منكرات وبدع في العيد
الحمد لله الولي الحميد، الذي تفرد بالجلال والكمال والتمجيد، أحمده على نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، حمداً له على الإسلام والإيمان، وحمداً له على نعمة الأهل والمال والمعافاة، والصلاة والسلام على النبي الرشيد، صاحب القول السديد، والعطاء المديد، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فقد أنعم الله على الأمة المحمدية بنعم كثيرة، كان أهمها ما شرعه لها من شرائع شتى على مدى الأزمان، وكانت هذه الشرائع رحمة للعالمين، ومنها الشعائر الظاهرة للإسلام، التي بها يتميز المسلمون عن غيرهم من أمم الأرض، منها ما تعيشه الأمة المحمدية من الأعياد والمناسبات، التي بها يتذكرون ماضيهم، وتصفوا فيها قلوبهم، وتسود فرحتهم، وعلى المسلم في مثل هذه الأيام – أيام العيد- بأن ينزجر عن المنكرات والمعاصي التي يمارسها كثير ممن استولى عليهم الشيطان، وقادهم المزاج والهوى إلى الضلالة والغواية..
إخواني: ليس العيد لمن لبس الجديد، ولكن العيد لمن اتقى الله وخاف يوم الوعيد.
إخواني: أي فرح يكون لمن الموت موعده والقبر مسكنه، والفناء أتيه!.. كيف الأمن! وهذا الفاروق يقول: لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من هول المطلع؟! يا من ضيعت الزمان: هل رأيت بأم عينيك ذهاب الإخوان والخلان، أم أنك لا تسمع ولا ترى ولا تفكر في مصيرك الحقيقي!! هذه ذكرى لكل من سمعها فوعاها.. ذكرى يتذكر بها من حاد عن طريق النجاة وسلك طرق الخسران، كلمات نقولها.. وعبارات نرددها لكل من كان له قلب:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (37) سورة ق. والعيد خير ما يتذكر به الإنسان قصر الحياة وفناء العبيد، ورجوعهم إلى سيدهم الحي القيوم {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} (58) سورة الفرقان، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (26-27) سورة الرحمن، لأنه يرى أن بعضاً ممن شاركه هذه المناسبة الجليلة في الأعوام الماضية لم يرهم اليوم ولم يعد يجالسهم!! فيا للحسرة ويا للندامة!
عباد الله: إذا كانت هذه الأعياد تذكير لنا برحيلنا، فإن العبد لا بد وأن تكون أفراحه مرتبطة بشرع الله لئلا يغضب عليه ربه بوقوعه في ما نهاه عنه.. وهناك أمور لا يجوز لنا الوقوع فيها، ولا بد هنا من بيانها:
1. جعل هذه المناسبات موسماً لأنواع من المعاصي التي قد علم منعها من قبل الشرع، كما يفعل البعض من الرقص والغناء الماجن، بما يحويه من كلمات تدعو إلى الحب والعشق الموصل إلى الفاحشة – والعياذ بالله- وهذا وإن كان عاماً في العيد وغيره إلا أنه في العيد تكثر مثل هذه المنكرات..
وإنا لنعجب أشد العجب مما يفعله هؤلاء البشر، أو ما سمعوا كلام رسولهم محمد-صلى الله عليه وسلم- الذي يقول: (ليكونن أناس من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) رواه البخاري وغيره.
إن الاستحلال معناه جعل الشيء حلالاً بعد ما كان حراماً، وهذا ما حصل اليوم، فإنه أصبح المنكِر لهذه المنكرات هو المدان والغريب والمتهم، وأصبح الممارس لها لا غبار عليه ولا إنكار.
إن المعازف المذكورة سابقاً قد انتشرت في عصرنا انتشاراً فاضحاً، بأحجام وأشكال ونغمات مختلفة.. وأصبح الأمر لدى الكثير أمراً عادياً هيناً، ولم يستشعروا يوماً هذا الحديث وأمثاله..
عباد الله: ومن المنكرات التي يجب علينا تركها والبعد عنها: التشبه بالفاجرين الفاسقين في لباسهم وعاداتهم وما اختصوا به، وذلك مما نراه ونسمع عنه من الملبوسات التي تأتينا من هنا وهناك، وهي ما يطلق عليها (الموضات) ومن تلك الأشكال: اللباس الضيق الذي يبرز العروة ويظهرها، أو موضة البنطلون الذي أعلاه ضيق وأسفله واسع، أو ملابس النساء اللاتي تظهر فيها يوم العيد بكامل زينتها، أو حجاباً مزوراً؛ بأن يكون ضيقاً أو شفافاً أو مزخرفاً لتفتن بذلك أهل القلوب المريضة،كما قال الله: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} (32) سورة الأحزاب. وكذا ما يفعله الشباب من لبس أنواع من الموضات كلبس البنطلون ذات الألوان الغريبة، وهي موضة انتشرت حديثاً..
