المربي الناجح
هناك صفات أساسية كلما اقترب منها المربي كانت له عَوْناً في العملية التربوية، والكمال البشري هو للرسل – عليهم الصلاة والسلام – ولكن الإنسان يسعى بكل جهده، وبقدر المستطاع؛ للتوصل إلى الأخلاق الطيبة، والصفات الحميدة .. وإليك أهم الصفات التي يسعى إليها المربي – وفقني الله وإياك إليها -:
1- الحلم والأناة: أخرج مسلمٌ عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله ﷺ لأشج عبد القيس: إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة، وهذه قصة لطيفة تبين أهمية الحلم والأناة في بناء أخلاق الجيل الجديد: قال عبد الله بن طاهر: كنت عند المأمون يوماً فنادى بالخادم: يا غلام!! فلم يُجبْهُ أحدٌ؛ ثُمَّ نادى ثانياً وصاح: يا غلام ! فدخل غلامٌ تركيٌّ وهو يقولُ: أما ينبغي للغلام أن يأكل ويشرب؟ كلما خرجنا من عندك تصيح: يا غلام، يا غلام! إلى كم يا غلام؟ فنكس المأمون رأسَهُ طويلاً، فما شككت في أن يأمرني بضرب عنقه؛ ثم نظر إلي فقال: يا عبد الله! إن الرجل إذا حسَّن أخلاقَهُ ساءتْ أخلاقُ خدمِهِ؛ وإنَّا لا نستطيعُ أنْ نُسئَ أخلاقَنا لنحسِّن أخلاقَ خدمِنا.
2- الرفق والبعد عن العنف: أخرج مسلمٌ عن عائشةَ – رضي الله عنها – قالت:”قال رسول الله ﷺ: إن الله رفيق يُحِبُّ الرِّفقَ، ويُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على العُنفِ، وما لا يُعطي على ما سواه وعنها أن النبي ﷺ قال: إن الله رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ في الأمرِ كُلِّهِ متفق عليه، وعنها أيضاً أن النبي ﷺ قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه رواه مسلم، وأخرج مسلم عن جرير بن عبد الله قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من يُحرم الرفق يحرم الخير كله وروى أحمد عن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله ﷺ قال لها: يا عائشة ارفقي، فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيراً دلهم على باب الرفق، وفي رواية: إذ أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق.1
وعن أبي هُريرة قال:كنا نصلي مع رسول الله ﷺ العشاء، فكان يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، وإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعاً رفيقاً، فإذا عاد عادا، فلما صلى جعل واحداً هاهنا، وواحداً هاهنا، فجئته، فقلت: يا رسول الله ألا أذهب بهما إلى أمهما؟ قال: لا، فبرقت برقة فقال: الحقا بأمكما، فما زالا يمشيان في ضوئها حتى دخلا”2
وإليك عزيزي القارئ هذه القصة البديعة في موعظتها؛ لنرى تعامل السلف الصالح: روي أن غلاماً لزين العابدين كان يصب له الماء بإبريق مصنوع من خزف، فوقع الإبريق على رِجل زين العابدين فانكسر، وجُرحت رجله؛ فقال الغلام على الفور: يا سيدي يقول الله – تعالى – والكاظمين الغيظ، فقال زين العابدين: لقد كظمت غيظي؛ قال الغلام: ويقول: والعافين عن الناس، فقال: لقد عفوت عنك؛ قال: ويقول: والله يحب المحسنين فقال زين العابدين: أنت حرٌّ لوجه الله.
3- أخذ أيسر الأمرين ما لم يكن إثماً: عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: “ما خُيّرَ رسولُ اللهِﷺ بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعدَ النَّاسِ منه؛ وما انتقم رسولُ اللهِ ﷺ لنفسِهِ من شيءٍ قطُّ إلا أن تُنتهك حُرمةُ الله؛ فينتقم لله – تعالى -” متفق عليه.
4- الاعتدال والتوسط: إن التطرف صفة ذميمة في كل الأمور؛ لهذا نجد أن رسول الله ﷺ يحب الاعتدال في أمور الدين، فما بالك في باقي أمور الحياة الأخرى، والتي أهمها العملية التربوية؟ فعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت النبي ﷺ غضب في موعظة قط أشدّ مما غضب يومئذ، فقال: يا أيها الناس! إن منكم مُنفرين، فأيكم أمَّ الناس فليُوجز، فإنَّ مِنْ ورائِهِ الكبير، والصغير، وذا الحاجة متفق عليه.
5- التَّخوُّل بالموعظة الحسنة: ومعنى التخول أي اختيار أوقات متباعدة بين المواعظ بحيث لا يُكثر على الناس فيملوا:
إن كثرة الكلام – في كثير من الأحيان – لا تؤتي أكلها؛ في حين نجد أن التخول بالموعظة الحسنة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها؛ لذلك نصح الإمام أبو حنيفة تلاميذه بقوله: “لا تُحدِّث فقهك من لا يشتهيه”، كما أن الصحابة أدركوا هذا من فعل النبي ﷺ، فعن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: كان ابن مسعود يُذكِّرنا في كُلِّ خميسٍ مرَّةً؛ فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن! لوددت أنك ذكرتنا كلَّ يوم، فقال: أما أنه يمنعني مِنْ ذلك أني أكره أن أملّكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسولُ الله ﷺ يتخولنا “أي يتعهدنا” بها مخافةَ السآمة علينا” متفق عليه.(3)
ومِنْ صفاتِ المربِّي النَّاجحِ – أيضاً -:
6- العِلْم: فلا يمكن أنْ يربي الإنسان إلا وهو عالم بصحة ما يربي عليه وثبوته، ومن كان مُربياً بلا علم هزء الناس به، إذ أن الناس تُجِلُّ من كان عنده علم وبصيرة في دين الله، أو فيما يريد تربية الناس عليه.
7- الأمانة: ويعني ذلك أنْ يكون مأموناً على مَن يُربِّيهم، ناصِحَاً لهم، مُريداً لهم الخير، ومُحذِّراً إيَّاهم مِنَ الشَّرِّ.
8- العمل بما يقول: فكم من ناصح وقائل وموجه لم يعمل بما يرشد به، فإذا الناس تنظر إليه نظر المحتقرين! وكم من صاد عن سبيل الله عندما يخالف عملُه قولَه! وقد ذمَّ اللهُ ورسولُهُ كُلَّ مَنْ قال أقوالاً، ونصح قوماً، وأرشدهم؛ ثم يكون أول المخالفين! – نعوذ بالله من الخذلان -.
نسأل الله أن يصلح أعمالنا، ويسدد أقوالنا، ويجعلنا من الدعاة المخلصين إلى سبيله، والمربين الناجحين .. والله الهادي والموفق.