ظلم الأقارب

ظلم الأقارب

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أوجب العدل في كل الأحوال، وحرم الظلم في الدماء والأعراض والحقوق والأموال، وأشهد أن لا إله إلا الله، كامل الأوصاف وواسع النوال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي فاق جميع العالمين في العدل والفضل والإفضال، اللهم صل وسلم على محمد، وعلى آله وأصحابه خير صحب وأشرف آل… أما بعد:

عباد الله:

لقد حرم الله -عز وجل- الظلم على نفسه، وحرمه على عباده، كما في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا)1.

والله -عز وجل- توعد الظالمين بالعذاب فقال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} (42) سورة إبراهيم. وقال: {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (18) سورة هود.

والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو مخالفة شرع الله تعالى، وهو أنواع:

فمنه: ظلم لا يغفره الله إلا بالتوبة، وهو الشرك بالله تعالى، قال عز وجل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} (116) سورة النساء. وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (13) سورة لقمان. فمن مات على الشرك بالله خلَّده الله في النار أبداً؛ كما قال عز وجل: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (72) سورة المائدة. وكان ظلم الشرك غير مغفور لمن مات عليه؛ لأنه مضادة رب العالمين في الغاية والحكمة من خلق الكون لعبادة الله تعالى، ولأن الشرك تنقص لعظمة الخالق ولقدره -جل وعلا- كما قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (67) سورة الزمر. وأي ظلم أعظم من أن يجعل الإنسان لربه نداً يعبده من دون الله الذي خلقه؟! وأي ذنب أكبر من أن يتخذ الإنسان مخلوقاً إلها من الصالحين أو غيرهم، يدعوه من دون الله، أو يرجوه، أو يستغيث به، أو يخافه كخوف الله، أو يستعين به، أو يتوكل عليه، أو يستعيذ به، أو يذبح له القربان، أو ينذر له، أو يعده لرغبته ورهبته، أو يسأله المدد والخير، أو يسأله دفع الشر والمكروه؟!

لا ذنب أعظم من الشرك بالله تعالى؟! قال -عز وجل-: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} (5) سورة الأحقاف. وقال عز وجل: {وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ* وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ} (51-52) سورة النحل.

ومن الظلم: الذنوب والمعاصي التي بين العبد وربه ما دون الشرك بالله، إن شاء الله عفا عنها بمنه وكرمه، أو كفرها بالمصائب والعقوبات في الدنيا، أو في القبر، أو تجاوز عنها الرب بشفاعة النبي –صلى الله عليه وسلم-  أو شفاعة غيره من الشافعين، أو يعذب الله العاصي في النار بقدر ذنبه ثم يخرجه من النار فيدخله الجنة إن كان من الموحدين.

ومن الظلم: مظالم بين الخلق في حقوق لبعضهم على بعض، تعدوا فيها، وأخذها بعضهم من بعض، ووقعوا في ظلم بعضهم لبعض، فهذه مظالم لا يغفرها الله إلا بأداء حقوق الخلق إليهم، فيؤدي الظالم حق المظلوم في الدنيا، وفي الحديث عن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: (لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ)2.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟) قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار)3. والمظالم بين العباد تكون في الدماء، ففي الحديث الصحيح عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا)4.

وتكون المظالم في الأموال كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا)5.

وإن من صور الظلم المتفشية بشكل كبير في مجتمعاتنا المعاصرة بأنواعه السالفة الذكر ظلم الأقارب لبعضهم ولأسباب تافهة يستحي العاقل من ذكرها، وإن أكثر الصور انتشاراً ما يقوم به بعض من يكون في أيديهم أموال بعض الورثة، حيث يستهويهم الشيطان ألا يعطوهم حقوقهم التي شرعها الله لهم، مع أن الله تعالى قد تولى قسمة الفرائض بنفسه ولم يكل ذلك إلى أحد من خلقه، إلا أن حب المال أعمى أعين هؤلاء، وقلة خوفهم من الله وعدم مراقبته سولت لهم أن يقدموا على مثل ذلك؛ متعللين بحجج هي أوهى من بيت العنكبوت، وكأن هؤلاء نسوا أو تناسوا أن الله -عز وجل- مطلع عليهم، ومحاسب لهم على جميع أعمالهم ومنتقم منهم على ظلمهم، وإن أمهلهم مدة من الزمان فلا يغتروا بذلك؛ فقد جاء عن رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (102) سورة هود6.

وإن الأمر ليعظم ويشتد حين يكون الظلم للورثة من أقاربهم، وقد أصاب القائل حين قال:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهند.

