عامل الناس كما تحب أن يعاملوك

 

عامل الناس كما تحب أن يعاملوك

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين،وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد:

فإن من المهارات التي ينبغي أن يتقنها الإنسان فن التعامل مع الناس، وهذا يحتاج إلى دربة وتعود على الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة.

ولقد كان نبينا   مثالاً عالياً في مكارم الأخلاق والمعاملات، وفي جميع شؤون الحياة، فينبغي علينا أن نقتدي به في ذلك: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}سورة الأحزاب(21). فهو صاحب الأخلاق الحسنة من الوفاء بالوعد، وصدق الحديث، وإكرام الضيف، وإعانة المحتاج، وما إلى ذلك من الأخلاق التي تخلق بها مما ورد في الكتاب، فلقد كان خلقه القرآن.

ولذلك فقد وجدنا في السنة أنه   يحث على الأخلاق الفاضلة،والمعاملة الحسنة، بل ويبين أن الإنسان بحسن خلقه يبلغ ما لا يبلغه الصائم القائم؛ كما في حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله يقول: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)1.

وبحسن الأخلاق يكون الإنسان المؤمن من أقرب الناس إلى النبي مجلساً؛ فعن عبد الله بن عمرو أنه قال: إن رسول الله   قال في مجلس : (ألا أحدثكم بأحبكم إلي، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة) ثلاث مرات يقولها، قال: قلنا بلى يا رسول الله ، قال: فقال: (أحسنكم أخلاقا)2.

فالأخلاق الحسنة بها بقاء ودوام الأمم حية بين الأنام، تذكر بالخير، حتى وإن فنيت تلك الأمة من على هذه البسيطة، فإن ذكرها الحسن يبقى بين الناس، فإن لم تكن هناك أخلاق حسنة فكأنما هذه الأمة قد فقدت وإن كانت باقية على هذه البسيطة، فضلا عن زوالها وفنائها على الحقيقة؛ كما قال بعضهم:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ونعني بهذا أن يكون الإنسان على مرتبة عليا من الأخلاق العالية، فيتجاوز عمن ظلمه،ويعطي من حرمه، ويصفح عمن جهل عليه..

فإن لم يكن كذلك فعليه أن لا يقل أدبه مع من يعامله، ويتعايش معه، بل يعامله كما يحب أن يعامله، وأن يكافئ من صنع إليه معروفاً على ذلك؛ لحديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله ­ : (من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوا به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه)3.فالمكافأة لمن صنع إليك معروفاً من أخلاق المؤمنين.

وبالتالي فإنه لابد للإنسان المؤمن أن يحب للمؤمنين ما يحبه لنفسه، وأن يكره لهم ما يكره لنفسه، لحديث أنس  عن النبي   قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)4.

وقد حث النبي   على التخلق بالأخلاق الحسنة كبار الصحابة، وعلى رأسهم معاذ وأبي ذر كما في الحديث الصحيح والذي قال فيه: (وخالق الناس بخلق حسن)5. قال ابن دقيق العيد -رحمه الله-: معناه: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، واعلم أن أثقل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن6.

وقد ذكر النبي   أن من الثلاث التي لا يغل عليهن قلب مسلم: (ولزوم جماعتهم)7. أي جماعة المسلمين. قال ابن القيم –رحمه الله- وهو يتكلم عن الأمور التي تحصل بها طهارة القلب: هذا أيضاً مما يطهر القلب من الغل والغش، فإن صاحبَه للزومه جماعة المسلمين يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها،  ويسوؤه ما يسؤوهم، ويسره ما يسرهم8.

وفي الحديث عن تميم الداري أن النبي   قال: (الدين النصيحة). قلنا: لمن؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)9. قال ابن رجب –رحمه الله- وهو يتكلم عن صفة النصيحة للمسلمين: فأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويشفق عليهم، ويرحم صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم، وإن ضره ذلك في دنياه كرخص أسعارهم، وإن كان في ذلك فوات ربح ما يبيع في تجارته، وكذلك جميع ما يضرهم عامة، ويحب ما يصلحهم، وألفتهم، ودوام النعم عليهم، ونصرهم على عدوهم، ودفع كل أذى ومكروه عنهم10.

وقال أبو عمرو ابن الصلاح: والنصيحة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ونصرتهم على أعدائهم، والذب عنهم،ومجانبة الغش والحسد لهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه، وما شابه ذلك11.

ولذلك فإنه ينبغي لأهل الإسلام أن يتحلوا بالأخلاق الحسنة، وأن يتعاملوا بالأخلاق الفاضلة، وأن يبتعدوا عن كل الأخلاق السيئة، وأن يعملوا على تحقيق الأخوة الإسلامية فيما بينهم، وأن يحافظوا على جماعة المسلمين، وأن يحذروا ما يسبب الفرقة، ويوغر الصدور، ويورث البغضاء والشحناء بينهم، وأن يتواصوا بالحق والصبر، وأن يضعوا هذه القاعدة عند تعاملهم مع بعضهم البعض نصب أعينهم: عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، وليرفعوا شعاراً: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)12. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.


1 رواه أبو داود، وقال الشيخ الألباني: صحيح؛ كما في تعليقه على المشكاة، رقم(5082).

2 رواه أحمد، وذكر الألباني أنه صحيح كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم (2650).

3 رواه أبو داود، وقال الشيخ الألباني: صحيح؛ كما في صحيح أبي داود، رقم(1468).

4 رواه البخاري ومسلم.

5 رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وقال الألباني: حسن؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم(3160).

6 شرح الأربعين(52).

7 رواه الترمذي، وذكر الألباني في تعليقه على المشكاة أنه صحيح، رقم(228).

8 مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة(2/72- 73) الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت.

9 رواه مسلم.

10 جامع العلوم والحكم(80). الناشر : دار المعرفة – بيروت. الطبعة الأولى (1408هـ).

11 نقله عنه ابن رجب في جامع العلوم والحكم(80- 81).

12 أخرجه  البخاري ومسلم من حديث أنس -رضي الله عنه-.