الفرار إلى الله تعالى

الفرار إلى الله تعالى

 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسول الله الخاتم المجتبى وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم واستن بسنته إلى يوم الدين .

أما بعــــــــد :

أيها المسلمون – عباد الله – الفرار – الفرار إلى الله الأحد الصمد- سبحانه وتعالى- لكي يخلصنا من كل مرهوب ويقربنا من كل مرغوب.

إن الفرار إلى الله من أهم الأمور التي يجب أن يحرص عليه كل مسلم ومسلمة لينعم بقربه من ربه- سبحانه وتعالى- ، ولكي يتخلص من خطوات عدوه ووسوسته، ويسعد في الدنيا والآخرة ، وبناء على ذلك سوف نركز على الأمور الآتية في هذا الموضوع المهم وهي كالآتي:

1-   الفرار لغةً واصطلاحاً.

2-   أهمية الفرار إلى الله وفوائده.

3-   الآيات الواردة في ذلك .

4-   الأحاديث الواردة في ذلك.

5-   من الآثار والأقوال الواردة في (الفرار إلى الله).

أولاً : الفرار لغةً واصطلاحاً:

لغةً: قال ابن منظور : الفر والفرار : الروغان والهروب . فر يفر فراراً : هرب    (لسان العرب 5/50) .

واصطلاحاً: الفرار إلى الله معناه: اهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به واتباع أمره والعمل بطاعته . (الطبري في تفسير 11/273 الذاريات آية 50) .

وقيل: هو الفرار من الجهل بالعلم إلى تحصيله ، اعتقاداً ومعرفةً وبصيرةً ومن جهل العمل إلى السعي النافع والعمل الصالح قصداً وسعياً ( المدراج لابن القيم  منزلة الفرار إلى الله (1/504)بتصرف).

ثانياً: أهمية الفرار إلى الله تعالى وفوائده منها:

1-           أنه سبب لرضوان الله- سبحانه وتعالى- والفوز بالجنة والنجاة من النار .

2-           ترك المعاصي والبعد عن الشبهات .

3-           طهارة القلوب وصفاء النفس.

4-           حب الناس والعطف عليهم.

5-           البعد عن الدنيا وعدم الانشغال بمباحها ومآثرها المنهي عنها.

ثالثاً: الآيات الواردة في ( الفرار إلى الله):

قال تعالى: ( ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين) الذاريات آية 50 .

قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره:

(معنى هذه الآية الكريمة: قل لهم يا محمد أي لقومك (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين) أي فروا من معاصيه إلى طاعته. وذكر عن ابن عباس -رضي الله عنهما -قوله في هذه الآية : ففروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم وروى عن ابن عباس أيضاً في هذه الآية ففروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن ، وقيل فروا من الجهل إلى العلم ومن الكفر إلى الإيمان) (تفسير القرطبي 17/ 36-37 بتصرف).

قال- تعالى- في ذم الذين يفرون من الموت أو القتل: {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا} (16) سورة الأحزاب

قال الطبري- رحمه الله- في تفسيره:

يقول تعالى ذكره لنبيه- محمد صلى الله عليه وسلم-: (قل) يا محمد لهؤلاء الذي يستأذنونك في الانصراف عنك ويقولون : إن بيوتنا عورة (لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل) يقول: لأن ذلك ، أو ما كتب الله منهما ، واصل إليكم بكل حال، كرهتم أو أحببتم ( وإذاً لا تمتعون إلا قليلا) يقول : وإذا فررتم من الموت أو القتل لم يزد فراركم ذلك في أعماركم وآجالكم بل إنما تمتعون في هذه الدنيا إلى الوقت الذي كتب لكم ، ثم يأتيكم ما كتب لكم وعليكم . وبنمو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل )أ.هـ (11/166).

رابعاً: الأحاديث الواردة في ( الفرار إلى الله):

أ-عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:( إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة . ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك. آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت . واجعلن من آخر كلامك . فإن مت من ليلتك، مت وأنت على الفطرة قال : فرددهن لأستذكرهن فقلت: آمنت برسولك الذي أرسلت قال: قل آمنت بنبيك الذي أرسلت).(رواه البخاري – الفتح (247) ومسلم (2710) واللفظ له

ب -عن علي- رضي الله عنه- قال : بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  سرية ، واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار ، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شيء فقال: اجمعوا لي حطباً، فجمعوا له ثم قال: أوقدوا ناراً فأوقدوه، ثم قال : ألم يأمركم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا : بلى  قال : فأدخلوها . قال: فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا: إنما فررنا إلى -رسول الله صلى الله عليه وسلم- من النار فكانوا كذلك ، وسكن غضبه، وأطفئت النار فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي- صلى الله عليه وسل- فقال 🙁 لو دخلوها ما خرجوا منها ، إنما الطاعة في المعروف ) (رواه البخاري – الفتح 13( 7257) ومسلم (1840) واللفظ له).

خامساً : من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ( الفرار إلى الله).

عن عطاء بن أبي رباح قال : زرت عائشة –رضي الله عنها- مع عبيد بن عمير الليثي، فسألناها عن الهجرة، فقالت: لا هجرة اليوم ، كان المؤمنين يفر أحدهم بدينه إلى الله- تعالى- وإلى رسوله مخافة أن يفتن عليه ، فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام، واليوم يعبد ربه حيث شاء ، ولكن جهاد ونية). (البخاري – الفتح 7(3900).

قال الحسين ابن الفضل: احترزوا من كل شيء دون الله فمن فر إلى غيره لم يمتنع فيه . وقال أبو بكر الوراق : فروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن وقال الجنيد: الشيطان داع إلى الباطل ففروا إلى الله يمنعكم منه. وقال سهل بن عبدالله : فروا مما سوى الله إلى الله .

(انظر تفسير القرطبي (مج 9 ، ج17 ، ص36 ، 37 ). ( انظر موسوعة نظرة النعيم 7/3086 – 3092) بتصرف وانظر أيضاً (مدارج السالكين (1/504 – 510) منزلة الفرار ).

الخلاصة:

إن الفرار إلى الله -عز وجل- سبيل إلى رضا الله -سبحانه- ودخول الجنة ،وهو أيضاً سبيل إلى النجاة من غضب الجبار، ومن الدخول إلى النيران، وهو من جملة  العبادات الشرعية لأن الفرار إلى الله: توحيد وطاعة، وفيه تخليص للإنسان من ذنوبه وجرائمه وأخلاقه السيئة، وغير ذلك من المنافع الدنيوية والأخروية.

اللهم ارزقنا الفرار إليك يا رب، والفرار إلى دينك وإلى كتابك وسنة نبيك . اللهم آمين . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على النذير البشير.