الصبر والصابرون

 الصبر والصابرون

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ..أما بعد:

سنتعرف اليوم على عمل من أجل أعمال القلب، التي يؤجر عليها العبد إذا احتسب ذلك عند الله -سبحانه-، ذلك هو الصبر الذي بين الله عظيم فضله فقال: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}1.

تعريفه:

الصبر لغة: مصدر صبر يصبر وهو مأخوذ من مادة (ص ب ر) التي تدل بحسب وضع اللغة على معان ثلاثة: الأول: الحبس، والثاني: أعالي الشيء، والثالث: جنس من الحجارة، وقد اشتق الصبر هنا من المعنى الأول وهو الحبس.

وأما في الاصطلاح: فهو حبس النفس عن الجزع والغضب، واللسان عن التشكي، والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب، ونحوهما.

 وقيل: هو ثبات القلب عند موارد الاضطراب.

 وقيل: هو الثبات مع الله، وتلقي بلائه بالرحب والسعة.

أهميته :

قال ابن تيمية – رحمه الله- : قد ذكر الله الصبر في كتابه في أكثر من تسعين موضعاً. وقرنه بالصلاة في قوله -تعالى-: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } سورة البقرة(45).

 وجعل الإمامة في الدين موروثة عن الصبر واليقين بقوله:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} سورة السجدة(24)،  فإن الدين كله علم بالحق وعمل به، و العمل لا بد فيه من الصبر. بل وطلب علمه يحتاج إلى الصبر؛ كما قال معاذ بن جبل – رضي الله عنه-: عليكم بالعلم فإن طلبه لله عبادة، ومعرفته خشية، و البحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعمله صدقة، ومذاكرته تسبيح، به يعرف الله ويعبد، وبه يمجد ويوحد، يرفع الله بالعلم أقواماً يجعلهم للناس قادة وأئمة يهتدون بهم، وينتمون إلى رأيهم.

فجعل البحث عن العلم من الجهاد، ولا بد في الجهاد من الصبر؛ ولهذا قال الله – تعالى-: {وَالْعَصْر* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} سورة العصر. 

فالعلم النافع هو أصل الهدى، والعمل بالحق هو الرشاد، وضد الأول الضلال، وضد الثاني الغي، فالضلال العمل بغير علم، والغي هو اتباع الهوى، قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} سورة النجم(1- 2). فلا ينال الهدى إلا بالعلم، ولا ينال الرشاد إلا بالصبر؛ ولهذا قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه-:  ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا انقطع الرأس بان الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا لا إيمان لمن لا صبر له2 .

وقال ابن القيم – رحمه الله-: قال الإمام أحمد: ذكر الله الصبر في القرآن في تسعين موضع3.

 ومما يدل على أهميته ما ورد في نصوص السنة النبوية من الأمر به والحث عليه وهي أحاديث كثيرة جداً، لا يتسع المجال لذكرها ؛ منها على سبيل الإشارة: عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم-  أنه قال: " ما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر" 4.

وكان السلف الصالح أبرز من تميز بالصبر، عملاً به وحثاً عليه، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (وجدنا خير عيشنا بالصبر).

 وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس في الجسد، و لا جسد لمن لا رأس له، ثم قال: لا إيمان لمن لا صبر له).

 وقال الحسن- رحمه الله-:  (الصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده).

 وقال سليمان بن القاسم- رحمه الله-: (كل عمر يعرف ثوابه إلا الصبر، قال الله – تعالى- :{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

 وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- : (الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله).

حكمه:

 مما سبق من أدلة الكتاب والسنة وأقوال السلف يتبين أن الصبر واجب وعلى هذا اتفاق الأئمة.

 فلا بد من الصبر على القيام بفعل الواجبات، وعن ترك المحرمات، والصبر على أقدار الله المؤلمة.

أنواعه:

أ‌-      صبر على المأمور: ويكون بامتثال ما أمر الله به في كتابه العزيز، أو في السنة النبوية من العبادات؛ كالصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر شرائع الإسلام.

