وسائل لحفظ القرآن
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه،، أما بعد:
فلا شك أن حافظ القرآن عن ظهر قلب أعلى مرتبة وأشرف منزلة ممن لا يحفظه، لأن القرآن قد استقر في قلب حافظه، يقرؤه في كل مكان وزمان لا يشعر من حوله بقراءته، فيسلم بإذن الله من الوقوع في الرياء، وقد دلت الأحاديث على فضل حفظ القرآن الكريم، فعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران).1
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب).2
وانظر -حفظك الله- إلى هذا التمثيل البالغ في الدقة، فالبيت الخرب الذي لا يسكنه أحد يكون مأوى لكل شر، فهو محل آمن لارتكاب الجريمة أيًّا كان نوعها، وهو كذلك مأوى للكلاب والحيوانات الهاملة تأوي إليه وتقذره، ومأوى للجن والشياطين، فليحذر كل مؤمن عاقل أن يجعل قلبه كالبيت الخرب، وعليه أن يبذل جهده لحفظ كتاب الله أو شيء منه، فحفظ القرآن يرفع مكانة صاحبه في الدنيا والآخرة.
ولحفظ القرآن الكريم وسائل وأساليب متعددة، من سلكها سهل حفظه لكتاب الله تبارك وتعالى، ولا بد من أن يكون طالب العلم وكل من يريد حفظ القرآن على علم بها؛ حتى يحفظ القرآن الكريم حفظاً متقناً. من تلك الوسائل:
1- أن يكون مراد طالب العلم حفظ القرآن الكريم لوجه الله تعالى؛ لا لعرض دنيوي، وكلما قوي الإخلاص سهل الحفظ وثبت زمناً طويلاً.
2- أن يفهم معاني القرآن الكريم، ومراد الله تبارك وتعالى من كل آية، وهذا يجعل القرآن الكريم سهل التذكر والمراجعة فيما بعد.
3- أن يستعين على الحفظ بالعمل بما يتعلم من القرآن، فما أنزل القرآن ليرتل ويتلى فحسب، بل إنه مصدر هداية، وطريق مستقيم يسوق صاحبه إلى جنة الله رب العالمين.
4- أن يتم عرض المحفوظ من القرآن على يد شيخ متقن، يصحح الأخطاء، ويقوم الاعوجاج، ويدل الطالب على ما هو خير له في الحفظ والمراجعة.
5- أن يتخير طالب العلم الأوقات الفاضلة التي يكون فيها العقل نشيطاً خالياً من الأشغال والهموم، كقبل الفجر وبعده إلى شروق الشمس، ونحو ذلك، وأن يكون مكان الحفظ خالياً من التشويش والأصوات المشتتة للفهم والتركيز.
6- أن يفرغ قلبه وعقله للتدبر فيما يقرأ، وألا ينشغل بشيء سوى ما هو فيه، وكم من قارئ يقرأ القرآن وقلبه في أودية الدنيا فلا يفقه منه شيئاً.
7- توجد وسائل لتنشيط العقل وتقوية الذاكرة، ومنها: أكل الحلوى والعسل والزبيب، فإن المواد السكرية تقوي الذاكرة، وهذا نافع مجرب.
8- سؤال الله تعالى العون على الحفظ وثبات القرآن في الصدر، وكلما أكثر المسلم من الدعاء استجاب الله له وأعطاه ما يريد.
9- أن يتبع الخطوات الآتية أثناء الحفظ:
– أن يختار له مصحفاً ذا طبعة واحدة، فلا يتردد بين الطبعات المختلفة؛ لأن ذلك التردد يسبب له تشتت مكان المحفوظ، فمن المعلوم أن الحافظ يتذكر مكان الآيات في المصحف، فلهذا ينبغي الاعتماد على طبعة واحدة.
– أن يبدأ بقراءة مقطع من القرآن الكريم نظراً، ويركز على الآيات وأحكام القراءة، والوقف والابتداء الصحيح، ويفهم المراد من ذلك، ويكرر تلك القراءة ثلاث مرات أو أربع أو خمس أو أكثر.
– أن يبدأ بتذكر ما قرأ، وينظر إلى المصحف إذا عجز عن التذكر، وهكذا يكرر المقطع مرات كثيرة حتى يظن أنه قد أتقنه.
– أن يقرأ ما حفظه في سائر يومه، سواء في الصلوات المفروضة أو النوافل، حتى يثبت ويستقر.
– أن يقوم بعرض ما حفظه على أستاذه، أو على شيخ متقن.
– عند حفظ مقطع آخر فلا بد من الربط بينه وبين ما قبله، حتى لا يحدث انفصال في الحفظ بين المقاطع التي حفظها، ويحسن مراجعة المحفوظ السابق كلما سنحت له الفرصة.
10- من المستحسن أن يرجع طالب العلم إلى تفسير المقطع الذي حفظه سواء قبل الحفظ أو بعده، وينظر كلام المفسرين في ذلك، ومن أفضل الكتب في ذلك تفسير ابن كثير. ومختصره.
هذه بعض الوسائل التي تعين المسلم على حفظ كتاب الله تبارك وتعالى.
والله الموفق.3