من آداب ووسائل الدعوة إلى الله

من آداب ووسائل الدعوة إلى الله – تعالى-

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى أصحابه وأتباعه أجمعين، وبعد:

فإن من أصول هذا الدين، وقواعده التي يقوم عليها، الدعوة إلى الله، والنصح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الأمور بلا شك تتطلب من المسلم الداعية أن يحتك بالآخرين من الناس، ولا بد كذلك أن يكون لديه مؤهلات ودوافع تعينه على تحقيق هدفه ودعوته وخاصة في جانب العلم والأخلاق..

ولا بد عليه كذلك أن يطور نفسه في تلك الجوانب ويتفهم نفسيات الآخرين وما يحبونه وما يكرهونه حتى يَحسُن التعامل معهم ويكون الاتصال بهم ناجحاً.. فعليه مثلاً أن لا ينصح غيره في العلن، وهذا لا يختلف اثنان في كراهيته وللأسف نرى كثيراً من الناس من الدعاة لا يراعي هذا الجانب مما يجعل الفجوة بين الداعية والمدعو بعيدة عميقة..

قال الإمام الشافعي – رحمه الله -:

تعمدني بنصحك في انفرادي                  وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوعٌ                 من التوبيخ لا أرضى استماعه

فإن خالفتني وعصيت قولي                فلا تجزع إذا لم تعط طاعـة

وكذلك الناس كل الناس لا يحبون أن تقال لهم الأوامر مباشرة، تقول للشخص: افعل كذا، لا تفعل كذا، فطبيعة البشر تأبى ذلك..

نعم قد ينفذ الشخص الأمر، لكن لو قدم له بطريقة ألطف لكان ذلك أدعى للقبول، حتى لو كان الأمر من رئيس إلى مرؤوسيه..

تأمل في طريقة الرسول – صلى الله عليه وسلم – للحث على الصدقة عندما جاء فقراء إلى المدينة وتأثر الرسول – صلى الله عليه وسلم – لحالهم، فقال – عليه الصلاة والسلام -: (تصدق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه من صاع ثمرة). رواه أحمد في سنده من حديث المنذر بن جرير عن أبيه..

فالرسول – صلى الله عليه وسلم – استخدم الأسلوب الخبري في الحث على الصدقة فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت تعجز يده عن حملها بل عجزت وقدمها للرسول – صلى الله عليه وسلم -، فاستهل وجهه، وقام الناس وتصدقوا حتى أصبح عنده كومة من الصدقات، فانظر إلى النتيجة التي من أسبابها الخطاب الجيد اللائق..

كذلك ينبغي على الداعية أن لا يركز على عيوب الآخرين، وسلبياتهم ويترك محاسنهم، فلا أحد يسلم من العيوب، فلا توجد زوجة بلا عيوب ولا صديق بلا عيوب ولا رئيس ولا مرؤوس بلا عيوب، وهناك أناس إذا قدم لهم مسؤول أو موظف معروفاً سرعان ما ينسون المعروف وصاحبه بعد تقاعده ولكن الرسول – صلى الله عليه وسلم – يؤكد أن الذي أدى المعروف وهو من أهل الفضل يذكر فضله ويغض الطرف عن مساوئه..

يقول – عليه الصلاة والسلام -: (أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي، وعيبتي (يعني بطانتي وخاصتي) فقد قضوا الذي عليهم وبقى الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم). رواه البخاري من حديث أنس بن مالك..

 

*الناس يكرهون من يعاملهم باستعلاء حتى وإن كان هذا الشخص مهماً عالماً أو داعيةً أو معلماً..

روى هارون بن عبد الله الجمال فقال: (جاء أحمد بن حنبل بالليل- انظروا كيف يكون التصرف، يريد أن يصحح خطأ – فدق عليّ الباب- فقلت: من هذا؟ فقال: أنا أحمد- لم يقل الشيخ أحمد – فبادرت وخرجت إليه فمساني ومسيته..

فقلت: حاجة أبي عبد الله – ما حاجتك.

قال: شغلت اليوم قلبي.

فقلت: بماذا يا أبا عبد الله.

