الصائمون ووجبة الإفطار

الصائمون ووجبة الإفطار

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين… أما بعد:

إنه لمن المؤلم حقاً أن نجد في شهر رمضان عيوباً يتصف بها الصائمون تخالف الحكمة من مشروعية هذه العبادة العظيمة التي هي تحقيق التقوى، وتحقيق التقوى في الحقيقة لها مظاهر ولوجودها آثار عديدة بتحلي العبد بها يكون شخصية متميزة، فالصيام يربي الإنسان على الصبر والجلد، وكبح جماح النفس وشهواتها حيث الجوارح ساكنة قد شبعت لما جاعت المعدة وتخلت عن الطعام؛ لأنه من المعلوم أن خلو المعدة من الطعام له تأثير عظيم على جوارح العبد تسكتها عن الشهوات وتهدأ ولا تطيش عند الملمات، هذه من ثمرات الصيام خاصة وأن العبد إنما يترك طعامه وشرابه تعبداً لله، فتجتمع له خلو البطن مع امتلاء القلب بالشعور بلذة العبادة إذ هو إنما يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله.

لكن وللأسف لما كان الصيام عند كثير من المسلمين –إلا من رحم الله– مجرد أداء لشعيرة الصيام وعادة لا بد من مجاراة المجتمع بأدائها لم يتحل كثير من الصائمين بصفات الصائمين المتقين، فتظهر في سلوكه كثيراً من الأخطاء والزلات التي لا ينبغي أن تصدر من عبد مسلم فضلاً عن أن يكون متعبداً بشعيرة الصيام.

فمن تلك الأخطاء المنتشرة في البلاد الإسلامية أن شهر رمضان صار شهراً لاجتلاب الكثير والمزيد من الطعام والشراب؛ فنجد من كان يصرف في شهره ثلث ما يأخذ من راتبه للطعام والشراب يصرف في رمضان أكثر من نصف مرتبه ولربما بعضهم ذهب يستدين كثيراً من الأموال، فإذا سألته لماذا تريد هذا المال قال لك: أقبل رمضان..

سبحان الله! بدلاً من الزهد والتقشف في رمضان لتظهر آثار الصيام بخفة البدن بدلاً من السمنة، والنشاط للعبادة بدلاً من التكاسل حصل العكس من ذلك تماماً..

فالأسواق مزدحمة بالرجال والنساء والأطفال لشراء مستلزمات رمضان كلها أكياس مملوءة بالطعام والشراب.

والعيب الآخر المتفشي مما له صلة بهذا الموضوع أنه عندما يقترب الليل، وتتهيأ الشمس للغروب تبدأ  حالات الطوارئ –إن صح التعبير– فتزدحم الطرقات بالمشاة والسيارات والدراجات مسرعين كلهم قد طارت عقولهم يريد كل منهم أن يصل إلى البيت قبل أذان المغرب لتناول وجبة الإفطار التي أعدت في موائد كبيرة ضخمة مما لذ وطاب، إنها سفرة من طعام وأخرى فواكه وخضار ومشروبات باردة وحارة فتقع كثير من المشاكل في الطريق فربما بعضهم لم يصل إلى مطلوبه بل أصيب بحادث فانجرح أو جرح غيره لشدة سرعته وعدم تمهله في سيره، وهكذا انتشرت الفوضى في هذا الوقت، وكأن الواحد منهم كان مقيداً عن الأكل مدة ثلاثة أيام وليس لمجرد ساعات، فذهب ذوق وطعم العبادة، وكثرت المشاكل والبلايا والمصائب ومع هذا الجوع الشديد المفرط وانتشار تلك الموائد وحصول تلك المشاكل فإن الذي يصل بسلامته إلى أهله لربما حصلت له مشاكل أخرى في بيته مع أهله لماذا الطعام الفلاني غير متوفر؟! ولماذا هذا حار ولماذا هذا بارد ولماذا.. ولماذا… ولماذا؟؟

والعاقل منهم وصل بالعافية إلى بيته والمائدة موضوعة بطولها وعرضها ثم بدأ في التهام الطعام والشراب كأنه سيأكل أكل الخمسة والعشرة مما تراه من لهثه وطيشه وسرعته المتهورة. وفي الأخير إنما هي لقيمات معدودة امتلأت بها بطنه وأصيب بالتخمة والفتور الشديد، وبقيت الأطعمة فأخذت ورميت في القمامات وذهب إسرافاً وظلماً، وأصيب صاحبنا بالتعب والإعياء من كثرة الأكل فجاءت صلاة العشاء والتروايح فمنهم من لا يستطيع أداء الصلاة مع الجماعة…وآخر صلى العشاء ولم يستطع أداء صلاة التراويح مع الإمام، والنشيط منهم صلى مع الإمام لكن عقله غير حاضر وجسده منهكاً إنهاكاً شديداً فلم يتدبر قراءة القرآن من شدة التعب وهكذا.

إنها نصيحة لكل مسلم صائم أراد أن يحقق الغاية من الصيام أن يتقي الله في مطعمه ومشربه، وليتمسك بهدي نبيه –عليه الصلاة والسلام- كما قال صلى الله عليه  وسلم: (بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ)1. الحديث، ففي ذلك خير له في إنفاقه، وعوناً له على نشاطه في عبادة ربه.

وليتق الله في إخوانه وجيرانه وليطعم الجائع منهم بدلاً من الإسراف والتبذير، ويسير في طريقه وعليه السكينة والوقار، فبالتأني السلامة وفي العجلة الندامة كما يقال..

نسأل الله أن يوفق الجميع إلى مرضاته، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم،،، والحمد لله رب العالمين


1 رواه الترمذي -2302- (8/387)وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة -مختصرة- برقم (2265).