آداب الصيام المستحبة

آداب الصيام المستحبة

 

الحمد لله مبلِّغ الراجي فوق مأموله، ومعطي السائل زيادة على مسئوله، أحمده على نيل الهدى وحصوله، وأقرُّ بوحدانيته إقرار عارف بالدليل وأصوله، وأصلي وأسلم على نبينا محمد عبده ورسوله، وعلى جميع آله وأصحابه الذين حازوا قصب السبق في فروع الدين وأصوله، ما تردد النسيم بين جَنوبه وشماله، وغربه وقَبوله، أما بعد:

فإن الأدب عنوان فلاح المرء، ومناط سعادته في الدنيا والآخرة، وأكمل الأدب وأعظمه هو الأدب مع الله – جل وعلا – بتعظيم أمره ونهيه، والقيام بحقه، ولذا فإن لكل عبادة أدب، فالصلاة لها أدب، والحج له أدب، والصوم كذلك له آداب عظيمة ينبغي استحضارها؛ بل إنه لا يكتمل صيام العبد إلا بها.

ولعلنا في هذه المقالة نجعل الحديث في الكلام على الآداب المستحبة إعمالها في الصيام؛ ليعيش العبد مع الصيام وفقهه، متحلياً بآدابه، ملتزماً مكملاته؛ ليحظى بخيري الدنيا والآخرة، ومن تلك الآداب المستحبة للصائم مراعتها في الصيام: * السحور: وقد أجمعت الأمة على استحبابه، وأنه لا إثم على من تركه فعن أنس – رضي الله عنه -: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((تسحروا فإن في السحور1بركة))2، وعن المقدام بن معدى كرب عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((عليكم بغذاء السحور فإنه هو الغذاء المبارك))3، وسبب البركة: أنه يقوي الصائم، وينشطه، ويهون عليه الصيام.

بم يتحقق السحور:

ويتحقق السحور بكثير الطعام وقليله ولو بجرعة ماء، فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((السحور بركة، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين))4.

وقت السحور:

وقته من منتصف الليل إلى طلوع الفجر، والمستحب تأخيره فعن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – قال: "تسحرنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: خمسين آية"5، وعن عمرو بن ميمون قال: "كان أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – أعجل الناس إفطاراً، وأبطأهم سحوراً"، وعن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – مرفوعاً: "لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر، وأخروا السحور"6.

* تعجيل الفطر:

ويستحب للصائم أن يعجل الفطر متى تحقق غروب الشمس فعن سهل بن سعد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر))7.

وينبغي أن يكون الفطر على رطبات وتراً، فإن لم يجد فعلى الماء فعن أنس – رضي الله عنه – قال: "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء"8، وعن سليمان بن عامر: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء، فإن الماء طهور))9 وفي الحديث دليل على أنه يستحب الفطر قبل صلاة المغرب بهذه الكيفية، فإذا صلى تناول حاجته من الطعام بعد ذلك، إلا إذا كان الطعام موجوداً فإنه يبدأ به قال أنس – رضي الله عنه -: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم))10.

* تفطير الصائمين:

فقد جاء في فضل من فطر صائماً ما رواه زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من فطر صائماً كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء))11، وذكروا من حرص السلف على تحصيل هذا الأجر أن حماد بن أبي سليمان – الإمام الحافظ – "كان يفطر في كل ليلة من شهر رمضان خمسين إنساناً، وإذا كانت ليلة الفطر كساهم ثوباً ثوباً، وكان يعد من الأبدال"12.

* الدعاء عند الفطر وأثناء الصيام:

روى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد))13، وكان عبد الله إذا أفطر يقول: "اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي"، وثبت أنه – صلى الله عليه وسلم – كان يقول: ((ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى))14، وروي مرسلاً أنه – صلى الله عليه وسلم – كان يقول: ((اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت))15، وروى الترمذي بسند حسن أنه – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، والمظلوم))16.

* الكف عما يتنافى مع الصيام:

الصيام عبادة من أفضل القربات، شرعه الله – تعالى – ليهذب النفس، ويعودها الخير، فينبغي أن يتحاشى الصائم الأعمال التي تخدش صومه؛ حتى ينتفع بالصيام، وتحصل له التقوى التي ذكرها الله في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}17، وليس الصيام مجرد إمساك عن الأكل والشرب؛ وإنما هو إمساك عن الأكل والشرب وسائر ما نهى الله عنه فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث))18، وروى الجماعة – إلا مسلماً – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))19، وعنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر))20.