قال: جزت عليك اليوم وأنت قاعد تحدث الناس في الظل والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر، لا تغفل مرة أخرى. إذا قعدت فاقعد مع الناس..

وهكذا تأمل في هذه القصة انظر كيف كانت نظرة الإمام أحمد؛ لقد كانت نظرة إشفاق ورحمة. شغلت قلبي..

 

*الناس يكرهون من ينسب الفضل لنفسه، وإذا حدث فشل أو خطأ ألقى بالتبعة على الآخرين، يقول سيد قطب – رحمه الله -: في كتيب هو عبارة عن رسالة أرسلها إلى أخته: (التجار وحدهم هم الذين يحرصون على العلاقات التجارية لبضائعهم حين يستغلها الآخرون ويسلبونهم حقهم من الربح، أما المفكرون وأصحاب العقائد فكل سعادتهم أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها إلى أنفسهم لا إلى أصحابها الأولين.. ولذلك يجب على المرء أن يحرص على أن يدع الناس يشعرون أن الفكرة فكرتهم ويتبنونها هم كي يتحمسوا لها ويعملوا بها). فن التعامل مع الناس/ عبد الله الخاطر ص36.

وكذلك بالمقابل للصقات السابقة التي يكرهها الناس.. فإنهم يحبون صفات أخرى مثل – محبة الناس لمن يظهر الاهتمام بهم وذلك عن طريق الاهتمام بما يفكرون به، وما الذي يشغل بالهم؟ وحينما يتحدثون ينصت إلى حديثهم وينظر إليهم، يلخص ما يقولون ويناقشهم فيه، وتلك وسائل دعوية قوية جداً إذا طبقت تطبيقاً حسناً، وكذلك من يقضي حاجة الناس ويقدم إليهم الهدايا – فتلك كلها من وسائل الاهتمام.. وفي الحديث (تهادوا تحابوا) حسنه الألباني من حديث أبي هريرة.

وكذلك الناس يحبون البعد عن الجدل.. قال – عليه الصلاة والسلام -: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقاً) رواه أبو داود في سننه وأخرجه الألباني في السلسلة الصحيحة.

وكذلك الناس يحبون من يقدرهم ويحترمهم، وهذا طبعٌ في الإنسان، فإن لم ير الإنسان تقديراً ولا احتراما فلا يقدر ولا يحترم؛ بغض النظر عن المستويات، فالصغير يقدر الكبير إذا قدره الكبير، ولذلك فمن المهم البحث عن الكوامن الطيبة في الإنسان وإثارتها وتشجيعها، وعدم احتقاره بل تقديره واحترامه ومشاورته ..

وكذلك الناس يحبون من يفتح لهم المجال لتحقيق ذواتهم؛ لأنهم لا يقبلون أن تكون لديهم مزايا مهملة، فإذا شعر بأن لديه مزايا مهملة وأن مكانته موضع شك، فإنه يثور على رؤسائه لا يطيعهم. وبعض الرؤساء يقوم بكل أمر بنفسه شاكياً من أن من تحته لا يستطيعون العمل وهنا يفقد من تحته الثقة بنفسه ويكون ذلك الرئيس مسئولاً عن إهدار طاقة من تحته، لأنه فشل في تدريبهم واستغلال طاقاتهم، وذلك مؤسس على ظنٍ خاطئٍ منه، وهو أن العمل سوف يفشل إذا لم يتدخل هو شخصياً..

وكذلك على الداعية أن لا ينسى أن الناس يحبون التشجيع ويحبون من يشكرهم، وإن كان الأصل في المسلم أنه يعمل العمل ابتغاء رضاء الله ولا ينتظر شكر الناس، ولكن ذلك طبع في البشر وذلك لا بأس منه شرعاً.. فقد روى أحمد والترمذي: (من لم يشكر الناس، لم يشكر الله) وأيضاً قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – في غزوة الخندق (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فأكرم الأنصار والمهاجرة). والدعاء بالخير من نوع المدح والثناء بل هو أبلغ الثناء..

