التقييـم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على خاتم الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
فإن التقييم أمر حيوي، يبقي النظام في تقدم، ويمنعه من التحليق الأعمى، وهو عبارة عن إيجاد أجوبة أمينة وموضوعية لأسئلة مهمة وحيوية.
ويستخدم التقييم للوصول إلى أحكام صحيحة على المواقف بما فيها الأفكار، والبرامج، والمشاريع، والأهداف، وهذه الأحكام يجب أن تكون مبنية على دليل موضوعي، ونظامي.
والتقييم الصحيح يواجه الناس بواقعهم؛ لأن الناس العاديين يفكرون، ويتطلعون لأي حدث يطور ثقافتهم، وتربيتهم، وميزان التقييم يضع في حسابه أولئك الذين ينشطون للمرحلة المقبلة بوسائل متواضعة لكي تنصرف وتترفع عن موازين أقيمت في أماكن شتى تتطلب خبرات أعلى، فالتقييم المفيد يأخذ بالاعتبار جميع الاحتمالات.
والتقييم عبارة عن عملية مستمرة، وليس من المصلحة أن يتأخر التقييم حتى تصير مشكلة؛ كي لا يتعاظم الروتين، ويسود الفشل، وقد تستخدم طرق تقييم مختلفة في مراحل متباينة، ولكن يبقى التقييم مستمراً، والتقييم المؤثر يتبنى الصراحة، والطروحات السليمة.
إذاً التقييم نقد وتشخيص مستمر في ضوء ما يستجد من خبرات ومعلومات، والهدف الأول منه هو: توضيح البرامج، والنشاطات، والأهداف؛ من حيث ارتباطها بواقع الفرد، والجماعة.
من هم الذين يقومون بمهمة التقويم:
بما أن الالتحاق بالجمعيات والمؤسسات التربوية ينطلق من دافع اختياري؛ لذا يترتب أن يكون النشاط جماعياً، وعلى الأعضاء أن يقيِّموا أعمالهم بأنفسهم، ولا يجدر أن يكون التقييم وتقدير النجاح وعدمه من خارج المجموعة، ويتعين على المجموعة أن تستفيد من أهل الخبرة الذين يتعاطفون مع البرامج، فهم مصدر مهم لتقديم أساليب تبويب الاستفسارات ذات الأهمية، ومساعدة المجموعة على تطبيقها، والكلمة الأولى والأخيرة للمجموعة.
ما الشيء الذي يجري تقويمه:
غالباً ما يكون التقييم في جماعة للأنشطة المسجدية، والأغراض الاجتماعية متعلقاً بالجماعة نفسها، وتأثير أعمال المجموعة على أعضائها، وعلى جمهور الناس، لذا يجدر بالجماعة أن تسلك أحسن طريق في أداء مهامها بما يناسب الأعضاء المنتظمين، والتوصل إلى تقييم أدائهم ونشاطهم، والتأكد من نشاط الجماعة، والفوائد الناجمة عن ذلك من خلال شعبها، وقائد دفتها المتمرس، وحسن أداء لجانها.
التقييم والأهداف:
على الأعضاء أن تكون لهم مجالات بعيدة المدى، وواضحة قبل أن يجدوا فعالية اللقاء، والبرامج، والنشاطات، وحينما تكون الأهداف كبيرة جداً فسيكون التقييم مختلفاً، وعلى سبيل المثال:
فإن المجموعة حينما تقيم عدة لقاءات متتالية تعتني فيها بالطلبة؛ ستجد صعوبة في ضبط التقييم، في وقت نرى فيه أن عدة لقاءات متتالية للترحيب بالطلبة الجدد تكون أكثر قابلية للتقييم، ومن ثم المراجعة، وتنشأ عند رسم الأهداف أسئلة عدة يجب أن يضعها المرء نصب عينيه:
· هل الأهداف متوافقة مع سياسة المجموعة.
· هل هي مرضية للأعضاء المعنيين.
· هل هي مبسوطة بوضوح للأعضاء.
· هل انسجمت الفكرة بهدفها البعيد المدى مع تفكير معظم الأعضاء؟ وهل ترفع المجموعة أو تؤخرها.
· هل الأهداف يمكن تحقيقها، وهل هي معتدلة، وقابلة للقياس.
