زيارات للبيوت

 

 

زيارات للبيوت

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، أما بعد:-

التعارف بين المسلمين له أهمية كبيرة إذا كان بين أبناء البلاد المختلفة؛ لما يؤدي إلى التعرف على الأوضاع والأحوال والاحتياجات وتبادل المعلومات وزيادة روابط الدين قوة لتحقيق مبدأ الجسد الواحد، وإن بعدت المسافات {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13)سورة الحجرات.

وتتأكد أهمية الزيارات بين أهل الحي الواحد، وإلا فكيف يتعامل الجار مع جاره، وأبناء المنطقة الواحدة مع بعضهم، والكثيرون يذكرون عندما ما كان المرء في السابق يعرف جميع أبناء منطقته، لما بينهم من تزاور، وجلوس في الدواوين والمجالس، وصلاة في مسجد الحي، ولما كان يسود في تلك الأزمان من اجتماعات فقد الكثير منها في هذا الوقت، والكثيرون يتحسرون عندما يتذكرون علاقة أهل المنطقة بعضهم ببعض، وأثرها الكبير في نفسياتهم وتعاونهم وتآخيهم، ومع ازدياد مشاغل الحياة وتغير الجيران بين فترة وأخرى، وقلة احتكاك الصغار مع أترابهم في الحي، نجد أن الواحد يجهل اسم جاره أو من يصلي بجواره.

إن مخالطة الناس والدخول في جماعتهم، والصبر على أذاهم، والمشاركة في الأعمال الجماعية العامة النافعة، أفضل وأحب عند الله من الانعزال عنهم والبعد عن الاختلاط بهم. فالمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم كما أخبر بذلك نبينا  . إن ديننا دين جماعي تعاوني، وليس دين انفرادية وعزلة، والمسجد منطلق حيوي في إيجاد التعارف والتآلف الأخوي الإيماني الذي يربط المسلمين في لقاء روحي خمس مرات في اليوم والليلة، في لقاء تعليمي ثقافي في دروسه، ولقاء اجتماعي ودي في الزيارات والتواصل في المناسبات مما يزيد الألفة عند رؤيتهم لبعضهم، والتصافح والتبسم ولطيف المحادثة. كم من شارد عاد إلى المسجد بسبب زيارة، وكم من مضيع للصلوات، أو مرتكب للمحرمات أو غافل عن الطاعات عاد إلى الله… إلى بيت الله بسبب زيارة.. وأهل المسجد ينبغي لهم أن يهتموا بالزيارات اهتماماً بالغاً، ويا حبذا لو كانت زيارات أسبوعية. يحدد لها يوم معلوم يناسب غالب  أهل الحي، ومع زحمة الحياة وكثرة الانشغالات ينقطع المرء عن حيه، فوجود الموعد الثابت يدفع إلى جدولة الأعمال وتنظيمها بما لا يتعارض مع هذا الموعد، كأن يكون بعد صلاة العصر أو بعد المغرب بحسب ما هو مناسب. فاليوم عند فلان والأسبوع الثاني عند فلان أو يزار فلان، وهكذا يتلاقى أهل الحي الواحد ويتسامرون ويتفاكهون وتتقارب القلوب، وتطمئن إلى بعضها، ويتعرفون على أحوال بعضهم، ويسألون عن الغائب، وتكون جلسة خفيفة مرحة بدون كلفة على صاحب المنزل، جلسة فيها النصيحة، والفائدة، والنكتة الصادقة، والكثير يحب مجالسة أهل الخير والاحتكاك بهم، إلا أن ظروفهم وترددهم أحياناً وخوفهم يحول دون ذلك. فتكون هذه الزيارات موضع ترحيب عندهم، فتجدهم يحرصون عليها ويترقبونها، وقد يتبع ذلك إن أمكن عشاءً شهرياً يجتمع له أهل الحي وأبناؤهم..

تدفع هذه الزيارات إلى أن يتعايش أهل الحي مع بعضهم، إضافة إلى الشعور بالمحبة في ما بينهم، الأمر الذي هو أصل عظيم ترجع إليه مكارم خلقية كثيرة، كالتعاون وإرادة الخير للناس، ومشاركتهم في السراء والضراء، والبرء من الأمراض الأخلاقية الخبيثة كالحسد والأثرة، البغضاء والشحناء والغيبة والنميمة.

وبتوالي الزيارات ونمو المحبة في الله بين أهل الحي، ينال العبد عظيم الأجر والثواب قال النبي  : ((من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً))1.

وفي الحقيقة أن المسجد الذي يحيي جانب الزيارات ليدل ذلك على حيوية ونشاط المسجد والقائمين عليه، وأن المسجد قد استطاع أن يؤدي جزء من دوره في المجتمع. وهذا كله لا يرضي أعداء الدين من العلمانيين وغيرهم؛ إذ يريدون من المساجد أن تكون دور عبادة فقط ولا صلة لها بحياة الناس ومجتمعاتهم. وهذا غير ما أنيط به المسجد، فالمسجد هو المكان الأول لتلاقي وتآخي المؤمنون. فلا بد أن يشع النور منه إلى كافة المجتمع إلى كل بيت فيه، وإلى كل قلب فيه؛ ليعم الخير وتسود الألفة والمودة ويتماسك ويترابط المجتمع. والحمد لله رب العالمين.

المرجع: من أجل مسجد فاعل لعبد الرحمن اللعبون.. بتصرف.


1 – رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.