وكذلك على الداعية أن يصحح أخطاء الآخرين دون جرح مشاعرهم، ويحكى في ذلك أن شخصاً أعد خطاباً (محاضرة) في عدد كبير، ولكنها كانت طويلة وفيها تفصيل فمل الناس، فجاء إلى زوجته فقال: ما رأيك في المحاضرة؟ قالت: هذا الموضوع يصلح مقالة رصينة في مجلة علمية متخصصة.. وقد فهم منها ذلك المحاضر أن الموضوع لا يصلح للمحاضرة، وهكذا لا تطرح القضية بأسلوب (أنت ما تصلح لكذا) ولكن بأسلوب (أنت تصلح لغير ذلك).

كذلك على الداعية أن ينادي غيره بأحب أسمائه إليه، وكان الرسول – صلى الله عليه وسلم – ينادي أصحابه بأحب الأسماء إليهم، وحتى الأطفال كان يكنيهم أحياناً.. يقول: أبا عُمير ما فعل النغير؟ وأبو عمير هذا طفل صغير.. راجع كتيب فن التعامل مع الناس للدكتور/ عبد الله الخاطر..

 

وبعد أن تحدثنا عن الشروط الواجبة مراعاتها في التواصل مع الناس نتحدث عن شيء مهم في الدعوة لا بد من فهمه وهو:-

فقه أركان الدعوة إلى الله – تعالى-:

لا يكون الداعية حكيماً في دعوته إلى الله – تعالى- إلا بفقه وإتقان ركائز الدعوة وأسسها التي تقوم عليها، حتى يسير في دعوته على بصيرة، ولا شك أن فهم هذه الأركان يدخل في قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف.

*فأركان الدعوة هي:-

1.  موضوع الدعوة: (ما يدعوا إليه الداعية): فموضوع الدعوة هو دين الإسلام .كما يلزم الداعية فهم مقاصد الإسلام التي دلت عليها الشريعة الإسلامية: وهي تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد والأضرار عنهم في العاجل والآجل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (إن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها.. وتعطيل المفاسد وتقليلها). انظر منهاج السنة النبوية، 1/147.

2.     الداعي: وما وظيفة وعدته وأخلاقه..

فوظيفة الداعية، هي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام، والرسل هم قدوة الدعاة إلى الله وأعظمهم محمد – صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً). والأمة شريكة لرسولها في الدعوة إلى الله، فالآيات التي تأمره – صلى الله عليه وسلم – بالدعوة إلى الله يدخل فيها المسلمون جميعاً، لأن الأصل في خطاب الله – تعالى- لرسوله – صلى الله عليه وسلم – دخول أمته فيه إلا ما استُثني..

وعدة الداعية وسلاحه الفهم الدقيق المبنى على العلم قبل العمل، والقائم على تدبر معاني وأحكام القرآن الكريم، وفهم السنة النبوية الشريفة والعقيدة الإسلامية الصحيحة بأدلتها وفهم غايته في الحياة ومركزه بين البشر، وتعلقه بالآخرة، وتجافيه عن دار الغرور، والإيمان العميق المثمر لمحبة الله، وخوفه، ورجائه، واتباع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في كل أموره، وكذا اتصال الداعية بالله تعالى، في جميع أموره، وتعلقه به، وتوكله عليه، واستثنائه به، وإخلاصه له، والصدق معه في الأقوال والأفعال..

أما أخلاقه وآدابه فهي أخلاق الإسلام الحسنة والصفات الكريمة مثل الإخلاص وأهمها: والحلم والرفق، واللين والصبر والرحمة، والعفو، والصفح، والتواضع، والوفاء، والإيثار والشجاعة، والذكاء، والأمانة، والحياء ،المحمود، والكرم، والتقوى، والإرادة القوية التي تشمل العزيمة القوية والهمة العالية والتفاؤل والنظام، والدقة، والمحافظة على الوقت، والاعتزاز بالإسلام، والعمل بما يدعو إليه، ليكون قدوة صالحةً، والزهد والورع، والاستقامة، وإدراك الداعية لما حوله، والقصد، والاعتدال، والشعور بمعية الله، والثقة بالله، والتدرج في الدعوة، والبدء بالأهم فالمهم..

كما ينبغي على الداعية الابتعاد عن كل ما ينافي هذه الأخلاق..