· يتعين أن تكون قوانين التقييم غير قاسية، وغير ارتجالية.
طرق التقييم:
لا يوجد قواعد صلبة أو سريعة في التقييم، فمقاييس التقدم تكون من البساطة إذا كان المفترض منا في إجرائها هو مقارنة الأرقام إحصائياً، فمثلا:
1. عدد الذين شاركوا في الاجتماع.
2. مجموع المبالغ في حملة التبرعات.
3. عدد الأصوات في صالح (أو ضد) تغيير ما.
ولكن التقييم سيكون صعباً فيما يخص الأمور التي يصعب قياسها وعلى سبيل المثال:
إذا أردنا قياس مدى رضا الأعضاء كلهم عن برنامج معين، سياسة مطبقة، أو منهج إداري متبع.
إن من أهم المصادر في تقييم نشاطات الجماعة هو رأي الأعضاء فيها، وخصوصاً إذا أتيح لهم التعبير عنه بحرية.
والإجابات ينبغي أن تشكل قواعد مفيدة للتخطيط من أجل نشاطات مستقبلية، وغالباً فإن القياسية المطلوبة تتيح لكثير من الأعضاء إبداء آرائهم، وتحديدها بين النفي والإيجاب حول النشاط، والخطة، والفكرة، وهذا المقياس يتدرج كالتالي: (ممتاز– جيد – مقبول – ضعيف) والمقياس الذي يحدد نشاط المجموعة يمكن تقسيمه إلى خمسة أقسام، أو ثلاثة، أو عشرة بخصوص هذه القضية.
المقياس المقسم إلى خمسة أجزاء يتطابق مع نوعية السؤال عن مدى القناعة والرضا عن المحاضرة.. مثلا:
مقتنع تماما – 1 – 2 – 3 – 4 – 5 غير مقتنع.
مثال على التقييم:
لنفترض أن هناك مجموعة أو جالية تخطط لرصد مبلغ من المال لشراء مراجع شرعية لمكتبة المسجد؛ فإن خطوات عملية التقييم لهذا المشروع ستكون على النحو التالي:
1- تحديد الهدف أو الغاية: إن على اللجنة المالية المكلفة بجمع هذا المبلغ لشراء هذه المراجع عمل دراسة وافية، ومن ثم تقرر أي المراجع ستقوم بشرائها، وإذا ما اقتنعت بعد الدراسة، وبناءاً على الحقائق المتوفرة لديها، وعدد العاملين الموجودين في الجمعية، بالإضافة إلى عوامل أخرى، واستطاعت رصد مبلغ (1000) ألف دولار وهو المبلغ الذي تحتاجه لشراء مراجع ممتازة، والتي أوصى بها الخبراء؛ فإذا تم ذلك فإنهم يكونوا قد حققوا هدفهم.
2- أين نحن الآن؟ حالما تحقق الجمعية الهدف فإن هناك معايير لقياس مدى تقدمهم ووصولهم إلى هدفهم، وسيكون أمراً مهماً لديهم معرفة النتائج المترتبة على الطرق المتبعة، لذا إن التسجيل الدقيق لخطوات التقدم نحو الغرض أو الهدف سيكون مجدياً ومفيداً في التخطيط المستقبلي.
3- ما هي النشاطات والأعمال التي ستقودنا إلى الهدف؟ على الجمعية أن تقرر الصيغة التي ستتبع من أجل زيادة الرصيد المالي، ولهذا فقد اختير معرضاً خاصاً بشهر رمضان المبارك كوسيلة لذلك الهدف لأنهم يعلمون بأن ذلك المعرض سيجذب كثيراً من الزائرين.
وبدأت الجمعية نشاطها بالبحث عن متطوعين ليزودوها بالمواد والسلع المختلفة التي يمكن بيعها في المعرض، وبعد مضي أسبوع كان أعضاء النشاط قد حققوا بعض النجاح ولكن النتيجة كانت غير مرضية.
ومن تحليل المعلومات ظهر لهم أن معرض رمضان لم يستقبل العدد المتوقع من الزوار لأن جمعيةً أخرى كانت قد خططت لأمور مماثلة في نفس الأسبوع، ونتيجة لذلك فإن الجمعية المعينة تحاشت تكرار نفس الخطأ بمناسبة عيد الفطر، ووضعت التسهيلات حسب الإمكانات المتوفرة، وجهزت خطة وبرنامجاً لذلك الأمر، كما نظمت عملية الإعلانات لهذه الحفلة، ووزعت التذاكر من أجل بيعها.
