إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

 

إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين..أما بعد:

هناك سؤال لا يزال يتردد في أذهاننا في كل حين، لأنا نراه واقعاً حياً، نحاول أن نجد له تفسيراً، فأحياناًً نصيب، وغالباً يكون غير ذلك، والسؤال باختصار: نحن نصلي باستمرار، ونحافظ على الصلوات الخمس في جماعة، وقد نوفق للصف الأول بين الحين والآخر، ولكننا إذا خرجنا من المسجد فعلنا المنكرات، وقارفنا السيئات – وخاصة فيالخلوات -؛ فأكلنا الربا، وتكلمنا بالكذب والغيبة والنميمة، ونظرنا واستمعنا إلى الحرام – إلا من رحم الله -، كل هذا ونحن نصلي!! والله – عز وجل – يقول في كتابه الكريم: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}1، حتى إنك لترى الرجل يحافظ على الصف الأول؛ وهو معروف في السوق بالغش والاحتيال، أو تجد محافظاً على صلاة الجماعة وهو مشهور ببيع المحرمات من المطعومات والمشروبات؟!،وليس كل محافظ على الصلاة ومسابق للخيرات كمثل هذين الرجلين.

واليوم سنبحث عن جانب من جوانب علاج المشكلة، وهو جانب ينبغي أن يراعيه كل مسلم، ويتنبه له كل مؤمن:

فهل الصلاة التي قال الله عنها أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ هي الصلاة التي نصليها؟ أم أننا لم يعد لنا من الصلاة إلا اسمها؟ وهل نؤديها كما أراد الله أم نؤديها ليقال: فلان أدى الصلاة؟.

إن الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي الصلاة التي استوفى العبد فيها الأركان والواجبات والسنن، فإن النبي   لم يسمِّ الصلاة المستعجلة “صلاة”، وذلك ما جاء في حديث المسيء صلاته فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله   دخل المسجد؛ فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على رسول الله  ؛ فرد رسول الله   ، ثم قال: ((ارجع فصل؛ فإنك لم تصل))، فرجع الرجل فصلى كما كان صلى، ثم جاء إلى النبي  فسلم عليه، فقال رسول الله  : ((وعليك السلام))، ثم قال: ((ارجع فصل؛ فإنك لم تصل))؛ حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا؛ علمني، قال: ((إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها))2، وقد نقع في هذا الخطأ، أو نرى من يقع في هذا الخطأ؛ ثم نسمع الشكوى التي ذكرناها في السؤال، ألا يجدر بنا أن نتأمل في الحديث فنعلم أن من كانت هذه حال صلاته فإنها ليست صلاة ((ارجع فصل؛ فإنك لم تصل)).

فإن الصلاة لابد لها من خشوع وخضوع، وذلك ما رتب الله عليه الفلاح في الدنياوالآخرة {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}3، قال ابن كثير – رحمه الله تعالى -: “وقال الحسن البصري: كان خشوعهم في قلوبهم؛فغضوا بذلك أبصارهم؛ وخفضوا الجناح”4، حتى وُجِدَ من العلماء من قال بفرضية الخشوع في الصلاة، يقول القرطبي – رحمه الله تعالى -: “الثالثة: اختلف الناس في الخشوع: هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ومكملاتها؟ على قولين، والصحيح: الأول؛ ومحله القلب، وهو أول علم يرفع من الناس”5.

ومما سبق يُعْلَم أن الصلاة المطلوبة هي التي يشعر المسلم فيها بالارتياح تأسياً بما كان   يشعر به في صلاته، فقد جاء في الحديث أن رسول الله   قال: ((يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها))6، لكن المشكلة هي أننا – إلا من رحم الله – ندخل في الصلاة ونحن نقول في أنفسنا: “متى نخرج منها”، فأين التلذذ بالطاعات؟ وأين الخشوع في العبادات؟.

متى تكون الصلاة قرة عين لنا كما كانت قرة عين لرسولنا   فعن أنس عن رسول الله   أنه قال: ((حبب إلي الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة))7.

عند هذا تكون الصلاة آمرةً بالمعروف، ناهيةً عن المنكر، موافقة لما جاء في قوله – تعالى -: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}.

والحمد لله رب العالمين


 


1 سورة العنكبوت (45).

2 البخاري (5728)، ومسلم (602)، واللفظ لمسلم.

3 سورة المؤمنون (1-2).

4 تفسير ابن كثير، سورة المؤمنون، آية (2).

5 تفسير القرطبي، سورة المؤمنين، آية (2).

6 سنن أبي داود (4985)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7892).

7 مصنف عبدالرزاق (7939)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (2/140).