3.  أما الركن الثالث فهو المدعو: فينبغي على الداعية أن يعلم أن الدعوة إلى الإسلام عامة لجميع البشر، بل للجن والإنس جميعاً، في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة وليست خاصة بجنس دون جنس، أو طبقة دون طبقة، أو فئة دون فئة، أو زمان دون زمان، أو مكان دون مكان، ومن حق المدعو أن يؤتى ويدعى، ولا يجلس الداعي في بيته وينتظر مجيء الناس إليه، فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يأتي إلى الناس ويدعوهم، ويخرج إلى القبائل في المواسم، ويذهب إلى مقابلة وملاقاة الوفود ومن يقدم..

ولا يجوزُ للداعية أن يستصغر شأن أيَّ إنسان، وأن يستهين به؛ لأن من حق كل إنسان أن يدعى..

4.     أما الركن الرابع فهو أساليب الدعوة ووسائل تبليغها..

فالداعية يحتاج إلى فهم أساليب الدعوة ووسائل تبليغها، حتى يكون على قدر من الكفاءة لتبليغ الدعوة إلى الله – تعالى- بإحكام وإتقان، وبصير، وهذه تحتاج إلى تفاصيل في محاضرة مستقلة والله الموفق،،

راجع كتاب الحكمة في الدعوة إلى الله – تعالى-. تأليف سعيد بن علي بن وهف القحطاني..

وبعد معرفة فقه وأركان الدعوة نذكر بعضاً من الأساليب المعينة في العمل الدعوي والتواصل مع المدعوين:

*أساليب الدعوة ووسائلها:

تحديد أصل الداء والدواء

إن طبيب الأبدان يشخص الداء أولاً ثم يعين العلاج ثانياً، وهذا هو الأسلوب الصحيح في المعالجة. والداعي إلى الله – تعالى- طبيب القلوب والأرواح فعليه أن يسلك نفس هذا الأسلوب في معالجة الأرواح فيشخص الداء أولاً ثم يعين العلاج ثانياً، ولا يقف عند أعراض الداء محاولاً علاجها تاركاً أصلها وعلتها.

وأصل داء البشر في القديم والحديث جهلهم بربهم وشرودهم عنه أو كفرهم به ورفضهم الدخول في العبودية الكاملة له..

وأما أصل الدواء لهذا الداء فهو الإيمان بالله رباً وإلهاً لا إله غيره، والكفر بالطاغوت بكل أنواعه ومظاهرة والإقبال على الله وعدم الركون إلى الدنيا..

*إزالة الشبهات: والمقصود بالشبهات ما يثير الشك والارتياب في صدق الداعي وأحقية ما يدعو إليه، وغالباً ما ترتبط الشبهة بعادة موروثة أو مصلحة قائمة أو رياسة دنيوية أو حمية جاهلية فتؤثر الشبهة بسبب هذه الأمور في النفوس الضعيفة المتصلة بهذه الأشياء، وتتعلق بها وتحسبها حجة وبرهاناً تدفع به الحق وتخاصم الدعاة إلى الله – تعالى-.

الترغيب والترهيب: والترغيب هو كل ما يشوق المدعو إلى الاستجابة وقبول الحق والثبات عليه..

والترهيب كل ما يخيف ويحذر المدعو من عدم الاستجابة أو رفض الحق أو عدم الثبات عليه بعد قبوله..

والأصل في الترغيب أن يكون في نيل رضى الله ورحمته وجزيل ثوابه في الآخرة، وأن يكون الترهيب بالتخويف من غضب الله وعذابه في الآخرة وهذا هو نهج رسل الله الكرام..

التربية والتعليم: فإذا حصلت الاستجابة وقبل المدعو الدعوة، وهداه الله وشرح صدره للإسلام، وجب على الداعي أن يتعهده بما يكفل له المناعة ضد الداء القديم، ويُبصره بمعالم الدين، ويشتبه عليه، وذلك بتعليمه معالم الإسلام ومعانيه وأفكاره، وقواعده وأصوله، فلا يجوز للداعي أن يترك الجدد في دعوته وشأنهم بمجرد أنهم قبلوا دعوته، فقد تبقى فيهم بقايا كثيرة أو قليلة من أمراضهم القديمة، مما يعرضهم إلى الانتكاس والرجوع عن الإسلام، أو السير على غير هدى ويحسبون أنهم مهتدون..      