والمتأمل في الواقع يجد أن أكثر ذلك الظلم يقع على الأخوات من أقرب الناس إليهن وهم إخوتهن، وكثيراً ما نسمع ونرى من المشاكل التي أدت إلى قطع الأرحام والعداوات مع الأقارب، والتي كان سببها تعطيل قسمة الفرائض، والجور فيها، وقسمتها على غير ما أمر الله -عز وجل- به وبيّنه لعباده، ولئن كانت المرأة تحتمي بإخوتها بعد الله -عز وجل- حين تُظلم ويُعتدى على حقها، فكيف يكون حالها حين يكون الظلم واقعاً عليها من إخوتها؟! لا شك أنها قد لا تجد من تحتمي به ولا من يأخذ لها حقها في هذه الدنيا، ولكن الله -عز وجل- سوف ينتقم لكل مظلوم من ظالمه. وقد يتساهل البعض في هذا الأمر؛ لأنه يعتقد أن الظلم الذي نتحدث عنه هو منع الأخوات حقهن بالكلية إلى الأبد وهو لم يعمل ذلك ولم يقصده، أما تأخير حقهن عنده، أو التصرف فيه بغير إذن له بذلك فلا يسمى ظلماً في اعتقاده!! لا –يا عباد الله- ليس الظلم مقتصر على منع الحق بالكلية، بل هو يشمل أيضاً تأخيره والتصرف فيه بغير إذن من صاحب الحق.

يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- عند شرح حديث: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ)7: "ونفهم من هذا الحديث أن الظلم المالي لا يختص بأخذ مال الغير بغير حق، بل يدخل فيه كل اعتداء على مال الغير أو على حقه بأي وجه يكون، فمن غصب مال الغير أو سرقه أو جحد حقاً عنده للغير، أو بعضه، أو ادعى عليه ما ليس له من أصل الحق أو وصفه، أو ماطله بحقه من وقت إلى آخر، أو أدى إليه أقل مما وجب في ذمته وصفاً أو قدراً، فكل هؤلاء ظالمون بحسب أحوالهم، والظلم ظلمات يوم القيامة على أهله"8.

ومن تلك الحيل التي يعملها هؤلاء ويزعمون أنها ليست من صور الظلم، والاعتداء على حقوق الغير، حيث يبررون لأنفسهم هذا العمل بحججٍ واهية، فمن هذه الصور:

ما يقوم بعض الناس حين وفاة والدهم أو من يرثون منه بقسمة التركة بينهم (الذكور فقط) ويعطون أخواتهم شيئاً يسيراً جداً من حقهن؛ وذلك بسبب عدم حاجة المرأة إلى المال، أو أنها لا تعلم عن مقدار حقها أو لغير ذلك من الأعذار التي لا تخفى على أحد أنها معارضة لنص كلام الله -عز وجل- حيث أعطى كل ذي حق حقه، وأخبر أن ذلك فريضة، فلا يجوز لأحدٍ تعطيلها أو تغييرها أبداً قال -عز وجل-: {فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} (11) سورة النساء. نسأل الله أن يهدينا وأن يغفرَ لنا ويرحمَنا إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

أيها المسلمون:

ظلم الأقارب ظاهرة متفشية، وخاصة ظلم النساء في الميراث وقد ذكرنا آنفاً صورة وتبريراً ظالماً لذلك الفعل الشنيع، ومن صور الظلم في الميراث في واقعنا –أيضاً- قيام بعض الناس بقسمة التركة قسمة شرعية فيعطي أخوته الذكور حقهم، أما أخواته فإنه لا يعطيهن شيئاً؛ بسبب زواجهن فلو أعطاهن شيئاً فقد يعطينه لأزواجهن، فيخرج مالهم إلى أجنبي عنهم فلأجل ذلك يبقى المال عنده يحفظه لهن -على حد زعمه- وقد يبقى المال عنده سنوات طويلة بل قد تموت هذه المرأة وهي لم تأخذ نصيبها من الميراث وهذا قد نشاهده في وقائع قريبة منا، والعياذ بالله.

ولا ندري ما سبب هذا الظلم أهو أن هذا الرجل لا يعلم أن الإسلام أعطى المرأة -إذا كانت حرة رشيدة- حقها في التصرف بمالها كيف تشاء، ولها أن تعطيه من تشاء، وأنه لا يجوز له ولا لغيره أن يقوم بحفظ مالها إلا بإذنها، وأنه حين يتصرف في مالها بغير إذن منها فإن ذلك يعتبر من التعدي على حقها، والظلم لها فهل هذا الرجل وأمثاله يجهل هذا الحكم؟ أم أن سبب هذا الظلم هو حب المال، وتقديم الدنيا على الدين والعياذ بالله؟.

ومما يشاهد أيضاً في ظلم الأقارب قيام بعضهم بقسمة التركة قسمة شرعية، ولكنه يجمع نصيب أخواته إلى نصيبه، ويقوم بالمتاجرة بذلك المال كله وهو لم يستأذن أخواته في ذلك بل ولعلهن لم يعلمن بمقدار حقهن، ثم يقوم بإعطائهن جزءاً يسيراً من حقهن في كل فترة من الزمان وهو يبرر عمله ذلك أنهن لم يطالبن بحقهن وكأنه نسي الطبيعة التي جبلت عليها المرأة من الحياء الذي قد يمنعها من المطالبة بحقها.