يقول الإمام الغزالي: "ولا تظن إذا صمت أن الصوم هو ترك الطعام والشراب والوقاع فقط فقد قال – صلى الله عليه وسلم -: ((كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع))21، بل تمام الصوم بكف الجوارح كلها عما يكرهه الله – تعالى -، بل ينبغي أن تحفظ العين عن النظر إلى المكاره، واللسان عن النطق بما لا يعنيك، والأذن عن الاستماع إلى ما حرمه الله؛ فإن المستمع شريك القائل، وهو أحد المغتابين، وكذلك تكف جميع الجوارح كما تكف البطن والفرج"22 * السواك:

ويستحب للصائم أن يتسوك أثناء الصيام، ولا فرق بين أول النهار وآخره وروي عن عبد اللَّهِ بن عَامِرِ بن رَبِيعَةَ عن أبيه قال: رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – ما لَا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ وهو صَائِمٌ قال الترمذي: "ولم ير الشافعي بالسواك أول النهار وآخره بأساً"23.

* الجود ومدارسة القرآن:

الجود ومدارسة القرآن مستحبان في كل وقت، إلا أنهما آكد في رمضان، روى البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن"، فالرسول الله – صلى الله عليه وسلم – أجود بالخير من الريح المرسلة"24.

* الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان:

روى البخاري ومسلم عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – "كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر"25، وفي رواية لمسلم26: "كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره"27.

*ومن آداب الصيام المستحبة:

أن يستحضر الصائم قدر نعمة الله عليه بالصيام حيث وفقه له، ويسره عليه، حتى أتم يومه، وأكمل شهره، فإن كثيراً من الناس حُرِمُوا الصيام إما بموتهم قبل بلوغه، أو بعجزهم عنه، أو بضلالهم وإعراضهم عن القيام به، فليحمد الصائم ربه على نعمة الصيام التي هي سبب لمغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، ورفعة الدرجات في دار النعيم بجوار الرب الكريم28.

إخواني: تَأَدَّبُوا بآداب الصيام، وتخلوا عن أسباب الغضب والانتقام، وتحلوا بأوصاف السلف الكرام؛ فإنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها من الطاعة، واجتناب الآثام.

 اللهم جَمِّل بواطننا بالإخلاص لك، وحَسِّن أعمالنا باتباع رسولك، والتأدب بآدابه، اللهم أيقظنا من الغفلات، ونَجِّنَا من الدركات، وكفر عنا الذنوب والسيئات، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


1 السحور بالفتح المأكول، وبالضم المصدر والفعل.

2 رواه البخاري برقم (1789)، ورواه مسلم برقم (1835).

3 رواه أحمد في مسنده برقم (16562).

4 رواه أحمد في مسنده برقم (10969)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير( 368).

5 رواه مسلم برقم (1838).

6 رواه أحمد في المسند برقم (20350)، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة (4/375).

7 رواه البخاري برقم (1821)، ومسلم برقم (1838).

8 رواه أبو داود برقم (2009)، قال الألباني في صحيح وضعيف أبي داود: حسن صحيح (5/356).

9 رواه أبو داود برقم (2008)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير (2/248).

10 رواه البخاري برقم (632).

11 رواه الترمذي برقم (735)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الترغيب والترهيب (1/260).

12 سير أعلام النبلاء (5/238).

13 رواه ابن ماجه برقم (1743)، وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (4/253).

14 رواه أبو داود برقم (2010)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف الجامع  الصغير (8807).

15 رواه أبو داود برقم (2011)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (1/450).

16 رواه أبو داود برقم (3522)، ضعيف الترغيب والترهيب (1/150).

17 سورة البقرة (183).

18 رواه أحمد في مسنده برقم (16656)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/261).

19 رواه البخاري برقم (1770).

20 رواه ابن ماجه في سننه برقم (1680)، وقال الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير: صحيح (173).

21 رواه أحمد برقم (9803)، وقال الألباني في مشكاة المصابيح صحيح (1/455).

22 بداية الهداية لأبي حامد الغزالي.

23 سنن الترمذي (3/104).

24 رواه البخاري برقم (1769)، ومسلم برقم (4268).

25 رواه مسلم برقم (2008).

26 رواه مسلم برقم (2009).

27 فقه السنة لسيد سابق (1/455).

28 مجالس شهر رمضان لابن عثيمين "المجلس الحادي عشر – آداب الصيام".