راجع كتاب أصول الدعوة/ عبد الكريم زيدان.

وبعد ذكر الأساليب لا بد من اتخاذ وسائل مناسبة في الدعوة.. ولا بد للداعية أن لا يستهين بها وهذه بعض وسائل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.

*وسائل الدعوة:

الحذر – أي التحرز والتيقظ- ورجل حذر: أي متيقظ. فهو متحرز ومتأهب لما يخاف أن يفاجأ به من مكروه، ((أنظر لسان العرب ج5 حرف الراء. والحذر ممدوح غير مذموم، ومن تعريفه باللغة يتبين لنا أنه يقوم على أساس المعرفة وأخذ الحيطة. فالحَذِرُ يعرف مدى ضرر المكروه والمتوقع حصوله، فيخاف من وقوعه خوفاً يدفعه إلى أخذ الحيطة والتحرز ومباشرة الأسباب لمنع وقوعه أو لدفعه إذا وقع أو لتقليل أضراره وأذاه، فهو ليس بخوف مشوب باستسلام وقعود وانخلاع الفؤاد واضطراب الفكر وتشوش البال واليأس من الخلاص والاستسلام له قبل الوقوع.. ولهذا فالحذر بالمعنى الذي بيناه، محمود غير مذموم وهو من صفات أهل الإيمان والفعل السليم.. ودليل ذلك من القرآن الكريم (وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم). وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا} (71) سورة النساء..

وأدلة ذلك من السنة (مراحل هجرة النبي – صلى الله عليه وسلم -: حيث جاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى بيت أبي بكر في ساعة كان لا يأتي فيها كما قالت عائشة، وقوله لأبي بكر: أخرج من عندك، وخروجه من باب صغير خلف بيت أبي بكر واختبائه في غار ثور، وغير ذلك من الأدلة..

1) الاستعانة بأهل الخير والكفاءة: وهذا من حرص الداعي على إيصال دعوته إلى الناس فهو يستعين بكل وسيلة مشروعة لتحقيق ما يحرص عليه.

فموسى استعان بأخيه هارون، ونبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – كان يبحث عن قبيلة تُؤويه وتعينه في دعوته وتحميه، وفي بيعة العقبة الكبرى قال: (أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم). رواه ابن حبان في صحيحه

2) النظام: فالنظام وسيلة جيدة لا بد منها لحسن استخدام الجهود وتوجيهها على نحو مثمر في مجال الدعوة إلى الله، وبالتالي زيادة فرص النجاح للداعي في بلوغ هدفه وبدون النظام تتبعثر الجهود ويكون السير على غير هدى، والإسلام هو دين النظام..

فالصلاة تؤدي بنظام من جهة الوقت ومتابعة المأموم للإمام وكذا في العبادات الأخرى مثل الحج والصيام والزكاة.. ولا بد للداعي من تنظيم وقته واستغلاله الاستغلال الأمثل وغير ذلك، وهذا من أجل نجاح دعوته..

3) ومن وسائل الدعوة (العمل، كإزالة المنكر، وإقامة معروف، كبناء مسجد أو مدرسة،) أو نحو ذلك.

4) ومن وسائل الدعوة التبليغ بالسيرة الحسنة الطيبة للداعي، وأفعاله الحميدة وصفاته العالية وأخلاقه الزاكية، مما يجعله قدوة طيبة وأسوة حسنة لغيره، ويكون بها كالكتاب المفتوح يقرأ فيه الناسُ معاني الإسلام فيقبلون عليها وينجذبون إليها، لأن التأثر بالأفعال والسلوك أبلغ وأكثر من التأثر بالكلام فقط..

لذلك انتشر الإسلامُ في كثير من بلاد الدنيا بالسيرة الطيبة للمسلمين التي كانت تجلب أنظار غير المسلمين وتحملهم على اعتناق الإسلام، فالقدوة الحسنة التي يحققها الداعي بسيرته الطيبة هي في الحقيقة دعوة عملية للإسلام يستدل بها غير المسلم على أحقية الإسلام وأنه من عند الله ولا سيما إذا كان سليم الفطرة سليم العقل.. راجع كتاب/ أصول الدعوة للدكتور/ عبد الكريم زيدان.