4- كيف نعمل: لدينا هنا سجل الفعاليات مسجلة مع مختلف الطرق التي كانت قد اتبعت من قبل، ومن المؤكد أنها ستكون مفيدة لنا، وبعد عشرة أيام ثبت أن عملية بيع التذاكر قد فشلت بسبب قلة المبيعات، ولم تحقق الجمعية هدفها وتوقعاتها، وعلى أعضائها إعادة النظر ودراسة الأسباب المحتملة لهذا الفشل.
5- ماذا تعني الأدلة التي حصلنا عليها: من خلال دراسة بيع التذاكر، وبالمقارنة مع مبيعات التذاكر في السابق، بالإضافة إلى أدلة أخرى؛ نرى أن بعض الناس وكثيراً من الأشخاص تحت العشرين يدعون بأن هذا المشروع غير ممتع بالنسبة لهم، ولا يعنيهم في شيء.
6- هل نقوم بواجبنا على أكمل وجه: لقد زيد عدد المساهمين في عملية ترويج التذاكر، والدعاية والإعلان عن هذه الحفلة، كما أنجزت بعض الاتصالات الهاتفية السريعة والمركزة، ووزعت الملصقات على الجدران، بالإضافة إلى ذلك رأت الجمعية بأن برنامج الحفلة يجب أن يبدل ويغير ليحتوي – من جديد – عوامل جذابة لمن هم دون العشرين، أو الذين لم يشتروا التذاكر حتى ذلك الوقت.
7- هل نتمكن من الوصول إلى هدفنا؟ إذا اتضح لنا بأن كل الوسائل والجهود لم تجد نفعاً، ولم يصل المبلغ المحصل لغاية (1000) ألف دولار؛ فإن الهدف من هذا المشروع ناقص، ولم نصل إليه، وربما نكون قد حققنا نصفه (50%).
وعلى الجمعية حينئذ التخطيط لمشروع جديد لينفذ فيما بعد، ويكون الغرض من المشروع الجديد هو الحصول على (500) الخمسمائة دولار المتبقية، والتي عجز المشروع الأول عن تحصيلها لشراء المراجع، ويجب على الجمعية أن تعدل الغرض بطرق أخرى، ووسائل جديدة، وعلى سبيل المثال شراء جزء من مجموعة الكتب، والبحث عن مراجع أقل ثمناً منها.
الملاحظة الخارجية:
إن على مسؤولي الأنشطة أن يطلبوا من أحد الخبراء الملاحظين من الخارج يقدم لهم تقريراً بعد الاطلاع على أعمالهم لبعض الوقت، لأن الشخص الذي يكون خارج الجمعيات؛ بإمكانه رؤية ما يجري وبوضوح أكثر مما لو كان أحد المشاركين والمنتسبين إليها، ولهذا فإن رأيه سيكون أقرب إلى السداد، وأبعد عن التحيز.
الأسئلة التي سيوجهها لنا الملاحظ:
- هل تستطيع المجموعة فهم غايتها وعملها؟
- هل تصل المجموعة إلى غايتها وأهدافها في النهاية؟ إذا كان الجواب نفياً؛ فما السبب؟
- هل تبذل المجموعة أقصى جهدها لتستغل جميع الإمكانات المتاحة لخدمة الهدف، ربما تكون هذه الإمكانات تخص الجمعية نفسها أو لغيرها ولكن يمكنها من الاستفادة منها.
- هل تمكن قيادة التنظيمات والجمعيات أعضاءها من المساهمة، وتحمل المسؤولية؟
إن تقرير الخبير الملاحظ يجب أن يكون ممثلاً واقعياً وموضوعياً، وليس من الضروري ذكر أشخاص بالتحديد بأسمائهم أو شخصياتهم، وإن مسؤولية الملاحظ هي فقط وصف عمل المجموعة كما يراها هو بنفسه، والمجموعة ذاتها يمكنها استنباط النتائج حول مواطن الضعف، والقوة التي تظهر في خطوات العمل.1