المرء مع من أحب

المرء مع من أحب

 

 أحمد الله العلي القدير، وأثني عليه ثناءً منقطع النظير، يفوق كل وصف وتصوير، وأصلي وأسلم على خير الأنام، ورسول السلام، الذي بلغ العلا بكماله، وكشف الدجي بجماله، وحسنت جميع خصاله، صلوا عليه وآله، أما بعد:

كلمة جامعة فيها ترغيب وترهيب، وتحث على محبة الأخيار والأنبياء، والصالحين والمؤمنين، وفيها التحذير من محبة الأشرار الكفار، والفجار والفساق، هذه الكلمة هي: "المرء مع من أحب"، وهذه العبارة هي من قول نبي الرحمة المهداة محمد – صلى الله عليه وسلم – فقد أخرج الإمام البخاري من حديث عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري – رضي الله عنهما – أنه: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوماً ولما يلحق بهم ؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((المرء مع من أحب))1.

وعن أنس بن مالك: أن رجلاً سأل النبي – صلى الله عليه وسلم -: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: ((ما أعددت لها؟)) قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله!! قال: ((أنت مع من أحببت))2.

وهذا الحديث العظيم فيه: الحث على قوة محبة الرسل وأتباعهم، والتحذير من محبة ضدهم؛ فإن المحبة دليل على قوة اتصال المحب بمن يحبه، ومناسبته لأخلاقه، واقتدائه به، ومن أحب لله – تعالى -؛ فإن محبته من أعظم ما يقربه إلى الله؛ فإن الله – تعالى – شكور؛ يعطي المتقرب أعظم بأضعاف مضاعفة مما بذل، ومن شكره – تعالى -: أن يلحقه بمن أحب وإن قصر عمله قال – تعالى -: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}3، ولهذا قال أنس: رأيت أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فرحوا بشيء لم أرهم فرحوا بشيء أشد منه، قال رجل: يا رسول الله الرجل يحب الرجل على العمل من الخير، ولا يعمل بمثله؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((المرء مع من أحب))4.

وقال – تعالى -: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ}5، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}6.

وإذا أحب العبد أهل الخير رأيته منضماً إليهم، حريصاً على أن يكون مثلهم، لكن لو أحب أهل الشر فسينضم إليهم، وبعمل بأعمالهم حيث قال – صلى الله عليه وسلم -: ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل))7، وعن ابن أبي موسى عن أبيه – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه، أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك، أو تجد منه ريحاً خبيثة))8.

وإذا كان هذا في محبة الخلق فيما بينهم؛ فكيف بمن أحب الله، وقدَّم محبته وخشيته على كل شيء؟ فإنه مع الله، وقد حصل له القرب الكامل منه، وهو قرب المحبين، وكان الله معه، فـ{إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}9، وأعلى أنواع الإحسان محبة الرحيم الكريم الرحمن، محبة مقرونة بمعرفته.

أخي المسلم انظر لنفسك، وتأمل في هواك وميولاتك، من تحب؟ فإذا كنت تحب الصالحين، وتألفهم وتصحبهم فاحمد الله على هذه النعمة، واستبشر بخير، وإذا كنت تحب الأشرار والفساق، وأصحاب الأخلاق السيئة، فاتهم نفسك، وسل ربك العافية، سل ربك أن يخلصك.

ولا يكفي – أخي المسلم –  أنك تحب  النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم لا تقتدي به؛ بل المحبة تقتضي فعل أفعاله، والاقتداء به، وقد ادعى قوم محبة الله فامتحنوا بهذه الآية {10، فمحبة الله ورسوله، ومحبة الصالحين لا شك أنها عنوان خير وبشارة، فليهنأ العبد الذي يجد في قلبه ذلك، فليحمد الله..

وإنه مما ينبغي على الإنسان أن يسأل ربه أن يحببه إليه فيقول: اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقرب إلى حبك.

نسأل الله أن يرزقنا حبه، وحب من يحبه، وحب العمل الذي يقرّب إلى حبه؛ إنه جواد كريم.

ووالحمد لله رب العالمين.


1 – أخرجه الإمام البخاري (5817، 5818).

2 – أخرجه الإمام البخاري (5819)، والإمام مسلم (6878).

3 – سورة النساء (69).

4 – سنن أبى داود (5129).

5 – سورة الرعد (23).

6 – سورة الطور (21).

7 – أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (8398).

8 – أخرجه الإمام البخاري برقم (1995).

9 – سورة النحل (128).

10 – سورة آل عمران (31).