حكم التسابيح قبل صلاة الفجر

حكم التسابيح قبل صلاة الفجر

 

فإن الأذان عبادة جليلة، وقربة يتقرب بها العبد إلى الله تبارك وتعالى، ولذلك فإنه يجب على المؤذن أن يتقيد بما جاءت السنة ببيانه من ألفاظ الأذان والإقامة، ذلك أن العبادة مبنية على التوقيف، بمعنى أنه لا يجوز لنا شرعاً أن نزيد أو ننقص في ألفاظ الأذان أو الإقامة على ما جاءت به السنة الصحيحة.

وأما زيادة الألفاظ المبتدعة في الأذان وكذا في الإقامة فإن ذلك مما لا يجوز؛ لأن في ذلك مخالفة صريحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بين الأحكام ولا يجوز تعديها..

ومن الزيادات المبتدعة التي ابتدعها وأحدثها بعض الفرق المنتسبة للإسلام، واستبدلوها بالأذان: "ما يسميه البعض بالتسابيح، أو التواشيح، أو ما أشبه ذلك، فتجد في بعض المساجد بعض الناس يرفعون أصواتهم بهذه التسابيح قبل الأذان الثاني لصلاة الفجر، وقد نص على عدم جواز ذلك علماء الإسلام، يقول ابن الجوزي رحمه الله: "ومنه أنهم يخلطون أذان الفجر بالتذكير والتسبيح والمواعظ، ويجعلون الأذان وسطا فيختلط، وقد كره العلماء كل ما يضاف إلى الأذان، وقد رأينا من يقوم بالليل كثيرا على المنارة فيعظ ويذكر، ومنهم من يقرأ سورا من القرآن بصوت مرتفع، فيمنع الناس من نومهم، ويخلط على المتهجدين قراءتهم، وكل ذلك من المنكرات"1..

وقال في المدخل: "وينهي الإمام المؤذنين عما أحدثوه من التسبيح بالليل، وإن كان ذكر الله حسنا سرا وعلنا، لكن في المواضع التي ذكرها الشارع ولم يعين فيه شيئا معلوما.

وقد رتب الشارع للصبح أذانا قبل طلوع الفجر، وأذانا عند طلوعه.

ثم ذكر أنه يترتب على ذلك مفاسد، منها: التشويش على من في المسجد يتهجد أو يقرأ، ومنها: اجتماع العوام لسماع تلك الألحان فيقع منهم زعقات وصياح عند سماعها، ومنها خوف الفتنة بصوت الشباب الذين يصعدون على المنائر للتذكار، ثم قال بعد ذلك: "وينهى المؤذنون عما أحدثوه في شهر رمضان من التسحير لأنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمر به ولم يكن من فعل من مضى، وذكر اختلاف عوائد الناس في التسحير فمنهم من يسحر بالآيات والأذكار على الموادن، ومنهم من يسحر بالطبلة، ومنهم من يسحر بدق الأبواب ويقولون: قوموا كلوا، ومنهم من يسحر بالطار والشبابة والغناء، ومنهم من يسحر بالبوق والنفير وكلها بدع، وبعضها أشنع من بعض. ورد على من يقول: إنها بدعة مستحسنة، وأنكر أيضا تعليق الفوانيس في المنائر علما على جواز الأكل والشرب في رمضان، وعلى تحريمهما إذا أنزلوها قال: وكذلك يمنع لوجوه: منها أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أرادوا أن يعلموا وقت الصلاة بأن ينوروا نارا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأذان بدلا من ذلك، ومنها أن في ذلك تغريرا للصائم لانه قد ينطفئ في أثناء الليل فيظن من لا يراه أن الفجر قد طلع فيترك الأكل والشرب، وقد ينساه من هو موكل به فيظن من يراه أن الفجر لم يطلع فيأكل أو يشرب فيفسد صومه".

وقال ابن الحاج في المدخل جلد 2 ص 452 وينهي المؤذنين عما أحدثوه من التسبيح بالليل وإن كان ذكر الله تعالى حسنا وعلنا لكن في المواضع التي تركها الشارع صلوات الله وسلامه عليه ولم يعين فيها شيئا معلوما.

وقال بعده بقليل وكذلك ينبغي أن ينهاهم عما أحدثوه من صفة الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم عند طلوع الفجر وإن كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر العبادات وأجلها فينبغي أن يسلك بها مسلكها فلا توضع إلا في مواضعها التي جعلت لها"..

وينهى المؤذنين عما أحدثوه من التسبيح بالليل وإن كان ذكر الله تعالى حسنا سرا وعلنا لكن لا في المواضع التي تركها الشارع صلوات الله عليه وسلامه ولم يعين فيها شيئا معلوما وقد رتب الشارع صلوات الله عليه وسلامه للصبح أذانا قبل طلوع الفجر وأذانا عند طلوعه وإن كان المؤذنون في هذا الزمان يؤذنون قبل طلوع الفجر لكنهم يفعلون ذلك على سبيل الإخفاء لتركهم رفع الصوت به حتى لا يسمع وهذا ضد ما شرع الأذان له لأن الأذان إنما شرع لإعلام الناس بالوقت قال عليه الصلاة والسلام إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم وقد ورد أذان بلال كان ينوم اليقظان ويوقظ الوسنان ومعنى ذلك أن من كان أحيا الليل كله فإذا سمع أذان بلال نام حتى تحصل له راحة ونشاط لصلاة الصبح في جماعة وإن كان نائما فإذا سمع أذان بلال قام وتطهر وأدرك ورده من الليل

وعليه فإن فالواجب على المؤذنين التقيد بما وردت السنة ببيانه، وأن لا يزاد في ألفاظ الأذان ولا الإقامة، فمن زاد في ذلك فقد خالف الكتاب والسنة.. والله وحده نسأل أن يرد المسلمين إلى دينه رداً جميلاً، وأن يرزقنا التمسك السنة المطهرة والبعد عن البدع، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

وقد أصدر مجلس الفتوى الأعلى في فلسطين، فتوى شرعية حول حكم استعمال المسجلات في المساجد على المآذن لتنبيه الناس لموعد الصلاة بوضع تسجيلات من التسابيح وقراءة القرآن قبل الأذان وبخاصة في صلاة الفجر.

وأوضح المجلس، أن الأذان أمر توقيفي، وصحت الأحاديث الشريفة في كلماته وهيئاته، واستنبط الفقهاء شروطه وسائر أحكامه وهذا أمر تعبدي، والأصل في العبادة التوقيف.

وأضاف المجلس، أن الزيادة على الأذان بالتسابيح وتلاوة القرآن، هو مما زاده الناس على الأذان، ومنها أذان الفجر كما يفعل في بعض البلاد بحجة التذكير، وبما أن الأذان عبادة توقيفية فلا تصح الزيادة عليه مما ليس منه أو اعتماد ما ليس بأذان للتنبيه للصلاة.

واستشهد المجلس بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم عن الصحابية الجليلة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

وبين المجلس، أن الصواب في أن يكون للفجر أذانان كما ثبت عن النبي "بأن جعل للفجر أذانين كان الأول منهما للتذكير، كما روى مسلم في صحيحه عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يَمْنَعَنَّ أَحَداً مِنْكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ أَوْ قَالَ نِدَاءُ بِلاَلٍ مِنْ سُحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ قَالَ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ).

ونوه المجلس إلى أن ما اخترعه الناس في بعض المساجد من زيادات على الأذان حتى ظنوا أنها لازمة قبله ينكر تغييرها ويدافع عنها فهذا كاف لتغيير هذا العرف، كي لا يظن الناس أنه شرع لازم.


1 تلبيس إبليس(168).