المساجد لله

المساجد لله

المساجد لله وحده، يذكر فيها اسمه، ويُسبح له فيها بالغدو والآصال، ما بُنيت لكي يستغاث بغيره، أو يدعى غيره، أو ترفع رايةٌ غير راية دينه، ودعوةٌ غير دعوته، أو يسمع فيها ما يخالف أمره من أحكام وضعية، وقوانين بشرية.

ألم يقرأ أولئك الذين اتخذوا في بيوت الله قبوراً يدعون أصحابها، ويستغيثون بهم قول الله – تعالى –: وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ1، ألا يستحي من يفعل ذلك وهو في بيت الله مع أنه غير مشروع في أي مكان، لكنه أشد قبحاً، وأكثر شناعة؛ عندما يكون في بيت الله ​​​​​​​.

المساجد لله لكنك ترى من يحدث فيها ما يسمى بالمولد أو غيره من البدع المحدثة، أو الضلالات المنحرفة، فيطلبون من النبي  ما لا يطلب إلا من الله – تعالى -، ويصرفون له ما لا يصرف إلا لله كالدعاء الذي هو من أجلِّ العبادات، والتي لا تكون إلا لله قال – تعالى -: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ2، فجعل الدعاء عبادة، وقد جاء في الحديث عن النعمان بن بشير  قال: سمعت النبي  يقول: الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ3، ومن فعل ذلك فقد شابه اليهود والنصارى حينما كانوا يشركون بالله في البِيَعِ والكنائس قال ابن كثير – رحمه الله -: “يقول – تعالى – آمراً عباده أن يوحدوه في مجال عبادته، ولا يُدعى معه أحدٌ، ولا يشرك به كما قال قتادة في قوله – تعالى-: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا4 قال: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله، فأمر الله نبيه  أن يوحدوه وحده”5.

المساجد لله فلا يصلي أحدنا رياءً، ولا سمعة، فمن أشرك في عمله مع الله أحداً رد الله عليه عمله فعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : قال الله – تبارك وتعالى -: أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه6، فمن صلى لأجل فلان، أو قرأ القرآن لأجل فلان؛ فليعلم أن عمله مردود، قال السعدي – رحمه الله – عند قول الله – تعالى-: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا7: “أي: لا دعاء عبادة، ولا دعاء مسألة، فإن المساجد التي هي أعظم محال العبادة مبنية على الإخلاص لله، والخضوع لعظمته، والاستكانة لعزته”8، وقال النسفي – رحمه الله -: “ولأن المساجد لله فلا تدعوا: على أن اللام متعلقة بـ لاَّ تَدْعُواْ أي فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً في المساجد؛ لأنها خالصة لله، ولعبادته”9.

المساجد لله .. من دعا في المسجد إلى رايةٍ جاهليةٍ، أو عصبيةٍ حزبيةٍ، أو رسَّخ مبادئ وقوانين وضعيةً، وأحكاماً بشريةً؛ فليتذكر أن المساجد لله، وأن ذكر الله أكبر اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ10، فلا يقدم بين يدي الله ​​​​​​​ ورسوله لا بأمر، ولا بنهي، ولا بحكم فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا11.

المساجد لله .. كلمة لابد أن يتدبرها كل مسلم؛ لينظر في نفسه، هل حقاً جعل المساجد لله، أم جعلها لغيره؟ فإذا ذكرت المساجد على ألسنتنا، أو سارت إليها أقدامنا، أو سرت إليها أرواحنا، أو حلقت في سمائها قلوبنا؛ فلنتذكر أن المساجد لله.


1 سورة فاطر (22).

2 سورة غافر (60).

3 أبو داود (1264)، الترمذي (2895)، ابن ماجه (3818)، صححه الألباني صحيح الترغيب والترهيب(2 /127).

4 سورة الجن (18).

5 تفسير ابن كثير (4 /555).

6 رواه مسلم (5300).

7 سورة الجن (18).

8 السعدي (1 /890).

9 تفسير النسفي (4 /288).

10 سورة العنكبوت (45).

11 سورة النساء (65).