وبعضهم يعتذر لنفسه أنه يسعى لمصلحتهن، ويقال له – كما قيل لسابقه -: إن ذلك لا يجوز إلا بإذن صريح منهن من غير إكراه فان رضين بذلك فحسن، وإن لم يرضين فهذا حق لهن ولا يجوز لأحد أن يجبرهن على شيء من ذلك ومن فعل فإنه من الظالمين.

تلكم –عباد الله- بعض الصور التي يكون فيها الظلم في قسمة التركات، وهي منتشرة عند بعض المسلمين هداهم الله. وكما أن المظالم تكون بين الأرحام بتضييع حقوق الرحم، فإنها تقع بين الزوجين بترك حقوقهما، وتقع بين المستأجرين والعمال بسبب سلب حقوقهم وتكليفهم ما لا يطيقون. والرسول –عليه الصلاة والسلام- يقول: (أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ)9.

ولقد وقع من بعض الناس هضم لبعض العمال لمنعهم حقوقهم أو التحايل عليها أو تأخيرها، أو عدم مخافة الله فيهم وارتكاب ما حرم الله تبارك وتعالى نحوهم، وذلك ظلم شنيع يخرب البيوت ويمحق بركة المال وينذر بعقوبات لا طاقة للإنسان بها، ومن صور الظلم التعدي على الآخرين بغيبة أو وشاية أو التشويه بنشر الدعايات زوراً وبهتاناً وغير ذلك من الأساليب الظالمة.

فندعو كلَّ من وقع في شيء من تلكم الأمور،  سواء في حق الأقارب أو غيرهم، وسواء كان الظلم في التحايل على الميراث أو غيره أن يبادر بالتوبة ورد الحقوق إلى أهلها؛ ما دام الأمر بيده وهو في هذه الدار قبل فوات الأوان؛ فكم مات من الورثة خصوصاً النساء وقد حرمن من حقهن طيلة حياتهن، وبعضهن كانت بحاجة ماسة إلى ذلك لها أو لأولادها، بل وعُلم من حال بعض النساء أنها قبل موتها تدعو على من ظلمها ومنعها حقها، وقد جاء في الحديث الصحيح عنه -عليه الصلاة والسلام- قوله: (اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ)10.

واحذروا الظلم -عباد الله- أيَّاً كان نوعه، فإن الله تعالى ليس بغافل عما تعملون، واعلموا أن الظلم محرم ولو وقع على كافر، قال الله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} (43) سورة إبراهيم. ويقول –صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ)11. وفي الحديث اللآخر: (دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ)12. فإذا كان هذا في حق الأجنبي بل في حق الكافر، فكيف بمن ظلم أخوه وقريبه المسلم الذي ربما كانت منزلته عند الله خيراً منه؛ بتقربه وطاعته لله، وكان ممن أوجب الله على نفسه أن ينتصر له، إذ ثبت عن رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ)13.

فبادر -يا أخي- برد الحقوق إلى أصحابها، وأعطِ كل ذي حق حقه، وخذ السماح والعفو ممن ظلمت في هذه الدنيا؛ فهو خير لك من أن يأخذوا منك حسناتك يوم تكون أحوج شيء إليها.

نسأل الله أن يمُنَّ علينا بالهداية والتوفيق، وأن يعيننا على أداء الحقوق إلى أهلها، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين14.


1 رواه مسلم -4674- (12/455).

2 رواه مسلم -4679- (12/460).

3 رواه مسلم -46789- (12/459).

4 رواه البخاري -6355- (21/151).

5 رواه البخاري -6893- (22/455) ومسلم -2137- (6/245).

6 رواه البخاري -4318- (14/268) ومسلم -4680- (12/461).

7 رواه البخاري –2125– (8/66) ومسلم -2924- (8/205).

8 بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار للشيخ السعدي (1/150-151).

9 رواه ابن ماجه -2434- (7/294) وصححه الألباني في تحقيق سنن ابن ماجة برقم (2443).

10 رواه الطبراني -3630- (4/108), وصححه الألباني برقم (117) في صحيح الجامع.

11 رواه أحمد -12091- (25/137), وانظر: السلسلة الصحيحة -مختصرة-767- (2/395).

12 رواه أحمد -8440- (17/482), وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب -2229- (2/265).

13 رواه البخاري -621- (20/158).

14 استفيدت الخطبة بتصرف من كل من:

1- http://www.islamselect.com/index.php?ref=13761&txt

2  http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=8963

3– الفواكه الشهية في الخطب المنبرية لـ(الشيخ/ عبد الرحمن السعدي رحمه الله).