الأكل والشرب في المسجد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد بن عبد الله الصادق الأمين، الذي بعثه ربه رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالأكل والشرب في المسجد من الأشياء المباحة التي لا بأس بها، فقد بوب ابن ماجه – رحمه الله – في سننه “باب الأكل في المسجد” وأورد حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي أنه قال: (كنا نأكل على عهد رسول الله ﷺ في المسجد الخبز واللحم)(1) قال الشوكاني: “والحديث يدل على المطلوب منه وهو جواز الأكل في المسجد، وفيه أحاديث كثيرة منها سكنى أهل الصفة في المسجد الثابت في البخاري وغيره، فإن كون لا مسكن لهم سواه يستلزم أكلهم للطعام فيه، ومنها حديث ربط الرجل الأسير بسارية من سواري المسجد المتفق عليه، وفي بعض طرقه أنه استمر مربوطاً ثلاثة أيام، ومنها ضرب الخيام في المسجد لسعد بن معاذ كما تقدم(2) أو للسوداء التي كانت تقم المسجد كما في الصحيحين، ومنها إنزال وفد ثقيف المسجد وغيرهم، والأحاديث الدالة على جواز أكل الطعام في المسجد متكاثرة)(3).
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما -: (أن النبي ﷺ أمر من كل حائط بقنو للمسجد)(4).
وعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – أن النبي ﷺ أمر من كل جاد عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين(5).
فالصحابة كانوا يعلقون القنوان وهي: العذوق التي فيها التمر في المسجد؛ لأجل طعام أهل الصفة؛ لأنهم كانوا يقيمون في المسجد، فدلت الأحاديث على جواز الأكل في المسجد.
لكن يستثنى من هذا الجواز ما نص الشارع على تحريمه؛ كأكل البصل، والثوم، والكراث في المسجد؛ لأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم؛ كما في الحديث المتفق عليه.
وكذا الشرب فمما لا شك ولا ريب أنه كان يقع في المسجد في عهد النبي ﷺ، فقد كان أهل الصفة في المسجد، وقد رُبط ثمامة بن أثال في المسجد، فمما هو معلوم أنهم كانوا يشربون في المسجد، وإلا كيف يربط رجل ويجلس عدة أيام لا يأكل ولا يشرب.
ولكن لا بد من مراعاة بعض الأمور أثناء الأكل والشرب في المسجد منها:
- عدم الأكل أو الشرب قائماً: فعن أنس – رضي الله عنه – أن النبي ﷺ نهى أن يشرب الرجل قائماً، فقيل: الأكل؟ قال: ذاك أشر (6). وفي رواية مسلم: قال قتادة: فقلنا لأنس: فالأكل؟ قال: ذاك أشر أو أخبث، وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ﷺ (لا يشربنَّ أحدٌ منكم قائماً، فمن نسي؛ فليستقىء(7) قال الإمام النووي – رحمه الله – بعد أن بيَّن أن النهي في الأحاديث محمول على كراهة التنزية؛ قال: (وأما قوله ﷺ : فمن نسي فليستقىء فمحمول على الاستحباب والندب، فيستحب لمن شرب قائماً أن يتقايأه لهذا الحديث الصحيح الصريح، فان الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب حمل على الاستحباب)(8)، وقال: “اعلم أنه تستحب الاستقاءة لمن شرب قائماً ناسياً أو متعمداً، وذكر الناسي في الحديث ليس المراد به أن القاصد يخالفه بل للتنبيه به على غيره بطريق الأولى؛ لأنه إذا أمر به الناسي وهو غير مخاطب فالعامد المخاطب المكلف أولى، وهذا واضح لاشك فيه”(9).
ولكن تجد بعض الناس يشربون في المسجد وهم قيام، وهذا مخالف لآدب الشرب، أما حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – الذي قال فيه: (سقيت النبي ﷺ من ماء زمزم فشرب وهو قائم)(10) قال الإمام النووي – رحمه الله -: “وليس في هذه الأحاديث بحمد الله تعالى إشكال، ولا فيها ضعف، بل كلها صحيحة، والصواب فيها: أن النهى فيها محمول على كراهة التنزيه، وأما شربه ﷺ قائماً فبيان للجواز فلا إشكال، ولا تعارض، وهذا الذي ذكرناه يتعين المصير إليه”(11).
- عدم إدخال الأشياء التي لها روائح كريهة لأنها تؤذي المصلين، وتؤذي الملائكة، مثل الثوم والبصل، والكراث وغيرها.
- الحفاظ على نظافة المسجد وذلك بوضع الأكل على سفرة، حتى لا تتساقط الأطعمة فتلوث المسجد.
نسأل الله أن يوفقنا للخير أينما كنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
1– رواه ابن ماجه وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2/230) رقم (2669).
2– يقصد به حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة في الأكحل، فضرب عليه رسول الله ﷺ خيمة في المسجد ليعوده من قريب) متفق عليه.
3– نيل الأوطار (2/172).
4– رواه ابن خزيمة والحاكم وصححه وأقره الذهبي، وقال الألباني: “إسناده صحيح على شرط مسلم” صحيح ابن خزيمة (4/109) رقم (2466).
5– رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم (1464).
6– رواه مسلم، وأحمد، والترمذي.
7– رواه مسلم.
8– شرح النووي على صحيح مسلم (13/195).
9– شرح النووي على صحيح مسلم (13/196).
10– متفق عليه.
11– شرح النووي على صحيح مسلم (13/195).