رمضان شهر التغيير

رمضان شهر التغيير

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:

فإن عدداً غير قليل من الناس مقيدون بسلاسل المعصية، وكثيرون – أيضاً – أسرى لعادات سيئة يعلمون ضررها، ويدركون خطرها، ولكنهم يظلون في أسْرِها قد استولت عليهم العوائد، وأحاطت بهم العوائق، ووهت عزائمهم، وضعفت إرادتهم؛ لأنه كما هو معلوم أن "للعادات سلطاناً على النفوس، وهيمنة على القلوب، وهي تتركز في الإنسان فتصبح كأنها طبيعة من طبائعه، لا يستطيع التخلص منها، ولا يقدر على مفارقتها"، وصدق الرصافي حين قال:

إن العوائد كالأغلال تجمعنا                   على قلوب لنا منهن أشتات

مقيدين بها نمشي على حذر                   من العيون فنأتي بالمداجـاة

والتخلص من العادات السيئة أساسه قوة الإرادة، وشهر رمضان مدرسة تربية رحمانية، يتدرب بها المسلم المؤمن على تقوية الإرادة في الوقوف عند حدود ربه في كل شيء، والتسليم لحكمه في كل شيء، وتنفيذ أوامره وشريعته في كل شيء، والصوم هو مجال تقرير الإرادة العازمة الجازمة، ومجال اتصال الإنسان بربه اتصال طاعة وانقياد، كما أنه مجال الاستعلاء على ضرورات الجسد كلها، واحتمال ضغطها وثقلها، إيثاراً لما عند الله من الرضى والمتاع.

فالصوم إذن فرصة ذهبية للتخلص من العادات الرديئة، وإليك إيضاح العوامل التي تعين على ذلك:

1-             قوة الإرادة والعزيمة: كما أسلفت لك، "وبقدر ما تقوى الإرادة يضعف سلطان العادة".

2-      طول مدة التغيير: فالصائم يلزم بحكم الشرع، وبحرصه على الطاعة بترك عوائده؛ وذلك لمدة ثلاثين يوماً، وهي مدة كافية إذا صدقت نية التغيير.

3-      شمول نواحي التغيير: فإن الصائم يغير في رمضان مواعيد نومه واستيقاظه، وأوقات طعامه وشرابه، وطرائق شغل أوقاته، وترتيب أولوياته واهتماماته، بل حتى مشاعره وانفعالاته، وبالتالي فإن القدرة على التغيير تكون أكبر وأقوى.

4-      عموم أفراد التغيير: إن الصوم في شهر رمضان يوجد نمطاً تغييراً عاماً يشمل جميع أفراد المجتمع المسلم، فكل مسلم ينطبع بهذا التغيير الباطني والظاهري، وهذا عامل من أعظم العوامل المساعدة على التغيير، فالذي يعزم على التغيير لا يكون وحده بل يجد التغيير في كل الناس من حوله، وإذا لم تنجح في التغيير مع وجود الجم الغفير، والزمن الطويل فأظنك لن تقدر على التغيير، بل أظنك لا تريد التغيير، وإذا لم تغير قبائح العوائد في رمضان فأنت من المحرومين، ومن ضمن الذين خالفوا حكمة رب العالمين، لأنه جعل الصوم للعباد "ليغيروا فيه من صفات أنفسهم فما غيروا إلا مواعيد أكلهم"، فلا ترض أن تكون من هؤلاء، وكن من العقلاء الأتقياء الذين يدورون مع مراد الله، ويحققون مقاصد شرع الله، إذ "المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات"، واعلم بأن "الوصول إلى المطلوب موقوف على هجر العوائد، وقطع العلائق"، والعادات عبودية.

والحر من خرق العادات منتهجاً                   نهج الصواب ولو ضد الجماعات

وهذه لمحات في التغيير فتأملها لتتغير إلى الأفضل {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}1.

والحمد لله رب العالمين.


1 – سورة الرعد آية رقم (11).