وقفة قصيرة مع قصة

 

 

وقفة قصيرة مع قصة

الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، والصلاة والسلام على البشير النذير،والسراج المنير، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

إخواني في الله: قصة نبي من أنبياء الله، وولي من أولياء الله، ذكرها الله ​​​​​​​ في القرآن؛ بل سمى سورة كاملة باسمه، وأورد فيها قصته، لنأخذ منها العظات والعبر، ونحن – والله – أحوج ما نكون إليها في زمننا اليوم زمن الفتن  والشهوات، زمن المغريات، الزمن الذي أصبحت فيه الفاحشة في كل مكان، زمن الفضائيات التي تبث أجساد النساء العارية، فتفتن الشباب والشابات.

نتحدث عن هذا النبي الكريم وقصته، ونرى كيف ثبته الله أمام المغريات والفتن، وكيف صمد صمود الجبال الرواسي، إنه نبي الله يوسف  ، حكا لنا القرآن ذلك كي نأخذ العظة والعبرة فنقتدي به. فلا بد من ذكر هذه القصة وروايتها لشبابنا ولجميع المسلمين حتى يحذو حذوه. إنه شاب أعزب غريب في مجتمعه يقول الله -تعالى- حاكياً عن هذه القصة: (( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك))، أي تهيأت لك فعصمه الله.

إنه موقف عصيب على النفس! شاب أعزب يختلي بامرأة وهذه المرأة هي التي تدعوه إلى نفسها. ولكن الله عصمه من الزلل فقال: (( معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي  إنه لا يفلح الظالمون)) امرأة العزيز – عزيز مصر- امرأة اندفعت إلى يوسف بكل غرائزها ورغائبها واندفاعاتها الأنثوية .

امرأةٌ صرعتها الشهوة، وأعمتها عن كل شيء فلم تأبه بحياء أنثوي ولا كبرياء ذاتي،ولم تأبه بمركزها الاجتماعي في إرواء هواتفها الأنثوية، أمراً يعاب أصلاً!!

وكم هن اليوم الشبيهات بامرأة العزيز، بل هن أكثر وقاحة وخسة اللاتي يتبرجن وتظهر صورهن على المجلات وفي الشاشات. بل تظهر مفاتنهن وأجسادهن العارية دون حياء وخجل!!

فهل يا ترى استجاب يوسف لامرأة العزيز؟ لا والله وإنما قال لها بإباء (( معاذ الله)).

إخواني في الله: ذكر الإمام ابن القيم -رحمه الله- في روضة المحبين قصة يوسف وصموده أمام الفتنة رغم كثرة وعظم الدواعي إليها فقال: فأخبر عن عشق امرأة العزيز ليوسف وما راودته وكادت به، وأخبر عن الحال التي صار إليها يوسف بصبره وعفته وتقواه؛ مع أن الذي ابتلي به أمر لا يصبر عليه إلا من صبره الله، فإن موافقة الفعل بحسب قوة الداعي، وزوال المانع. وكان الداعي هنا في غاية القوة وذلك من وجوه:

أحدهما: ما ركبه الله -سبحانه- في الرجل من ميله إلى المرأة كما يميل العطشان إلى الماء، والجائع إلى الطعام، حتى أن كثيراً من الناس يصبر على الطعام، ولا يصبر على النساء، وهذا لا يذم إذا صادف حلالاً؛ بل يحمد كما في كتاب الزهد للإمام أحمد من حديث يوسف بن عطية الصفار عن ثابت عن أنس عن النبي   أنه قال:((حُبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب)).

الثاني: أن يوسف   كان شاباً وشهوة الشاب وحِدَّته أقوى.

الثالث: أنه كان عزباً ليس له زوجه ولا سريه تكسر قوة الشهوة.

الرابع: أنه كان في بلاد غربة يتأتى للغريب من قضاء الوطر ما لا يتأتى له في وطنه وبين أهله ومعارفه.

الخامس: أن المرأة كانت ذات منصب وجمال بحيث أن كل واحد من هذين الأمرين يدعو إلى موافقتها.

السادس: أنها غير ممتنعة ولا آبية؛ فإن كثيراً من الناس يزيل رغبته إباؤها وامتناعها لما يجد في نفسه ذلك الخضوع والسؤال لها، وكثير من الناس يزيده الإباء والامتناع إرادة وحباً.

السابع: أنها طلبت وأرادت وراودت، وبذلت الجهد؛ فكفته مؤنة الطلب وذل الرغبة إليها،بل كانت هي الراغبة الذليلة، وهو العزيز المرغوب إليه.

الثامن: أنه في دارها وتحت سلطانها وقهرها. بحيث يخشى إن لم يطاوعها من إذلالها له،فاجتمع داعي الرغبة والرهبة.

التاسع: أنه لا يخشى أن تنم عليه هي، ولا أحد من جهتها فإنها هي الطالبة الراغبة،وقد غلقت الأبواب، وغيبت الرقباء.

العاشر: أنه كان في الظاهر مملوكاً لها في الدار، بحيث يدخل ويخرج ويحضر معها، ولاينكر عليه، وكان الأنس سابقاً على الطلب، وهو من أقوى الدواعي؛ كما قيل لامرأة شريفة من أشراف العرب: ما حملك على الزنى؟ قالت: قرب الوساد، وطوال السواد. تعني قرب وساد الرجل من وسادتي وطوال السواد بيننا.

الحادي عشر: أنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال، فأرته إياهن، وشكت حالها إليهن لتستعين بهن عليه، واستعان هو بالله عليهن، فقال: (( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)).

الثاني عشر: أنها توعدته بالسجن والصغار وهو نوع إكراه، إذ هو تهديد من يغلب على الظن وقوع ما هدد به، فيجتمع داعي الشهوة، وداعي السلامة من ضيق السجن والصغار.

الثالث عشر: أن الزوج لم يظهر من الغيرة والنخوة ما يفرق به بينهما، ويبعد كلاً منهما عن صاحبه بل كان غاية ما قابلها به أن قال ليوسف: (( أعرض عن هذا))، وللمرأة (( استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين)).

وشدة الغيرة للرجل من أقوى الموانع، وهذا لم يظهر منه غيرة، ومع هذه الدواعي كلها آثر يوسف   مرضاة الله وخوفه، وحمله حبه لله، على أن اختار السجن على الزنى وقال: ((رب السجن أحب إليً مما يدعونني إليه)) وعلم أنه لا يطيق صرف ذلك بنفسه وأن ربه –تعالى- إن لم يعصمه ويصرف عنه كيدهن صبا إليهن بطبعه وكان من الجاهلين، وهذا من كمال معرفته بنفسه أ .هـ

إخواني في الله: إن قصة يوسف عليه السلام لهي أبلغ رد على بعض الشباب الذين يقعون في المعاصي يعتذرون ويقولون لم نستطع أن نمسك أنفسنا  فهاهو ذا نبي الله يوسف نموذجاً رائعاً لكل من أراد العفة وخاف من الله واتقاه.. ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين..