النصر لهذا الدين

النصر لهذا الدين

الحمد لله القاهر فوق عباده، العظيـم العليم بمخلوقاته وإيجاده، نحمده على كل خير نعجز عن إحصائه وتعداده، ونصلي ونسلم على خير عباده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع  نهجه على طول الدهر وامتداده، وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعـد:

أيها الإخوة: إن الإسلام دين الله الحق الذي أرسل به رسله، وأنزل عليهم به كتبه، وهو دين الأنبياء جميعاً، دين التوحيد الداعي إلى لا إله إلا الله ولهذا قال -تعالى-:)وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (  وآيـات كثيرة.

وقال -تعالى-: )وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(، (85) سورة آل عمران.وقال-تعالى-:)إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ..( (19) سورة آل عمران.

وقال -تعالى-: )اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً(

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الأنبياء إخـوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهـم واحـد) 1

وقد أذن الله أن يكون محمداً خاتم النبيين والمرسلين، وأن يكون منهجـه وشرعه مهيمناً على كل الشرائع السابقة؛ لأننا نعتقد أن دين الأنبياء واحد وهو الإسلام، لكن شرائعهم مختلفة، وهي الشرائع للحيـاة اليوميـة فهي تختلف باختلاف الأمم قبلنا، فأتى دين الإسلام ليقول للعالم: هذا طريق الله فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله.

وقد اكتسح الإسلام بعد ظهوره كثيراً من أقطار العالم، وكان الذين بلغوه قوم اصطفاهم الله لنشره وتبليغه بالبنان واللسـان والسنان.

واستمر الأمر على ذلك أزمنة مديدة وأعواماً عديدة ، وكان الأمر بين مد وجزر يضعف حاملوه وقتاً ويفيقون وقتاً آخـر وهكذا..

إلى أن جاء عصرنا هذا حيث وصل الضعف لدى حامليه إلى دركات سفل لم يسبق لها مثيل.. ومع كل هذا الانحطاط والضعف خاصة في أوائل القرن العشرين إلى السبعينات والثمانينات أو ما قبلها، إلا أننا نرى اليوم معالم الدين تظهر وشرائعه تنتشر بشباب من أبناء الصحـوة الإسلاميـة، في كل قطر ومصر وأرض في بلاد الإسلام وخارجها.. ونحن نستبشر بهذه الصحوة المباركة ونعدها من البشارات التي بشر بها المصطفى بأن هذا الدين سيصل إلى كل مكان، وأن المستقبل له والعاقبة للمتقين، مهما انتفش الباطل وانتفخ.. أما الحق وإن ظهر ضعيفاً برجاله فإنه راسخ وقوي لا تضره الأهوال والشدائد.. وما قد يراه الإنسان من التسلط الكفري العالمي اليوم، ما هو إلا من ركام الباطل الذي بدأ يتأخر ويولي إلى الأبد! بالأمس كانت بريطانيا تحكم العالم فأين هي اليوم؟! دولة صغيرة في آخر قارة أوروبا!.

 وبالأمس القريب كانت روسيا تسيطر على كثير من شعوب العالم، ويخافها القريب والبعيد، فأين هي اليوم .. إنها تعاني من شباب مجاهدين في دولة صغيرة بجانبها!!.

وها هي أمريكا اليوم تلفظ أنفاسها الأخيرة في جميـع النواحي الاقتصادية والعسكريـة.. مهما انتفخت وكبر صيتها..

وسنرى أن النصر لهذا الدين وأن المستقبل للإسلام من خلال البشارات القرآنية والنبوية.

يقول الله –تعالى-: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (32-33) سورة التوبة.

وقد بشر الرسول بانتصار الدين فقال: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها) رواه مسلم وأبو داود.

وروى الإمام أحمد عن تميم الداري قال: سمعت رسول الله يقول: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر) فكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعـز، ولقد أصاب من كان منهم كافراً  الذل والصغار والجزية )2.. وحديث خباب بن الأرت قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله؟! فقعد وهو محمرٌّ وجهه فقال: (لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون ) رواه البخاري وأحمد وأبو داود والنسائي، وله ألفاظ متقاربة.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) رواه مسلم وأحمد.

وحديث (فتح القسطنطينية مرة ثانية) كما ثبت في مسلم وغيره.

 والأحاديث في بشائر نصرة الدين كثيرة وأن الإسلام سيعم الأرض..

وقد ظهر كثير من تلك البشائر قديماً وحديثاً، فقد وصل المسلمون إلى مشارق الأرض ومغاربها وحكموا تلك البلدان، ونشروا عدل الإسلام إلى أن انتكسوا من جديد! واعتزوا بالقوميات والأوطان والأجناس فأذلهم الله.. فاستمر المسلمون على ذلك الذل فترة من الدهر إلى عصرنا ويومناً هذا.. ولكن بشائر النصر قد لاحت وظهرت وبدأ شباب الإسلام يعيدون لأمتهـم المجـد، ويرفعون لواء التوحيد في كثير من بقاع الأرض.. ومن أكبر البشائر:

  •      سقوط الدول الكافرة والإمبراطوريات الخائرة وانقراضها وإذلالها، ومنها إمبراطورية بريطانيا وروسيا وقريباً بإذن الله –تعالى- أمريكا التي اقترب أجل رحيلها، بعد ما أفسدت في الأرض، وأهلكت الحرث والنسل.

  • ذبول الأنظمـة القوميـة العربية الناصرية والبعثية وسقوط ما يسمى جامعة الدول العربية فأصبحت دويلات يطعن بعضها ببعض؛ لأنها أسست على غير دين، وعلى غير مبدأ، وإنما كان مبدؤهم: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، وكان شعار البعثيين:

آمنت بالبعث رباً لا شريك له *** وبالعروبة ديناً مـاله ثاني!!

فأذلهـم الله ومزقهـم شر ممزق.. وأهلك الله حزب البعث وزعمائه كما حصل في العراق وغيرها؛ لأن بنيانهم مؤسس على شفا جرف هار.

  • ظهور الصحوة الإسلاميـة في أنحاء العالم حتى في أمريكا ودول أوروبا وانتشار الإسلام بروحه العالية، والمستقبل يبشر بخير -بمشيئة الله- ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون… (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).


1 – رواه البخاري ومسلم.

2– رواه أحمد وابن حبان وغيرهما وصححه الألباني.