ب‌-    صبر على المحذور: وهو الصبر على ترك كل ما نهى الله عنه في القرآن العظيم، وفي سنة نبيه الكريم من المعاصي؛ كالشرك بالله، وأكل الربا، وعقوق الوالدين، وسائر المحرمات والمنهيات التي حرمها الله ورسوله.

ت‌-    صبر على المقدور: فلا يشكو ربه إلى الناس، وإنما يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه؛ قال -تعالى-: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} سورة التغابن(11).

مراتبه:

قال ابن القيم- رحمه الله-: المراتب أربعة: أحدها: مرتبة الكمال: وهي مرتبة أولي العزائم، وهي الصبر لله وبالله؛ فيكون في صبره مبتغياً وجه الله، صابراً به متبرئاً من حوله وقوته، فهذا أقوى المراتب وأرفعها وأفضلها.

الثانية: أن لا يكون فيه لا هذا ولا هذا. فهو أخس المراتب، وأردأ الخلق، فهو جدير بكل خذلان، وبكل حرمان.

الثالثة: مرتبة من فيه صبرٌ بالله، وهو مستعين متوكل على حوله وقوته، ولكن صبره ليس لله ؛ إذ ليس صبره فيما هو مراد الله الديني منه، فهذا ينال مطلوبه، ولكن لا عاقبة له، وربما كانت عاقبته شر العواقب، وفي هذا المقام خفراء الكفار وأرباب الأحوال الشيطانية، فإن صبرهم بالله، لا لله، ولا في الله.

الرابعة: من فيه صبر لله، لكنه ضعيف النصيب من الصبر به، والتوكل عليه، والثقة به، فهذا له عاقبة حميدة، ولكنه ضعيف عاجز مخذول في كثير من مطالبه؛ لضعف نصيبه من:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فنصيبه من الله أقوى من نصيبه بالله، فهذا حال المؤمن الضعيف.

 ويقول: صابرٌ بالله؛ لا لله: حال الفاجر القوي، وصابر لله وبالله: حال المؤمن القوي، والمؤمن القوي خير وأحبَّ إلى الله من المؤمن الضعيف. فصابر لله وبالله: عزيز حميد، ومن ليس لله ولا بالله مذموم مخذول، ومن هو بالله، لا لله قادر مذموم، ومن هو لله لا بالله عاجز محمود5.

فوائده :

1. جعل الله لأهل الصبر الإمامة في الدين، قال -تعالى-: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} سورة السجدة(24) فالبصر واليقين تنال الإمامة في الدين.

2. فوز الصابرين بحفظ الله لهم وتأييده، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} سورة البقرة(153).

3. أن الله يصلي عليهم ويرحمهم ويهديهم، قال -تعالى-:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}سورة البقرة(155- 157).

4. سبب لنصر المؤمنين على أعدائهم، إذا صبروا واتقوا، قال -تعالى-: {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } سورة آل عمران(125). وقال -تعالى-:{}سورة آل عمران (120).

5. أن الله يحب الصابرين، قال -تعالى-:{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} سورة آل عمران (146).

6. أن الصابرين هم الذي ينتفعون بآيات الله، قال الله- تعالى-:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} سورة إبراهيم(5) وفي سورة لقمان(31) وفي سورة سبأ سورة(19).وفي سورة الشورى (33).

7. أن الصبر خير للصابرين في الدنيا والآخرة؛ كما قال الله – تعالى-:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} سورة النحل(126).  

8. أن الصبر على المصائب من عزم الأمور، قال الله: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}سورة الشورى (43).

وقال لقمان لابنه:{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} سورة لقمان(17)  

9. أن الصبر من أسباب الفلاح والفوز، قال الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة آل عمران(200)  ;

10. مضاعفة أجور الصابرين، قال الله -تعالى-:{أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} سورة القصص(54) وقال:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ

11. تسليم الملائكة على الصابرين جزاء صبرهم؛ قال الله:{{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } سورة الرعد (23- 24)

12. أن لهم المغفرة والأجر الكبير من الله، قال الله – تعالى-:{إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} سورة هود (11).

13. أنهم الرابحون، قال -تعالى-: {وَالْعَصْر * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}. 

وغيرها من الفوائد التي نعلمها أو لا نعلمها.