وكذا التشبه بهم بحلق اللحى وترك الشارب طويلاً.. وحلق اللحى صارت ظاهرة عامة، وهي ما خالفت فيها الأمة أمر نبيها -صلى الله عليه وسلم-، القائل: (أعفوا اللحى وحفوا الشوارب)1 وقد جاء رجلان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من فارس من عند كسرى ، وكانا قد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما فكره النظر إليهما وقال: ((ويلكما من أمركما بهذا)) قالا: ربنا ! يعنيان الملك. فقال: ((لكن ربي أمرني أن أعفي لحيتي وأقص شاربي ))2
وهذا أمر واضح لكن نتيجة للذل والتبعية والتقليد للآخر حصل ما حصل. وقد هدد الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذين يتشبهون بالغير من الفساق والفجار والكفار فعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(من تشبه بقومٍ فهو منهم)3.
وقد يفعل البعض منا لباساً غريباً- مقتدياً بمن يراهم في شاشات التلفاز من الذين لا يرجون لله وقاراً، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- عن الذين يتشبهون بالكفار: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)، قيل يا رسول الله: اليهود والنصارى، قال: (فمن القوم إلا هم)رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
لا بد للأمة أن تتميز إذا أرادت العزة والتمكين، وأن تقوي سبل عزها ومجدها، فإن التبعية للغير ذلٌ ومهانة، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (8) سورة المنافقون {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } (10) سورة فاطر.
ومن منكرات الأعياد: تخصيص زيارة المقابر رجالاً ونساءً، واعتقاد أن لها في يوم العيد فضيلة على غيرها من الأيام، وتقديم الحلوى والورود والأكاليل، وغيرها على القبور، فإن كل ذلك من البدع المنكرة.
ومنها الإسراف والتبذير سواء في العيد أو غيره، لكنه في أيام العيد يكون أكثر نظراً للمبالغة في الفرح والسرور، وقد قال الله –تعالى-: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}(26- 27) سورة الإسراء.
وذلك ما يبذر به كثير من الناس في الملابس والمطاعم والمشارب، وغير ذلك… كالتبذير بالمال وضياعه في تلك الألعاب النارية التي لو أنفقت الأموال على المساكين، والفقراء لعم الخير وانتفع بها المحتاج.. لكن للأسف الشديد على ما نرى ونسمع ونشاهد.
إن الكثيرين ينطبق عليهم قول القائل: ما أسرعكم في الشر وأبطأكم في الخير.. فهم في التبذير سرعان ما يكونون، وفي النفقة أبطأ ما يكونون!!
إخواني: اتقوا ربكم، وأصلحوا مسار حياتكم، وحققوا العبادة التي أمرتم بها ومن أجلها خلقتم، عملاً بقول الحق الباري: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات. وتجنبوا عقاب الله وسخطه، واتركوا ما حرم ربكم عليكم تسلموا وتغنموا، وإن لم تفعلوا فما على الرسول إلا البلاغ والله بصير بالعباد.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل الأعياد مواسم للخير والسرور، ومحطات للنشاط والحبور، يرجع فيها الناس إلى الرحيم الغفور، ويتزودون فيها ليوم النشور، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
من الأمور التي نهى عنها الشرع: ما يحصل من اختلاط الرجال بالنساء في الأماكن العامة، كالحدائق والمنتزهات، وكذا أماكن الزيارات، مع ما يحصل من مصافحات بين الرجال والنساء قد نهى عنها الشارع الحكيم؛ لقوله-صلى الله عليه وسلم-: (لأن يطعن أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس يد امرأة لا تحل له) حديث صحيح. وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد.. لأن الشيطان يدخل مدخله، ويزين للعبد المنكر والفحشاء، وهذا معلوم لدى من له أدنى بصيرة أو عقل..
وكذا ما يحصل أثناء ذلك من النظر إلى النساء غير المحارم (الأجنبيات) والنظر سهم مسموم من سهام إبليس (فمن نظر إلى محاسن امرأة ثم صرفه أخلفه الله عبادة يجد حلاوتها) كما جاء في الأثر.. وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (العينان تزنيان وزناهما النظر)رواه البخاري ومسلم.
{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (30) سورة النــور.
أخي المسلم: اعلم أن إطلاق البصر سبب لأعظم الفتن، فكم فسد بسبب النظر من عابد، وكم انتكس بسببه من شباب وفتيات كانوا طائعين،وكم وقع بسببه أناس في الزنا والفاحشة – والعياذ بالله-
كل الحوادث مبدؤها من النظـر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتـر
والعبد ما دام ذا عــين يقلبها في أعين الغير موقوف على خطر
يسر مقلته ما ضـــر مهجته لا مرحباً بسرور عاد بالضـرر
فيا أيها الناس اتقوا ربكم وأصلحوا أموركم وجددوا حياتكم، وإياكم إياكم أن يأخذكم الموت فجأة وأنتم غافلون، فما تفيقون إلا في معسكر الموتى، فحينئذ لا ينفع الندم، الله الله بالتوبة والعزم على الرجوع والأوبة، ومفارقة الذنوب، حتى تصلح القلوب.
عباد الله: ينبغي علينا أن نشكر الله في أيام العيد ونسبحه ونكبره، فهي أيام أكل وشرب وذكر لله، ولنحرص أشد الحرص على الامتناع والابتعاد عن كل ما يخالف أوامر شرعنا، أو أن نقع في الذنوب والخطايا، ولا تفرطوا في هذه الحياة فيحصل الندم يوم الدين..
أسأل الله أن يصلح أمورنا وأحوالنا، وأن يهدي الضالين، ويثبت المهتدين ويزيدهم هدى.. اللهم اغفر وارحم وأنت خير الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والله الموفق،،