تكريم الإنسان

 

 

تكـريم الإنسـان

الحمد لله الواحد الأحد، المنعم على عباده بسائر النعم الظاهرة والباطنة، التي لا تحصى ولا تعد، والصلاة والسلام على خير خلق الله، الهادي إلى الصراط المستقيم، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعـد:

إن تكريم الإنسان وتفضيله، إنما يطلق على الإنسان المسلم المؤمن، وهو من أعظم نعم الله الجليلة التي يجب على المسلم أن يشكرها، وأن يشكر منعمها عليه.

وسوف نتكلم على هذا الموضوع من خلال الآتي:

1-مفهوم التكريم.

2-أنواع التكريم.

3-الآيات الواردة في تكريم الإنسان.

4-الأحاديث الواردة في تكريم الإنسان.

5-من الآثار والأقوال العلماء الواردة في تكريم الإنسان.

أولاً: مفهوم التكريم:

قال الطبري -رحمه الله-: تكريم الإنسان (بني آدم) هو تسليط الله -عز وجل- إياهم على غيرهم من الخلق، وتسخيره سائر الخلق لهم).1 وقال ابن كثير -رحمه الله-: (تكريم الله للإنسان يتجلى في خلقه له على أحسن الهيئات وأكملها، وفي أن جعل له سمعاً وبصراً وفؤاداً، يفقه بذلك كله وينتفع به، ويفرق بين الأشياء، ويعرف منافعها وخواصها، ومضارها في الأمور الدينية والدنيوية). 2

ثانياً: أنواع التكريم للإنسان: ثلاثة أنواع:

النوع الأول: تكريم الله للإنسان:

1- اختص الله -سبحانه- الإنسان بأن خلقه بيديه الشريفتين قال -تعالى-: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ*إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ* قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ}(ص71 –75).

2- الصورة الحسنة، قال -تعالى-: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. (64) سورة غافر

3- ومنحه العقل والنطق، قال -تعالى-: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ *خَلَقَ الْإِنسَانَ*عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} الرحمن 1 –4.

4- أكرمه الله بالنعم العظيمة التي لا تعد ولا تحصى، {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}(18) سورة النحل.

5-             هداه إلى النجدين قال -تعالى-: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (10) سورة البلد. النجدان هما: الخير والشر.

6-     ومن التكريم تحميل الإنسان الأمانة ونفي الجبر عنه وإعطاؤه الحرية كاملة. قال -تعالى-: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (72)سورة الأحزاب.

النوع الثاني: تكريم الإنسان لنفسه:

أ- بالعلم والمعرفة:

التفكر والتأمل في نفسه وفي الكون، فيحصل له تكريم قلبه بمعرفة الله ​​​​​​​ وتكريم عقله وجوارحه قال -تعالى-: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (9) سورة الزمر.

ب- تكريم الإنسان نفسه بالعبادة والطاعة:

من تكريم الإنسان نفسه أن يزكيها بالعبادة ويطهرها بالطاعة، قال  : (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه،فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة).3

ج- الأخذ بالأسباب، قال -تعالى-: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} (22) سورة الذاريات. وقال -تعالى-: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (سورة الشمس: 7-10).

النوع الثالث: تكريم الإنسان لأخيه الإنسان:

ويدل على ذلك عموم قوله -تعالى-: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم.

وقال -تعالى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} (23) سورة الإسراء.

وقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (75) سورة الأنفال. وقال -تعالى-: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} (17) سورة البلد. وقال  : (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإنّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً)4.

ثالثاً: الآيات الواردة في تكريم الإنسان،منها:

أ- {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (70) سورة الإسراء.   

ب- {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ*وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}(15-16) سورة الفجر.

ج- {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (30) سورة البقرة.

رابعاً: الأحاديث الواردة في تكريم الإنسان،منها:

1- عن أبي هريرة   قال: قيل للنبي   من أكرم الناس؟ قال:(أكرمهم أتقاهم) قالوا: يا نبي الله، ليس عن هذا نسألك. قال: (فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله،ابن نبي الله، ابن خليل الله). قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: أفعن معادن العرب تسألونني؟ قالوا: نعم، قال: (فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا).5

2- عن جابر بن عبدالله   قال: سمعت النبي   يقول: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة). قال: ( فينزل عيسى ابن مريم   فيقول أميرهم:تعال صلِّ لنا. فيقول: (لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمه الله لهذه الأمة)6.

3- عن أبي بكرة قال: سمعت رسول الله   يقول: (من أكرم سلطان الله -تبارك وتعالى- في الدنيا، أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله -تبارك وتعالى- في الدنيا أهانه الله يوم القيامة)7.

خامساً: من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ( تكريم الإنسان ):

1-  عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله -تعالى-: ( ولقد كرمنا بني آدم..) الآية، الإسراء 70. أن التفضيل بالعقل.8

2-  قال القرطبي -رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر أقوال العلماء فيما فضل به الإنسان: (والصحيح الذي يعوّل عليه أن التفضيل: إنما كان بالعقل، الذي هو عمدة التكليف، وبه يعرف الله ويفهم كلامه، ويوصل إلى نعيمه، وتصديق رسله، إلا أنه لما لم ينهض المراد بعثت الرسل وأنزلت الكتب..).9.10

3- قال ابن حزم -رحمه الله-:

 إنما العقل أسـاس   فوق الأخلاق سورُ
فتحلى العقل بالعلم  وإلا فهـو بـور
جاهل الأشياء أعمى    لا يرى كيف يدور
وتمام العلم بالعدل  وإلا فهـو زور
وزمام العدل بالجود وإلا فنحـــور
وملاك الجود بالنجدة  والجبن غـــرور
عفَّ إن كنت غيوراً ما زنى قط غـيور
 وكمال الكل بالتقوى وقـول الحـق نور
ذي أصول الفضل عنها حدثت عنها البذور

 

الخلاصة:

 من خلال ما تم عرضه من موضوع (تكريم الإنسان)، فإن المراد به: الإنسان المؤمن المتبع للشريعة: هو الذي حاز جميع أنواع التكريم: التكريم الدنيوي والأخروي، أما الكافر فإن كان له تكريم فإنما ذلك في أصل الخلقة الدالة على عظم الخالق  ، وإلا فجميع النعم التي أعطيت له في الدنيا، وكُرِّم التكريم العام عليها، فسوف يحاسب عليها، ويعذب وتصير عليه وبالاً وخسرانا مبيناً، والعياذ بالله. والنعم العامة والخاصة -ومنها نعمة التكريم- مثبتة بجميع أنواعها للمؤمن العابد لربه​​​​​​​ ، المتبع شرع سيد الأولين والآخرين  . نسأل الله بمنه وعفوه أن يعيننا على شكر نعمه، وأن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يميتنا على الإسلام. اللهم آمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.  


1 -(تفسير الطبري (15/85).

2 -(تفسير القرآن الكريم: 3/55).

3 – رواه البخاري.

4– رواه البخاري.

5 – رواه البخاري.

6 – رواه البخاري ومسلم، وأحمد في مسنده (3/34) ونصه ( ليكرم الله هذه الأمة).

7 – رواه أحمد في مسنده ( 5/42، 49) وحسنه الألباني.

8 -(البحر المحيط (6/58).

9 -تفسير القرطبي 10/394.

10 -(انظر نظرة النعيم 4/1135 تكريم الإنسان). بتصرف.