خصائص المساجد الثلاثة
الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله الأطهار وصحابته الكرام وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فمن المعلوم أن الله تبارك وتعالى فضل بعض الأيام على بعض وفضل بعض الأماكن على بعض، وفضل الأزمان بعضها على بعض ففضل سبحانه يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع، وفضل يوم عرفة على سائر الأيام في العام، وفضل العمل في عشر ذي الحجة على سائر الأيام، وفضل ليلة القدر على سائر الليالي، وفضل شهر رمضان المبارك على سائر الشهور، وفضل المساجد على غيرها من بقاع الأرض وفضل المساجد الثلاثة على غيرها من المساجد، وأفضلها المسجد الحرام ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى، وجعل الله تبارك وتعالى لكل من هذه المساجد خصائص، وجعل لهن جميعاً خصائص مشتركة، وسيكون موضوعنا في هذا المكان هو خصائص المساجد الثلاثة، ونبدأ بالخصائص المشتركة، ثم الخصائص المتعلقة بكل مسجد إن وجد، نسأل الله تبارك وتعالى العون والسداد فنقول:
الخصائص التي تشترك فيها المساجد الثلاثة المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى:
1. أن الذي قام ببنائها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فالذي قام ببناء المسجد الحرام هو نبي الله إبراهيم عليه السلام {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(سورة البقرة:127).، وهو أول بيت لله تبارك وتعالى بني على الإطلاق قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}(سورة آل عمران:96).، والذي بنا المسجد الأقصى هو سليمان بن داود عليهما السلام لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أن سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالا ثلاثة سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه فأوتيه وسأل الله عز وجل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه))1، وقيل نبي الله داود عليه السلام كما قال ذلك أهل العلم2، وعلى هذا يمكن أن يقال إن نبي الله داود عليه السلام هو الذي بناه ولم يكمل البناء، وأن الذي أكمله هو سليمان عليه السلام والله سبحانه أعلم بالصواب، والذي بناء المسجد النبوي هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
2. ومن خصائصها أنه يجوز شد الرحال إلى هذه المساجد المباركة بخلاف غيرها من البقاع كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى)) رواه البخاري برقم(1132)؛ ومسلم برقم(1397).
3. مضاعفة الصلاة فيها فصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه، والصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة فيما سواه عدا المسجد الحرام ولم يصح في مضاعفة الصلاة في المسجد الأقصى حديث فيما أعلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)) رواه البخاري برقم(1133)؛ ومسلم برقم(1394).، عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه))3.
ومن خصائص المسجد الحرام ما يلي:
1. أنها أحب الأرض إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت من حديث عبد الله بن عدي بن حمراء الزهري رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه سلم واقفا على الحزورة فقال: ((والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلي الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت))4، وما ذلك إلا بسبب وجود بيت الله الحرام فيها والله تبارك وتعالى أعلم.
2. أن المسجد الحرام هو الذي تؤدى فيه فريضة الحج قال الله تبارك وتعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}(سورة آل عمران:97).
3. ومن خصائصها أنها لا يدخله الدجال ولا الطاعون، وأنها محروسة من الملائكة، ولا يحل قطع شجر الحرم لحديث جابر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مثل المدينة كالكير وحرم إبراهيم مكة وأنا أحرم المدينة، وهي كمكة حرام ما بين حرتيها وحماها كلها لا يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل منها ولا يقربها إن شاء الله الطاعون ولا الدجال والملائكة يحرسونها على أنقابها وأبوابها))، قال وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ولا يحل لأحد يحمل فيها سلاحا لقتال))5.
4. أن الله تبارك وتعالى توعد كل من أراد فيه بإلحاد بظلم بالعذاب الأليم كما قال في كتابه الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}(سورة الحج:25).، وجميع المعاصي والذنوب من الظلم لنفس.
ومن خصائص المسجد النبي عليه الصلاة والسلام ما يلي:
1. أن المدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام محروسة على أنقابها ملائكة فلا يدخلها الدجال ولا يدخل فيها الطاعون لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال)) رواه البخاري برقم(1781) وبرقم(6714)؛ ومسلم برقم(1379).
2. أن المسجد النبوي هو المسجد الذي أسس على التقوى كما قال الله تبارك وتعالى عنه لنبي صلى الله عليه وسلم: {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}(سورة التوبة:108).، وقد فسر معناها النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم فقال رجل: هو مسجد قباء، وقال الآخر هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هو مسجدي هذا))6.
فهذا ما تيسر لي جمعه على عجل ونسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر لنا ويرحمنا وأن يشرفنا بزيارة تلك البقاع الطاهرة إنه على كل شيء قدير والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
1 رواه النسائي برقم(693)؛ وابن ماجة برقم(1408)؛ وأحمد في المسند برقم(6644) وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبدالله بن الديلمي, تحقق: شعيب الأرناؤوط وآخرون, مؤسسة الرسالة, ط2, سنة النشر: 1420هـ – 1999م؛ وابن خزيمة في صحيحه برقم(1334), للإمام الحافظ محمد بن إسحاق بن خزيمة أبو بكر السلمي النيسابوري, تحقيق : د. محمد مصطفى الأعظمي, المكتب الإسلامي – بيروت، سنة النشر:1390هـ – 1970م؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم(1156)؛ وفي صحيح الجامع برقم(2090).
2 رواه السيوطي عن ابن زيد كما في الدر المنثور(6/203), للحافظ عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي, دار الفكر – بيروت، سنة النشر: 1993م؛ و الإمام الحافظ أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي عن ابن بريدة كما في تفسيره(10/152), الشاملة الإصدار الثالث؛ والقرطبي في تفسيره(8/260), للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، دار الشعب – القاهرة؛ وابن خلدون في المقدمة(350), الشاملة الإصدار الثالث.
3 رواه ابن ماجه برقم(1406)؛ وأحمد في المسند برقم(15306) وقال شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط البخاري؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم(1155).
4 رواه الترمذي برقم(3925) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح؛ وأحمد في المسند برقم(18737) وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن صحابيه روى له أصحاب السنن سوى أبي داود؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم(3082)؛ وفي صحيح ابن ماجة برقم(2523).
5 رواه أحمد في المسند برقم(15270) وقال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح لغيره إلى قوله عليه الصلاة والسلام:" على أنقابها وأبوابها " وباقي الحديث حسن لغيره وإسناد الحديث ضعيف لسوء حفظ ابن لهيعة.
6 رواه الترمذي برقم(3099)قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب؛ والنسائي برقم(697)؛ وأحمد في المسند برقم(11061) وقال الأرناؤوط: صحيح؛ وصححه الألباني في في صحيح الترغيب والترهيب برقم(1176)..