     نماذج من حياة الصابرين:

1. خليل الرحمن إبراهيم – عليه السلام-: لقد كان صبر خليل الرحمن أوفى صبر، وقد صبر على طاعة الله، وصابر ورابط؛ وفيه قال الله:{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} سورة النجم(37). وقال: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} سورة البقرة(124).  قال ابن عباس – رضي الله عنه-: ما قام أحد بدين الله كله إلا إبراهيم – عليه السلام- قدم بدنه للنيران، وطعامه للضيفان، وولده للقربان.

 بأبي وأمي خليل الرحمن، ومن يصبر صبره؟! يأمره الله بجعل ولده وزوجه في مكان قفر ويطيع، ويأمره بذبح ولده وهو الشيخ الطاعن في السن فيطيع، ويلقى في النار فيصبر، وسلم قلبه من كل الأغيار، وأتى ربه بقلب سليم، ابتلاه ربه بكلمات فأتمهن، وكسر الأصنام غيرة لربه منهن، فلما أججت النار ذهبت بلطف الله حرارتهن، وغرس شجر الجنة في سواء الجحيم:{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} سورة الأنبياء(69).

2.  نوح – عليه السلام-: لقد صبر نوح في دعوته لقومه، فاستمر يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً.. يوقف أنفاسه على الدعوة إلى الله… في أطول صبر عرفه التاريخ..

3. إسماعيل- عليه السلام-: قال الله- تعالى-: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين} َسورة الصافات (102-105).

 حادث فريد عظيم، تعجز الكلمات أن تصور روعته، وصبر بل ورضا، ونيل طاعة، وروعة إيمان، وعظمة تسليم، وراء كل ما يتعارف عليه بنو الإنسان.. رضا هادئ، وصبر جميل مبشر، متذوق للطاعة وطعمها العذب، يبقى منارة…

فلله در إبراهيم الخليل في عزمه وخلته لربه! ولله صبر إسماعيل.. قبل الله منه هذا البر وفداه، وأكرمه كما أكرم أباه!!.

4.   سيد المؤذنين المشهود له بالجنة- بلال بن رباح – رضي الله عنه -: عن زر عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- قال: أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وبلال، وصهيب، والمقداد، فأما النبي وأبوبكر: فمنعهما الله بقومهما، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم أحد إلا وأتاهم على ما أرادوا إلا بلال؛ فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحدٌ أحد.

5.    عمار بن ياسر – رضي الله عنه- يعذب حتى لا يدري ما يقول.

6. خباب بن الأرت– رضي الله عنه – لا ينطفئ وهج الحديد المحمي الذي يضعونه عليه إلا بما يسيل من ودك ظهره.

7.    وخبيب بن عدي – رضي الله عنه وأرضاه- يردد حداءه الجميل:

ولست أبالي حين أقتل مسلماً          على أي جنب كان في الله مصرعي

              وذلك في ذات الإله وإن يشأ           يبارك على أوصال شلو ممــزع

فأين أنت يا عديم العزم، والطريق طويل!! تعب فيه آدم، وناح فيه نوح، وألقي في النار إبراهيم، واضطجع للذبح إسماعيل، وشق بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، عاش مع الوحوش عيسى، وقاسى الضر أيوب، زاد على المقدار في البكاء داود، اتهم بالسحر والجنون نبي الله الكريم، كسرت رباعيته، وشج رأسه ووجهه، ولله جنود السماوات والأرض، قتل ذو النورين وعلي، وطعن عمر، وقتل الحسن، وسعيد بن جبير، وعذب ابن المسيب، ومالك، فرفعهما الله بعد محنتهما؟!

وهناك نماذج كثيرة، ولكن حسبنا التمثيل دون الحصر والتطويل، والحمد الله معطي الجزيل، وغافر الذنب الثقيل، والموفق والهادي إلى سواء السبيل،،،،


1– (10) سورة الزمر.

2 – . انظر بصائر ذوي التمييز 3/376.

3 – عدة الصابرين صـ74، ومدارج السالكين 2/152.

4 – أخرجه البخاري .

5 – مدارج السالكين2/169-170.