الإقناع مطلب ومغنم
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه الشرفاء
أما بعد:
لا ريب في اعتبار الإقناع ركيزة مهمة من ركائز العمل الإعلامي، يهدف إلى التأثير في تكوين الرأي العام، وتغيير المعتقد والموقف والسلوك، إذ أن الإكراه والمضايقة توجب المقاومة وتورث النزاع، بينما الإقناع والمحاورة يبقيان على الود والألفة ويقودان للتغيير بسهولة ويسر ورضا، إن الإقناع كما هو الحوار لغة الأقوياء وطريقة الأسوياء، وما إلتزمه إنسان أو منهج إلا كان الاحترام والتقدير نصيبه من قبل الأطراف الأخرى، بغض النظر عن قبوله، إن طبيعة الإقناع تخاطب العقول والقلوب وتستميل المشاعر والوجدان، وهذا فن لا يجيده إلا من يمتلك أدواته، وإذا اجتمعت مع مناسبة الحدث الظرف الزماني والمكاني أثرت تأثيراً بالغاً، ووصلت الفكرة بسرعة البرق.
والقرآن والسنة نبراسا المسلمين ودستورهما، وفيهما كل خير ونفع، قد جاءا بما يعزز الإقناع ويؤكد على أثره، فآيات المحاجة والتفكر في القران كثيرة: كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، وكالملك الذي حاج إبراهيم – عليه السلام – في ربه، وكمناقشة مؤمن آل فرعون قومه، وأما الأحاديث فمن أشهرها: حديث الشاب المستأذن في الزنا، وحديث الرجل الذي رزق بولد أسود، وحديث الأنصار بعد إعطاء المؤلفة قلوبهم وتركهم، كل هذه النصوص مليئة بالدروس والعبر التي تصف الإقناع وفنونه وطرائقه لنأخذ بمعالمها، كمنهج نبوي نستضيء به في الدعوة إلى الله، وتعبيد الناس لربهم .
يقول (فرانسيسكو بايللي) الإيطالي الذي أعتنق الإسلام: "إن الفطرة الإسلامية مبثوثة بطبيعة الحال في نفوس الكثيرين من الأوربيين، على غير علم منهم بأن ما يشعرون به هو عين المبادئ التي قررها الإسلام، فلو جاءهم الدعاة ووضعوا بين أيديهم الحقائق الإسلامية باللغات الأوربية والأساليب التي يأنس الأوربيون بها؛ لتحول هؤلاء جميعاً لهذه الدعوة يجاهدون في سبيلها، ويفتحون الفتوح لهدايتها ".
ووصولاً إلى تحقيق الهدف من الدعوة إلى الله، فإن مما تحسن العناية الشديدة به نشر ثقافة الإقناع، وفنون الحوار، وفن الاستماع، وتقمص شخصية الآخر، في محاولة لفهم دوافع مواقف المدعو، كل ذلك للحرص على كسبه لهذه الصحوة المباركة، وتطويع الناس لهذا الدين بالحجة المقنعة دون أثارة أو استجلاب عداوة.
* فما هو الإقناع؟:
إن الإقناع عمليات فكرية وشكلية، يحاول فيها أحد الطرفين التأثير على الآخر، وإخضاعه لفكرة أو رأي .
v عناصر الإقناع :
1. المصدر : ويجب أن تتوافر فيه صفات منها :
* الثقـة : ويحصل عليها من تاريخ المصدر إضافة إلى مدى اهتمامه بمصالح الآخرين .
* المصداقية : في الوعود والأخبار والتقييم .
* القدرة على استخدام عدة أساليب للإقناع: كلمة ، مقالة ، منطق ، عاطفة ، إحصائية
* المستوى العلمي والثقافي والمعرفي .
* الالتزام بالمبادئ والقناعات التي يريد إقناع الآخرين بها .
2. الرسالة : لابد أن تكون :
* واضحة لا غموض فيها بحيث يستطيع جمهور المخاطبين فهمها فهماً متماثلاً .
* بروز الهدف منها دون حاجة لعناء البحث عنه .
* مرتبة ترتيباً منطقياً مع التأكيد على الأدلة والبراهين .
* مناسبة العبارات والجمل حتى لا تسبب إشكالاً أو حرجاً ولكل مقام مقال .
* بعيدة عن الجدل واستعداء الآخرين؛ لأن المحاصر سيقاوم ولا ريب .
