حق العالم على طلابه

حق العالم على طلابه

 

حمداً لله على نعمائه، وشكراً له على توفيقه وامتنانه، والصلاة والسلام على خير أنبيائه، محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وتولاه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم لقائه.

أما بعد:

فإن للعالم على الأمة حقوقاً، وهذه الحقوق على طلابه وتلامذته أوجب وآكد، بل لقد ذهب بعض الحكماء إلى ترجيح حق العالم على حق الوالدين، فمن حقوق العالم على طلابه ما يلي:

1. توقير العالم، وتبجيله من غير تقديس؛ فعن طاووس قال: "من السنة أن يوقر العالم". فهذا الحق واجب على الأمة تأديته للعالم، وهو أوجب في حق طلبة العلم.

2. ومن حق العالم على طلابه ما جاء في الأثر عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "من حق العالم أن لا تكثر عليه بالسؤال، ولا تعنته بالجواب، وأن لا تلح عليه إذا كسل، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تفشين له سراً، ولا تغتابنّ عنده أحداً، ولا تطلبن عثرته، وإن زل قبلت معذرته، وعليك أن توقره وتعظمه لله ما دام يحفظ أمر الله، ولا تجلسن أمامه، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته"1.

3. أن لا يجفو الطالب على العالم إذا جفا عليه، وأن يلزم نفسه واجب حقه، فإن الله -عز وجل- قد أمره أن يعرف للعالم حقه، بل وأمره بطاعة العلماء، وكذا أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه)2. وقال ابن عباس وجابر -رضي الله عنهم- في قوله عز وجل: {أَطيعوا اللَهَ وَأَطيعوا الرَسولَ وَأُولي الأَمرَ مِنكُمُ} "هم الفقهاء والعلماء الذي يعلمون الناس معالم دينهم"3.

4. ومن حق العالم على طلابه ما قاله الحسين بن علي لابنه: "يا بني، إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الصمت، ولا تقطع على أحد حديثاً، وإن طال حتى يمسك"4.

5. ومن حقه أيضاً –بل هذا حق لكل مسلم وهو للعالم أوجب- أن يعظم حضرته ويرد غيبته، ويغضب لها، فإن عجز عن ذلك قام وفارق ذلك المجلس.

6. أن يصبر على جفوة تصدر من شيخه، أو سوء خلق، ولا يصده ذلك عن ملازمته، وحسن عقيدته، ويتأول أفعاله التي يظهر أن الصواب خلافها على أحسن تأويل، ويبدأ هو عند جفوة الشيخ بالاعتذار، والتوبة مما وقع والاستغفار، وينسب الموجب إليه، ويجعل العتب فيه إليه، فإن ذلك أبقى لمودة شيخه واحفظ لقلبه، وأنفع للطالب في دنياه وآخرته. قال بعض السلف: "من لم يصبر على ذل التعليم، بقي عمره في عملية الجهالة، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الدنيا والآخرة". ولبعضهم:

اصبر لدائك إن جفوت طبيبه *** و اصبر لجهلك إن جفوت معلما

7. أن يشكر الشيخ على توفيقه على ما فيه فضيلة، وعلى توبيخه على ما فيه نقيصة، أو على كسل يعتريه، أو قصور يعانيه، أو غير ذلك مما في إيقافه عليه وتوبيخه وإرشاده وإصلاحه، ويعد ذلك من الشيخ من نعم الله تعالى عليه، باعتناء الشيخ به ونظره إليه، فإن ذلك أميل لقلب الشيخ وأبعث على الاعتناء بمصالحه، وإذا أوقفه الشيخ على دقيقة من أدب، أو نقيصة صدرت منه، وكان يعرفه من قبل، فلا يظهر أنه كان له في ذلك عذر وكان إعلام الشيخ به أصلح فلا بأس به، وإلا تركه5. وغير ذلك من الحقوق التي يجب على الطالب أداؤها للعالم. والله الموفق والهادي على سواء الصراط.

 


1  إحياء علوم الدين(1/ 51).  الناشر : دار االمعرفة – بيروت

2  رواه أحمد، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: "صحيح لغيره دون قوله : " ويعرف لعالمنا.

3  معالم التنزيل(1/ 239).

4  الأمالي(219) لأبي علي القالي.

5  آداب العلماء والمتعلمين(15)؛ الحسين ابن المنصور اليمني.