقم (2137).

10 – رواه البخاري برقم (1417).

11 – رواه البخاري برقم (1720).

12 – البخاري برقم (1265).

13 – المائدة:3.

14 – البخاري برقم (4407).

15 – البخاري برقم (1989).

16 – رواه مسلم برقم (2377).

17 – رواه مسلم برقم (2137).

18 – رواه الترمذي برقم (811) وصححه الألباني في السلسلة برقم (2144).

19 – رواه مسلم برقم (2299).

20 – رواه البخاري برقم (1853).

21 – رواه البخاري برقم (1672).

22 – رواه البيهقي برقم (9616) لم أجد من حكم على الحديث.

23 – رواه البيهقي برقم (9618) لم أجد من حكم على الحديث.

24 البخاري برقم (5458).

25 (27) سورة الحـج.

26 – (127) سورة البقرة

27 رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم واللفظ له وقال صحيح على شرطهما" صحيح الترغيب " ( 1156 ).

28 – رواه الترمذي برقم (883) وصححه الألباني.

29 – مسند أبي يعلى الموصلي (‏ج 1/ ص‏‏ 136‏) وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب برقم (713)‏.

30 – رواه مسلم برقم ( 166 ) .

31 – قال الشيخ الألباني : ( حسن ) انظر حديث رقم : 4468 في صحيح الجامع.

32 – قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 4470 في صحيح الجامع.

33 – سبق تخريجه.

34 – رواه مسلم برقم (2196).