أجدادنا أمجادنا

أجدادنا أمجادنا

 

الحمد لله الذي خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، والصلاة السلام على الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

فإن قيمة كل أمة ما تملكه من ماض مشرق معطاء، وأي أمة بلا جذور تاريخية لا يكتب لها البقاء.

وإننا معشر المسلمين نملك تاريخاً مجيداً يحفل بجميع أنواع القوة والعزة والكرامة، وأعظم مقومات ذلك التاريخ هو الإنسان، إنهم أجدادنا الذين لهم في كل بلد أثارة من علم أو عمل أو إبداع، فهم الذين حملوا لنا هذا المجد الذي أضاعه الكثير من أبناء الأمة الإسلامية، وإن أجدادنا هم الذين علموا وأبدعوا يوم كانت أوروبا في ظلام التبعية المطلقة لخرافات الكنائس، وهم الذين فتحوا البلدان المختلفة ليدخل الناس في دين الله عن رغبة وحب واستسلام لله رب العالمين..

"إنَّ تاريخنا أمجاد سطرتها الأمم التي فتحناها قبل أن نسطرها، أعلنتها السهول التي نزلناها، والجُدَدُ التي طرقناها.. أمجادنا عطر سرى في الأجواء وبريق تلألأ في السماء.

سل المواضي عن أمجاد ماضينا *** نحن الذين جمعنا كل مكـرمة

نحن الذين فتحنـا كل مغلقة *** نحن الذين رفعنـا كل مئذنة

واسأل عوالينا ذكرى معاليـنا *** ما سيم عائذنا ما خاب راجينا

وفر من بأسنا العاتي ملاقيـنا *** في مسمع الكون تكبيرات داعينا

‘الله أكبر’ دوت بها أرجاء مكة، ورددت أصداؤها منابر الصين ومآذن إفريقية.

أمجادنا.. ضاربة في الزمن عمقًا، وفي الكون اتساعًا، فلسنا أمة مقطوعة من شجرة، ترهقها قترة.. بل نحن أمة أصلها ثابت وفرعها في السماء.. نحن أمة أمجاد.. أمة أجداد.. أمة قوة.. أمة فتوة، تاريخنا مشرق وضاء، وصفحاتنا نظيفة بيضاء.

ليست أمجادنا التي نفاخر بها أمجاد عرب.. كلا.. وما صُبغنا يومًا بالقومية فوجدنا العز.. كلا..

لكن مجدنا مجد.. ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون.. وصبغتنا صبغة الله .. لقد أشرق تاريخنا يوم ولد محمد صلى الله عليه وسلم، وتتابعت أمجادنا يوم قام فأنذر.

لما أطل محمد زكت الربى *** وأضاءت الفردوس مكنون الشذا

واخضر في البستان كل هشيم *** فإذا الـورى في نضـرة ونعيم

أما قبل ذلك فليس للعرب مجدٌ يفاخرون به ولا تاريخ يتحدثون عنه غير المعلقات.. وقصر غمدان.. وجدار وإيوان… وحين نفاخر الناس بالدنيا – وكأنما هي أمجادنا الحقيقية – فلسنا بذلك نؤهل أنفسنا لريادة العالم تقنيًا، لأنا قد نجد عندهم ما يفوق.. ومن يفاخر منا بالطين فليتأمل سور الصين..

لكنا نفاخر بأمجاد لا يجدون لها مثيلاً.

• نفاخر بالرسول الكريم، الذي ختمت به الرسالات، وفضله الله على سائر الأنبياء.

• نفاخر بالدين الذي أكمله الله لنا وأتمه، وتكفل بحفظه وجعله صالحًا لكل زمان ومكان.

• نفاخر بالقرآن، فمن يستطيع له: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}. (88) سورة الإسراء.

• نفاخر بالعلم الذي نشرناه فأضاءت به الدنيا وكانت قبله تعيش الجاهلية.. كانت أوربا تعيش الظلام والجهل في القرون الوسطى وما أبصرت إلا حين التقمت ثديًا من الحضارة الإسلامية.

• نفاخر بالعدل الذي حكمنا به البسيطة بعد أن كانت تحكم بالنار والحديد والظلم والتهديد، لم يكن العدل الذي نشرناه نعيمًا لأهل الإسلام فحسب، بل لقد نعم به حتى الكفار الذين يسكنون في الديار التي يحكمها الإسلام، لقد وجد أهل الذمة والعهد في الإسلام ما لم يجدوه عند بني دينهم.

لما فتح أبو عبيده عامر بن الجراح بلاد الشام دفع النصارى الجزية واشترطوا حماية المسلمين لهم من بطش الروم وطغيانهم، فقبل أبو عبيدة الشرط وأخذ الجزية، ومرت الأيام وسمع أبو عبيدة أن هرقل يعد جيشًا ضخمًا لاسترداد الشام من المسلمين، فأخذ أبو عبيدة الجزية التي دفعها النصارى من قبل وردها عليهم معتذرًا أنه لا يقدر على حمايتهم وقال: نحن لكم على الشرط إن نصرنا الله عليهم، فلما نصره الله جاء أهل الشام يدفعون الجزية عن رضى وهم يقولون: أنتم – ولستم على ديننا – أحب إلينا وأرأف بنا من أهل دينن.

• نفاخر بالرجال الذين خلد التاريخ ذكرهم وسطر أمجادهم حتى كأنما أخبارهم خيال لا حقيقة، إنهم الرجال الذين نصروا الدين وأقاموا الملة ودوخوا فارس والروم الذين كانوا لا يزنون للعرب أي وزن.

• هذه أمجادنا التي نفاخر بها وهذا تاريخنا الذي لا يعالينا فيه أحد، ومع ذلك فهو لا يغنينا كثيرًا إذا كنا مقطوعي النسب عنه.

إن علينا أن نقرأ الأمجاد والمآثر قراءةً مثمرةً فاعلة، نتلمس من خلالها أسباب العز والمجد السابق، فنسعى لتحقيق تلك الأسباب من أجل تجديد الأمجاد وإعادة التاريخ مرة أخرى فالأمور معقودة بأسبابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.

لابد أن نقتفي أثر السابقين ونسير على طريقتهم كما قال مالك: إنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوله.1

وإذا كان أجدادنا الأكرمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء والصالحين والمصلحين قد تحملوا أعباء وأتعاب هذا المجد فلا بد من الحفاظ عليه والسير على ما ساروا عليه من العلم والعمل والعزة والكرامة..

يقول محمد إقبال في ذلك المجد الذي صنعه الأجداد بتوفيق من الله وعون:

من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسـ كـنا جـبالاً في الجـبال وربما بمعابد الإفرنج كان آذانــنا لم تنس أفريقـيا ولا صحراؤها كنا نقدم للسيوف صدورنا أرواحنا يا رب فوق أكفنا كنا نرى الأصنام من ذهب لو كان غير المسلمين لحازها

 

 

ـمك فوق هامات النجوم منارا صرنا على موج البحار بحارا قبل الكتائب يفتح الأمصارا سجداتنا والأرض تضرب ناراً لم نخش يوماً غاشماً جباراً نرجو ثوابك مغنماً وجوارا فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا كنزاً وصاغ الحلي والدينارا

 

 


 


1 مقتطفات من مقال لإبراهيم بن صالح الدحيم . بتصرف.