جلساؤك وأصدقاؤك … كيف تختارهم

 

 

جلساؤك وأصدقاؤك … كيف تختارهم؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعـد:

فإن الله خلق النفس البشرية مفطورة ومجبولة على حب الاجتماع والاختلاط والسكون إلى الأصحاب والأصدقاء، وهذه الصحبة وهذا الاختلاط لا شك أنه مؤثر في النفس مغير فيها، ومنالمسلم به أن الناس يختلفون في اختيار الصديق والجليس باختلاف أفكارهم، وآرائهم،وطبائعهم، وعاداتهم، وميولهم. وإذا كان اختيار الصديق والجليس عند كثير من الأمم،ليس له ضوابط أو حدود، فإنه يختلف عند المسلمين، إذ أنهم مأمورون بمجالسة الصالحين وأخوتهم وصداقتهم، والإسلام لم يغفل هذا الجانب المهم والمؤثر في حياة المسلم، بل حدد ضوابطه العامة وجعل أساس تلك العلاقة مبنية على الحب في الله والبغض في الله، بل أصبح من أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله.

إصحب خيار الناس أين لقيتهم خير الصحابة من يكون ظريفا
والناس مثل دراهم ميزتها فوجدت فيها فضة وزيوفا

 

أخي العزيز: إن أثر الصديق في صديقه عميق، ومن ثم كان لزاماً على المرء أن ينتقي إخوانه، وأن يبلوا حقائقهم حتى يطمئن إليهم. قال رسول الله  (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم إلى من يخالل)(1).

ولهذا أشار النبي إلى أثر الجليس فقد روى أبو موسى الأشعري أن النبي قال: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك(2)وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة)(3). فهذا المثال جدير باستحضار المسلم له دائماً ليبني على أساسه علاقته بالآخرين، فليس الأمر قضية صحبة ومجالسة عابرة بل يترتب عليها أمور كثيرة جديرة باهتمام المسلم الحق.

إن النبي يجمل العلاقة بالجليس الصالح في كون الخير فيها بكل أنواعه قل أو كثر، وعكسه الجليس السيئ فهو حامل للشر قل أو كثر، ولا بد للإنسان أن يصله شيء من ذلك الخير أو الشر بحسب جليسه. قال أبو حاتم : “العاقل يلزم صحبة الأخيار ويفارق صحبة الأشرار؛ لان مودَّةَ الأخيار سريعٌ اتصالها، بطئ انقطاعها، ومودَّةُ الأشرار سريع انقطاعها، بطئ اتصالها، وصحبة الأشرار، تورث سوء الظن بالأخيار، ومن خادَن(4)الأشرار،لم يسلم من الدخول في جملتهم”. فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الرِّيَب، لئلا يكون مَريباً، فكما أن صحبة الأخيار تورث الخير، كذلك صحبة الأشرار تورث الشر(5).

عليك بإخوان الثقات فإنهم قليلٌ فَصِلْهُمْ دون من كنت تصحبُ
ونفسك أكرمها، وصنها، فإنها متى ما تجالس سفلة الناس تغضبُ

عباد الله: يؤكد النبي ن قضية الصحبة ليست قضية عابرة وليست قضية دنيوية بحتة، بل إنها قضية دين يجب التنبه لها، فعن أبي هريرة عن النبي أنه قال: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)(6). قال العلماء: يعني لا تخالل إلا من رضيت دينه وأمانته فإنك إذا خاللته قادك إلى دينه ومذهبه، ولا تغرر بدينك ولا تخاطر بنفسك فتخالل من ليس مرضياً في دينه ومذهبه. ولذا يأمر  بمجالسة الصالحين ومصاحبتهم والاقتصار عليهم دون غيرهم، فعن أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال: (لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي)(7). وإنما أكد النبي   على المؤاكلة وخصها بالذكر؛ لأنها تدعو إلى الألفة والمحبة وتجمع بين القلوب، فليختر المسلم أن يكون خلطاؤه من أهل التقوى وأصحابه من المؤمنين.

أخي الكريم: إذا أردت أن تعرف مزيداً من صفات الأصحاب والأصدقاء لكي تحسن الاختيار فإن العلماء قد بينوا هذه الصفات: فهذا عمر بن الخطاب يبين صفات الجليس والصديق الذي ينبغي على المسلم أن يتخيرهم – يقول: “عليك بإخوان الصدق تعش في أكنانهم،فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يبغضك منه، واعتزل عدوك واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى الله، ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره ولا تطلعه على سرك، واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى”(8).

ووعظ بعض الصالحين ابنه فقال له: “إياك وإخوان السوء، فإنهم يخونون من رافقهم،ويفسدون من صادقهم، وقربهم أعدى من الجرب، ورفضهم والبعد عنهم من استكمال الأدب والدين، والمرء يعرف بقرينه، والإخوان اثنان فمحافظ عليك عند البلاء، وصديق لك في الرخاء، فاحفظ صديق البلية، وتجنب صديق العافية فإنه أعدى الأعداء.

وقال أحد السلف: “الأخ الصالح خير لك من نفسك، لأن النفس أمارة بالسوء والأخ الصالح لا يأمر إلا بخير.

وقديما قال الشاعر:

عن المرء لا تسل وسل عن قرينه  فكل قرين بالمقارن يقتدي.

وقال الآخر:

إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي.

عبد الله: هناك بعض صفات الصالحين جديرة بالذكر لأنها هي المقصود من الكلام لكي يكون المرء على بصيرة عند الاختيار، فهي كالتالي:

1- الإيمان بالله، فهذا هو ما أرشد إليه النبي حين قال: (لا تصاحب إلا مؤمنا).

2- التقوى والصلاح والاستقامة، فإن الله- جل وعلا- يقول (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (الزخرف:67) .

3- أن يكون الصديق عاقلاً لبيباً فلا يصاحب الإنسان أحمق مغفلاً، وهذا أمر مهم فإن الإنسان قد يصاحب الأحمق فيحصل له من المضرة أكثر من المنفعة، فيؤذي نفسه إذ أنه لا يميز بين النافع والضار.

4- حسن الخلق فهو من الأمور التي لا بد منها إذ رب عاقل يغلبه غضب أو شهوة فيطيع هواه فلا خير في صحبته، وأنت ترى من حولك كم من صحبة وصداقة ومودة أفسدها سوء الخلق.

5- أن يكون عادلاً مبتعداً عن سفاسف الأمور لا يمارس ما يكون سبباً للحكم عليه بالفسق، وإلا كان البعد عنه غنيمة فالإنسان يتأثر بمن حوله فما بالك بمن يؤاكلهم ويشاربهم ويخالطهم.

أخي العزيز: إن مما يساعد على اختيار الجليس الصالح والحرص عليه، أن يعلم الإنسان الفوائد المترتبة على صحبة الأخيار في الدنيا والآخرة فمن ذلك:

1- الفوز برضا الله والجنة فمن صاحب الأخيار فاز معهم يوم القيامة يقول الله- جل وعلا-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (الزخرف:67) . والنبي يقول للصحابي الذي سأله عن القوم يحبهم ولما يلحق بهم – يعني في العمل الصالح – فقال: (المرء مع من أحب). أي يحشر يوم القيامة مع من أحب.

2- الإعانة على تقوى الله وطاعته، إذ أن تقواه لله- جل وعلا- تكون داعية له إلى مناصحتك وحثك على الطاعة والعبادة ولذا كان بعض الصالحين بمجرد رؤيته ينتفع المرء به قال أبو إسحاق السبيعي: كان معاذ بن جبل   إذا رؤي ذكر الله”.

وقال يونس بن عبيد: “كان الرجل إذا نظر إلى الحسن انتفع به وإن لم ير عمله ولم يسمع كلامه”.

3- المعونة في أمور الدنيا فتجده حاضراً في النوائب والملمات لا يبخل بماله، ولا بجاهه، ولا بنصيحته، أو حتى الكلمة الطيبة بل تجده يضحي بوقته وجهده في سبيل الحصول على- رضا الله بمساعدتك وهذا لا تجده في غير الجلساء الصالحين.

4- عن وهب بن منبه أنه قال:” إن الله ليحفظ بالعبد الصلاح القبيل من الناس”

تخير قريناً لا يعيبُ فإنه    يقاسُ لعمري بالقرين قرينه
وشر خدين قاطع لخدينه إذا حاد يوماً عن هواه خدينه(9).

أخي الكريم: بعد هذه الجولة القصيرة في الحث على اختيار الجلساء والأصدقاء الصالحين، وذكر بعض صفاتهم و الفوائد المترتبة على اختار صحبتهم لا أضنك ستعدل إلى غيرهم لتختارهم أصدقاء وجلساء لك.

اللهم وفقنا لاختيار أصدقائنا وجلسائنا، اللهم سدد على الخير خطانا، والله الهادي إلى سواء السبيل.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين،،،


1 رواه أبو داود، والترمذي، وقال حديث حسن غريب، وقال النووي: إسناده صحيح.

2 أي يعطيك.

3 -متفق عليه.

4 – أي صاحب.

5 – روضة العقلاء ص(162).

6 رواه أبو داود، والترمذي، وقال حديث حسن غريب، وقال النووي: إسناده صحيح.

7 – رواه أبو داود والترمذي.وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم(7341)

8 – كتاب الأخوان ص (84)، والدر المنثور (7/556).

9 – روضة العقلاء ص(165-166).