5) الرفق ولين الكلمة والتطلف في الدعوة فكما علمنا أن الداعية طبيب القلوب فعليه أن يسوق موعظته في أسلوب جميل طيب، بعيداً عن السباب والشتم، وقسوة العبارة، حتى لا ينفر منه المدعوون، وهذا الأمر واضح في سير الأنبياء، ومن يُقتدى بهم من الدعاة الناجحين والذي يتولى دعوة الناس، عليه أن يتعلم من الأنبياء سعة الصدر وطول البال، حتى لا ينفر الناس منه، قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (34) سورة فصلت..

6) الحديث العام: فالداعية يخدم رسالته بكل قدراته، وخبراته، وعلاقاته المختلفة بالناس في البيت أو المدرسة أو الشارع أو السيارة.

لأن الداعية رجل متحمس لفكرته فتجده يتحدث مع الناس في كل مناسبة تعرض له، بل لعله أحياناً يوجد المناسبات – دون تكلف- كي يشرح ما عنده ويقنع غيره بما يريد..

7) الخطابة: هي فن مشافهة الجماهير بقصد الإقناع العقلي والتأثير العاطفي، والخطيب الذي يقنع السامعين هو الخطيب حقاً، ويتحقق ذلك بعدة وسائل، منها صحة الفكرة وترتيبها وحسن عرضها، وصحة الأدلة والبراهين على صوابها، فالإقناع الفعلي والتأثير العاطفي هي ركنا الخطابة..

8) المحاضرة: هي معلومات مرتبة تعالج موضوعاً معيناً – ولها طابع علمي خاص لا يحتاج للتحمس والانفعال، لأن أساسها المنطق العلمي الهادئ، والاجتهاد في السيطرة على العقل بالمقدمات المرتبة والنتائج النيرة، وقد يحتاج أثناء المحاضرة إلى خرائط ورسوم وهي وسائل لها أثرها في التوضيح والإقناع..

9) الموعظة: قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا} (63) سورة النساء . الموعظة ضرورة لازمة، ففي النفس دوافع فطرية، تحتاج دائماً للتوجيه والتهذيب، ورب موعظة لطيفة خفيفة مؤثرة، ترد السامع إلى صوابه، وتعود على مكارم الأخلاق..

10) الندوة، وتشمل الحوار والمناقشة..

11) التخطيط والمتابعة: ومعنى التخطيط أي التفكير الهادئ والدراسة المستوعبة. فلا ندع حركة الدعوة بالمصادفات والظروف، أو تسير سيراً عشوائياً، والواجب أن تسير في خط واضح المعالم محدود المراحل بين الأهداف معلومة الوسائل والطرق.

12) المدرسة: لا بد أن يكون المنهج مدروساً ووافياً بالغرض علماً وعملاً وفي أثناء الأسبوع يتمرن بعض الطلبة على الدعوة داخل المدرسة وفي المساجد القريبة منها..

13) الرحلة: من قديم شعر المربون بما للأسفار من فائدة مادية وأدبية فحثوا عليها وغالبوا بآثارها، ويستعمل الداعية في الرحلة كل ما يستطيع من وسائل التربية للوصول بهم إلى المراد، ولقد اشتهرت الرحلات النافعة التي قام بها السلف الصالح كالشافعي وأحمد والبخاري وغيره، فعادت بالفائدة الكبيرة على العلم ونشره والدعوة إليه، وتكوين مدارسه الكبرى في المدائن والقرى..

14) وكذلك من وسائل الدعوة التأليف. فلا بد للداعية من التأليف الجيد الذي يرفع مستوى الفكر الديني لدى الأمة ويكون في موضوعه وشكله مناسباً للعصر ولجميع الطبقات. لقد قيل: إن الخط الحسن يزيد الحق وضوحاً، وكذلك الطباعة الحسنة فيجب إراحة الشباب باختصار الكتب الحسنة النافعة، ونقد الكتب الضارة بطريقة علمية سليمة مقنعة..

15) كذلك من وسائل الدعوة الصحافة.، لا بد للداعية المسلم أن يملك فن العبارة الصحفية ولغة الصحافة الخاصة وأساليبها الفنية لتثرى الكثير من هؤلاء الملايين من القراء..