3. المستقبِل: ينبغي مراعاة ما يلي :
* الفروق العمرية والبيئية . * الاختلافات الثقافية والمذهبية .
* المكانة العلمية والمالية والاجتماعية . * مستوى الثقة بالنفس .
* الانفتاح الذهني .
v يعتمد نجاح الإقناع على
1. القدرة على نقل المبادئ والعلوم والأفكار بإتقان .
2. معرفة أحوال المخاطبين وقيمهم وترتيبها .
3. الجاذبية الشخصية بأركانها الثلاثة : حسن الخلق، أناقة المظهر، الثقافة الواسعة .
4. التفاعل الإيجابي الصادق مع الطرف الآخر .
5. التمكن من مهارات الإقناع وآلياته من خلال امتلاك مهارات الاتصال وإجادة فنون الحوار مع الالتزام بآدابه .
6. التوكل على الله، ودعائه مع حسن الظن به سبحانه .
v ما يجب عليك فعله :
* قبل الإقناع
1. الإعداد الكامل فالأنصاف إتلاف للجهد ومضيعة للأوقات .
2. البدء بالأهم أولاً خشية طغيان مالا يهم على المهم .
3. اختيار التوقيت المناسب لك وللطرف الآخر .
* في أثناء الإقناع
1. توضيح الفكرة بالقدر الذي يزيل اللبس عنها .
2. المنطقية والتدرج .
3. العناية بحاجات الطرف الآخر .
4. تفعيل أثر المشاعر .
* بعد الإقناع
1. دحض الشبهات والرد على الاعتراضات .
2. التأكد من درجة الاقتناع من خلال إخبار الطرف الآخر أو مشاركته في الجواب عن الاعتراضات أو حماسته للعمل المبني على اقتناعه .
3. التفعيل السلوكي المباشر .
* قواعد الإقناع:
1. أن يكون القيام خالصاً لله سبحانه وتعالى لا يشوبه حظ نفس .
2. الالتجاء لله بطلب العون والتوفيق ووضوح الحق .
3. اختيار الأحوال المناسبة للإقناع : زمانية ومكانية ونفسية وجسدية ؛ مع تحين الفرصة المناسبة لتحقيق ذلك .
4. تعلم أن تقارن بين حالين ومسلكين لتعزيز فكرتك .
5. حدد مسبقاً متى وكيف تنهي حديثك .
6. لخص الأفكار الأساسية حتى لا تضيع في متاهة الحديث المتشعب .
13. اضبط نفسك حتى لا تستثر، وراقب لغة جسدك حتى لا تخونك .
14. أشعر الطرف المقابل باهتمامك من خلال :
* ربط بداية حديثك بنهاية حديثه ما أمكن . * تعزيز جوانب الاتفاق .
* أشعره بمحبتك وعذرك إياه .
* عوائق الإقناع
1. الاستبداد والتسلط: لأن موافقة الطرف الآخر شكلية تزول بزوال الاستبداد.
2. طبيعة الشخص المقابل : فيصعب إقناع المعتد برأيه وتتعاظم الصعوبة إذا كان المعتد بنفسه جاهلاً جهلاً مركباً . 3. كثرة الأفكار مما يربك الذهن.
4. تذبذب مستوى القناعة أو ضعف أداء الرسالة من قبل المصدر .
5. الاعتقاد الخاطئ بصعوبة التغيير أو استحالته، وهذه نتيجة مبكرة تقضي على كل جهد قبل تمامه.
6. اختفاء ثقافة الإشادة بحق من قبل المصدر تجاه المستقبل .
* وقفات مهمة
1. "ماكان الرفق في شيء إلا زانه" .
2. الصدق في الحديث خلة حميدة، يكافأ عليها الصادق، حتى لو كان في حديثه ما لا ينبغي، فلا تعارض بين تصحيح الخطأ ومكافأة الصادق .
3. سوف تمتلك مهارة الإقناع بدراية وتمكن من خلال متانة المعرفة وسلامة الممارسة؛ وإذا وجدت الموهبة فخير على خير وإلا فالمقدرة وحدها تفي بالغرض.1
نسأل من الله أن يستخدمنا في طاعته، ويجعلنا أهلاً لدعوته، ويفتح على أيدينا القلوب والنفوس. أنه على ما يشاء، قدير وبالإجابة جدير ويا له من شرف عظيم ونزل مهيب.
1 – تم الاستفادة من مقال جميل للدكتور أحمد عبد المحسن العساف مجلة صدى الريادة