رمضان شهر العمل

رمضان شهر العمل لا شهر الكسل

 

الحمد لله الذي جعل رمضان مزرعة للتزود في أعمال البر والإحسان، ومضاعفة الأجور وكثرة الامتنان، شهر نزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له العزة وعليه التكلان، وأشهد أن محمد رسول الله الشافع يوم الزحام وضيق المكان. أما بعد:

فقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه، كانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه أن يتقبله منهم، كانوا يصومون أيامه ويحفظون صيامهم عما يبطله أو ينقصه من اللغو واللهو واللعب والغيبة والنميمة والكذب، وكانوا يحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن، كانوا يتعاهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان وإطعام الطعام وتفطير الصوام، كانوا يجاهدون فيه أنفسهم بطاعة الله ويجاهدون أعداء الإسلام في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله فقد كانت غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون على عدوهم في اليوم السابع عشر من رمضان، وكانت غزوة فتح مكة في عشرين من رمضان حيث دخل الناس في دين الله أفواجاً وأصبحت مكة دار إسلام.

وفي زماننا تتغير حياة الكثير من المسلمين في شهر رمضان الكريم ويتعاملون مع شهر رمضان على أنه شهر الكسل والراحة، بالرغم من أن الله فرض الصيام في شهر رمضان لتقوية العزيمة والصبر على الجوع والعطش والشهوات، ومحاسبة النفس، إلا أن البعض يتكاسلون ويهملون أداء أعمالهم في هذا الشهر بحجة أنهم لا يستطيعون العمل أثناء الصيام.

إن كثيراً من المسلمين اليوم جعلوا من رمضان مرتعاً للنوم طوال النهار بلا صلاة، وليلهم يغرقونه بالوقوف أمام شاشات القنوات الفضائية في متابعة المسلسلات واللا مفيد.

والحقيقة أن شهر رمضان ليس شهر خمول ونوم وكسل، ولكنه شهر جهاد وعبادة ودعوة وعمل؛ لذلك ينبغي للمسلم أن يستقبله بالفرح والسرور والحفاوة والتكرم، والعلم والعمل، والدعوة والجهاد، وكيف لا نكون كذلك في شهر اختاره الله لفريضة الصيام ومشروعية القيام وإنزال القرآن الكريم لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وكيف لا نفرح بشهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتغل فيه الشياطين وتضاعف فيه الحسنات وترفع الدرجات وتغفر الخطايا والسيئات.

فينبغي لنا أن ننتهز فرصة الحياة والصحة والشباب فنعمرها بطاعة الله وحسن عبادته وأن ننتهز فرصة قدوم هذا الشهر الكريم، فنجدد العهد مع الله تعالى على التوبة الصادقة في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات، وأن نلتزم بطاعة الله تعالى مدى الحياة بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه لنكون من الفائزين، {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ*إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (88-89) سورة الشعراء.

ينبغي للمسلم أن يحافظ على أوقات حياته القصيرة المحدودة، فيما ينفعه من عبادة خالقه ورازقه، وأن يصونها عما يضره في دينه ودنياه وآخرته، وخصوصاً أوقات شهر رمضان الشريفة الفاضلة التي لا تعوض ولا تقدر بثمن، فهي شاهدة للطائعين بطاعاتهم وشاهدة على العاصين والغافلين بمعاصيهم وغفلاتهم.

نسأل الله تعالى أن يجعل من شهر رمضان شهر عمل وطاعة، وخير وبركة وعزة وكرامة، وأن يتقبل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وأن يجعل كل ذلك إيماناً واحتساباً، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين.