صلاة الأوابين

 

 

صـلاة الأوابـين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

فإن أمر الصلاة أمر عظيم، وغايتها غاية محمودة، فقد كانت قرة عين النبي  . فهي المحطة التي يرتاح بها المؤمن؛ ويتزود منها بوقود الإيمان والتقوى..

إنها الصلة العظيمة بين العبد وربه، وهي الفرض الأكبر، والفيصل الواضح بين المؤمن والكافر كما قال  : (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)1.

ومعلوم ما لصلاة النوافل والسنن الرواتب من أجور عند الله -تعالى- مع الإخلاص في ذلك العمل.. ومن تلك النوافل صلاة الضحى، وقد سماها النبي   في حديث من أحاديثه الشريفة: صلاة الأوابين؛ وقيد ذلك الوصف بوقت معين من النهار وهو وقت اشتداد الحر قبل الزوال؛ وهو ما يقارب الساعة العاشرة صباحاً إلى قبل الظهر.

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ -رضي الله عنه- قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ   عَلَى أَهْلِ قُبَاءَ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَقَالَ: (صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ إِذَا رَمِضَتْ الْفِصَالُ). رواه مسلم.

وفي الرواية الأخرى عند مسلم: عن الْقَاسِمِ الشَّيْبَانِيِّ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنْ الضُّحَى فَقَالَ: أَمَا لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَفْضَلُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَالَ: (صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ)2.

والأواب: المطيع، وقيل: الراجع إلى الطاعة.

(تَرمض الفصال) بفتح التاء والميم يقال: رمض يرمض كعلم يعلم، والرمضاء الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس، أي حين يحترق أخفاف الفصال -وهي الصغار من أولاد الإبل جمع فصيل- من شدة حر الرمل.3

هذا الحديث يدل على فضيلة الصلاة في هذا الوقت -وقت اشتداد حر النهار-، وإن كانت تجوز من طلوع الشمس قدر رمح إلى الزوال.

وجاء أيضاً من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول  : (لايحافظ على صلاة الضحى إلا أواب) قال: (وهي صلاة الأوابين)4.

ومما يدل على فضل صلاة الضحى -أيضاً- ما رواه الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: (مَنْ مَشَى إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ مَشَى إِلَى سُبْحَةِ الضُّحَى كَانَ لَهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى إِثْرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ). وقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: الْغُدُوُّ وَالرَّوَاحُ إِلَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ مِنْ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.5

ومن ذلك أيضاً:

عن أبي أمامة وعتبة بن عبد أن رسول الله   كان يقول: (من صلى الصبح في مسجد جماعة ثم ثبت حتى يسبح تسبيحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمر تام له حجته وعمرته)6.

فهذا مما ورد في فضل صلاة الضحى، فما على المسلم المريد وجه الله والدار والآخرة إلا أن يحافظ على العبادات ومنها صلاة الضحى في أفضل وقتها المذكور في الحديث الشريف..

ومن الله نستمد العون على أمورنا، ولا حولا ولا قوة إلا بالله.


1 – رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب (2621). ورواه أحمد والنسائي وابن ماجه. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (884).

2– صحيح مسلم (1237).

3– شرح النووي على مسلم (6/ 30).

4– رواه ابن خزيمة والحاكم والطبراني، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (703).

5– رواه أحمد وأبو داود والطبراني والبيهقي، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (728).

6– رواه الطبراني في المعجم الكبير، وحسنه الألباني بشواهده، وقال: (رواه الطبراني وبعض رواته مختلف فيه، وللحديث شواهد كثيرة). (صحيح الترغيب والترهيب 469).