وقف المسجد

وقف المسجد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

فإن الوقف عبادة لله ​​​​​​​ ، وقربة جليلة يتقرب به العبد إلى الله قال الله تعالى: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ1. وهو صدقة ثوابها مستمر للعبد الواقف بعد موته لقوله  : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية 2. ولذلك حرص أصحاب النبي من ذوي المقدرة على فعلها فعن جابر  قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله  ذو مقدرة إلا وقف3. ومن أهم الأوقاف وأعظمها آجراً – إن شاء الله – الوقف على المساجد سواء كان الواقف عقاراً، أو داراً، أو مزرعة، أو ما أشبه ذلك، ولكن يجب على الواقف للمسجد أو غيره أن يعين على الوقف ناظراً عدلاً، أميناً مكفياً؛ اقتداءً بسيدنا عمر  حيث عين ابنته حفصة – رضي الله عنها – لتتولى الإشراف والنظارة عليه4.

وعلى الناظر على الوقف أن يتقي الله، ويحسن النظارة، والولاية على الوقف؛ وأن لا يكون كبعض النظار الظلمة الذين يأكلون عوائد الأوقاف وفوائدها، بل ربما استولوا عليها، فإن كثيراً من أوقاف المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي ذهبت أدراج الرياح؛ بسبب إهمال النظار لها، أو استيلاء الظلمة عليها أو نحو ذلك، وإلا فإن الأوقاف قديماً كانت تدر عوائد ضخمة على المساجد، والمدارس الخيرية، وطلبة العلم الشرعي، وكان يعيش عليها عدد لا يستهان به من المساكين، وكانت الجيوش الإسلامية تجهز منه.

لذلك كان لا بد من التنبيه على بعض أحكام أوقاف المسجد فنقول: الأصل أنه لا يجوز التصرف في وقف المسجد مطلقاً إلا في حالات نادرة جداً؛ كما إذا تعطل الانتفاع بالمسجد نفسه، أو تخرب المسجد، أو تهدم، ولم يوجد من يبنيه، فيجوز في هذه الحالة بيع أرضه، وشراء أرض بقيمته ولو مساحة أصغر، أو في مكان أرخص، ثم يبنى من تلك القيمة، فإن لم تكف تلك القيمة لعمارة المسجد يضاف عليها بعض النقود ويبني. وكذلك لو تعطل مثلاً الانتفاع بالمصاحف التي وقفت على مسجد بعينه، وفي المسجد مصاحف كثيرة، ولم تعد هذه المصاحف تستعمل أبداً، بل أضحت للغبار، وما أشبه ذلك؛ فيجوز جمعها ونقلها إلى مسجد آخر لا يوجد فيه مصاحف، وذلك لينتفع بها رواد ذلك المسجد، ولكن إذا أمكن الانتفاع بها في المسجد الموقوف عليه فلا يجوز إخراجها منه بأي حال من الأحوال.

والله نسأل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجنبنا ما يكرهه ويأباه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه، وسلم.


1آل عمران (92).

2– أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وأبو داوود وأحمد.

3– نقله صاحب المبدع (5-312) ط/ المكتب الإٍسلامي.

4– انظر فتح الباري (5-474) ط: دار الريان للتراث.