ليالي رمضان

ليالي رمضان

الحمد لله الذي بلغنا رمضان، نحمده حمداً يليق بجلاله، نحمده حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على سيد الأنام، خير من  صلى وصام، ورتل كتاب ربه وقام، فالصلاة والسلام عليه، وعلى جميع أهل الإسلام ما غرد قمري فوق الآكام، وما حلق فوق السماء الحمام، وعمت في أرجائنا الغمام، أما بعد:

يهب علينا رمضان بنسيمه الفواح؛ كي تطيب في أرجائنا الرياح، فتفتح أبواب الخير ليغدوا عليها الناس يتلمسون الخير، ويهتبلون الفرص، ويجمعون الحسنات.

ومن الفرص التي تأتي في رمضان، ويحرص عليها أهل الإيمان؛ ليالي رمضان، فهي ليست كسائر الليالي بل لها مذاق خاص، ولذة فريدة؛ طالما انتظرها المحبون، وتمنى لقاءها المدلجون.

وعندما نتكلم عن ليالي رمضان فإننا نتكلم عن القيام والاستغفار، وعن البكاء في الأسحار، والمناجاة للجبار، ولماذا الحديث عن ليالي رمضان؟.

لأننا رأينا العجب العجاب، رأينا أوقات غالية في هذا الشهر تذهب هباءً منثوراً، فلا هي كانت في طاعة، ولا صرفت في عبادة، والناظر إلى أحوال كثير من المسلمين يرى أن ليالي رمضان تقضى في أمورٍ يستحي الإنسان من ذكرها؛ فهي لا تليق أن تذكر مع هذا الشهر الكريم لكن نذكرها من باب “معرفة الشر” لتوقيه، وعدم الوقوع فيه، وهو من البلاء الذي عم وانتشر فلابد من تبيينه.

ومما يقع في ليالي هذا الشهر الكريم:

السهر على المباحات، فتقطع الأوقات فيما لا طائل فيه من جلسات، وذهاب وإياب، سواء على أكل أو شرب، أو لعب لأوقات طويلة تتعب الجسد فلا يستطيع أن يقوم بشيء من العبادة، بل أرهق نفسه بغير قيام أو قراءة قرآن.

ومنهم من أذهب لياليه بالمحرمات؛ فلا يجتمعون إلا على القنوات، فلا تسل عما في تلك القنوات من الأفلام الخليعات، والأغاني الماجنات، والمسلسلات الهابطات، ومنهم من يقضي لياليه بلعب البلوت، وغيرها من الألعاب التي قد يصاحبها القمار، أو غير القمار من المحرمات كالشتم والسباب، ورفع الأصوات المنكرة، واستهزاء بعضهم ببعض.

كل هذا في ليالي شهر رمضان المباركة، بل أكثر من ذلك أن تنتشر المتبرجات في الأسواق يفتنَّ الرجال بحجة التسوق، فيحصل ما لا يحمد عقباه من الأذى للنساء، والاختلاط المحرم بين الشباب والشابات، وكل ذلك في ليالي رمضان المباركة.

لا بد أن يعلم الجميع قيمة هذه الليالي العظيمة، فهي ليالي شهر أنزل فيه القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}1، ولا بد أن تكون أيامه ولياليه مليئة بقراءة القرآن، كيف لا وليلة القدر التي هي أفضل ليلة في العام على الإطلاق، والتي قال عنها ربنا – عز وجل -: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}2 هي من ليالي رمضان.

ومما ينبغي أيضاً أن تعمر به ليالي رمضان قيام الليل فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))3، وخصص قيام ليلة القدر بأجر خاص ففي الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه؛ ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))4.

فلينتبه المسلمون لذلك الفضل الكبير، ولتستغل ليالي رمضان بالذكر والدعاء والاستغفار، وأي نوع من أنواع الطاعات.

نسأل الله العظيم أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معصيته؛ إنه على كل شيء قدير.


1 سورة البقرة (185).

2 سورة القدر (1-5).

3 البخاري (36).

4 البخاري (1768).