16) وأيضاً من وسائل الدعوة الإذاعة والتلفزيون:

إن صوت المذياع الذي اخترق القارات يقدم للدعاة وسائل جديدة تعينهم على أداء رسالتهم، فكم منع الطغاة دعاة الإسلام من تبليغ كلمة الله إلى الناس، فجاء المذياع ينهى هذه الوصاية.

فما على دعاة الإسلام، إلا أن يسبقوا غيرهم إلى شد أسماع الناس إليهم ليبلغوا دعوة الله إلى أناس لم تبلغهم الدعوة ببرنامج خاص حسب فهمهم ولغتهم، على الأقل يغرسوا في أذهانهم البحث عن الحقيقة فالمؤذن يثاب بمدى امتداد صوته. قال – صلى الله عليه وسلم -: (لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة). رواه البخاري في كتاب الأذان باب رفع الصوت بالنداء..

كذلك الداعية يثاب بمدى صوته في المذياع أو أي وسيلة إعلامية أخرى وبلاغة قوله وحسن عرض دعوته ليقدم من خلال الوسيلة الحية..

والتلفزيون يعتبر أقوى وسيلة في هذا العصر تعليماً وتثقيفاً وترويحاً، ودلت الدراسات على أن استيعاب الفرد للمعلومات يزداد بنسبة 25% عند استخدام الصوت والصورة في وقت واحد. والاحتفاظ بهذه المعلومات تطول في الأذهان بنسبة 55%.. الإعلام الإسلامي، عبد العزيز صقر ص8.

والتلفزيون أقرب وسيلة إعلامية، وهكذا لا بد أن يكون من دعاة الخير مكانة تلفزيونية فاعله، مخلص من كتاب طرق الدعوة الإسلامية/ أحمد محمد العدناني.  

17) ومن وسائل الدعوة في وقتنا هذا ،  الإنترنت فهو من أحدث وسائل الإتصال والمعلومات…  يقول الشيخ الدكتور/ محمد غنيم في كتابه الذي بعنوان ( خدمات في الإنترنت ) في المقدمة ما نصه { فالإنترنت بحر لا ساحل له ، يتسع اتساعا أدهش صانعيه وكان بعض الباحثين والمتخصصين يتوقع أن تكون الانترنت فورة من الفورات التكنولوجية أو فقاعة سرعان ما تنفجر ثم تبدأ في التراجع كما وقع لبعض وسائل الاتصال كالهاتف المرئي ولكن الانترنت استمر ويستمر وسوف يستمر _ إن شاء الله _ في التقدم المذهل والانتشار العجيب محطمة كل الأرقام القياسية السابقة في الانتشار .، متجاوزة كل التوقعات والتنبؤات …… يقول الشيخ محمد المنجد_ حفظه الله _ ( هذه الشبكة أيها الأخوة في الحقيقة لها منافع كثيرة جدا ولا أريد أن أشوق إليها ولا أدعو إليها بل إنني أبين الأخطار بالإضافة إلى الفوائد ….)

 ويقول الشيخ محمد غنيم أيضا ( فالإنترنت وخدماتها سلاح ذو حدين فكما يستطيع الإنسان مثلا أن يستخدم البريد الإلكتروني في إرسال خطاب إلكتروني لأهله وأصحابه أو أن يرسل به معلومات نافعة أو بحثا قيما أو كتابا مفيدا أو يدعو به إلى الله عز وجل يستطيع كذلك أن يستخدمه في تهديد أو إرعاب الناس ومضايقتهم أو إرسال فيروسات إلكترونية تؤذي الناس وأجهزتهم وتجلب لهم الخسائر الفادحة والأضرار البالغة وغير ذلك مما يعف عن ذكره قلمي ولساني ، وصدق الله عز وجل إذ يقول {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (3) سورة الإنسان والإنترنت نعمة من نعم الله تحتاج إلى شكر الله بطاعته فيها …)ا-هـ

 وبهذا نكون قد تطرقنا في هذا البحث إلى بعض جوانب الدعوة إلى الله فنسأل الله أن ينفعنا وأن يستعملنا في خدمته ودعوته    آمين …