أيها الأب أين ابنك الآن؟
(كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا …)1
أيها الإخوة: هذا هو نص كلام نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم – وهو في حديثه يبين أن مسؤولية الآباء تجاه أبنائهم عظيمة، كما هو واضح في هذا الحديث، والله تعالى سائل المرء عن أبنائه وأهل بيته، هل أحسن تأديبهم؟ هل أمرهم بالخير ودعاهم إليه؟ وهل نهاهم عن الشر وحذرهم منه؟
إن كثيراً من الآباء –وللأسف الشديد- لا يهتم بأبنائه ولا يهتم بتربيتهم، بل البعض مشغول بأعماله وتجارته، والبعض الآخر مشغول برفقته وشلته، ولا يدري أين أبناؤه ولا أين يسيرون وأين يذهبون ومع من يذهبون، وإذ به يفاجأ باستدعائه من أحد مراكز الشرطة، ليرى ثمرة إهماله وتضييعه أولاده في ابنه الذي قد سار مع الشيطان وأوليائه وعمل ما عمل وهناك يندم في ساعة لا ينفع فيها الندم، فلذلك: أستسمحك عذراً وأقول لك: أيها الأب أين ابنك الآن؟!!
أيها الإخوة الفضلاء لم يسلم حتى بعض الدعاة إلى الله تعالى من هذه المشكلة، فكم داعية إلى الله تراه مجتهداً في حقل الدعوة ومشغولاً بها مما أدى به ذلك إلى إهمال أهله وأولاده، ولقد كان أولاده هم أولى بدعوته وتربيته وجهده، ولا يعني هذا أن يترك الدعوة وينشغل انشغالاً كلياً بأولاده وتربيتهم، بل المراد أن يعطي أهله وأولاده جزءاً من اهتمامه فقد أمر الله تعالى نبيه أن يبدأ بأهله فقال سبحانه:{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}(214)سورة الشعراء.
أيها الإخوة، أيها الآباء، أيها الدعاة، أيها المربون: لنسأل أنفسنا هذه الأسئلة ولنجيب عليها بصراحة:
هل نحن راضون عن بيوتنا وأولادنا؟ وعن مستواهم التربوي؟
هل يقلقنا مستقبل أولادنا التربوي والأخلاقي والديني أكثر، أم تأمين مستقبلهم الدراسي والمادي؟
هل يتميز أولادنا عن سائر أولاد الناس بآدابهم وأخلاقهم وطموحاتهم؟
هل نعتز بأبنائنا وبانتمائهم وبمستوى تفكيرهم واهتماماتهم؟
هل تتجافى جنوبنا عن المضاجع في الأسحار، وتذرف عيوننا الدمع ونحن ندعو الله بصلاح أهلينا وذرياتنا؟
هل أهّلنا أولادنا لحمل الرسالة التي حملناها وضحينا في سبيلها بالكثير؟ أم أننا ندمنا على ما فرطنا، ويحرص بعضنا ألا يقع أولاده فيما فرط فيه هو من قبل؟
أيها الإخوة: لا يكاد يجهل أحد أن الشباب في كل أمة هم أعمدة نهضتها، وحماة ذمارها، وبناة أمجادها، ووقود عزتها وكرامتها، والشباب أولى ما يجب أن يهتم به المربون ويفكر به القادة والمصلحون. وإذا رأيت شباب الأمة جاداً وصالحاً فهذا مؤشر على سلامة تفكير تلك الأمة وحسن مسيرتها، ويوم تجد الشباب تائهاً هائماً هازلاً عابثاً ضائعاً فتلك والله الكارثة.
وأما الدعاة والمربون والمفكرون والقادة، أما هؤلاء فيجب أن تكون بيوتهم وأسرهم وأبناؤهم وبناتهم القدوة الحسنة والمثال المحتذى سيرة وخلقاً وأدباً وعلماً وطموحاً وجدية وصدقاً وإخلاصاً وربانية، وإن لم تكن بيوت الدعاة هكذا فيا حسرة على العباد.
وإن الناس بغنى عن الفلسفات والصناعات الكلامية المنمقة، وهم أشد غناء عن الخطب والمواعظ المزخرفة، وهم لا يهمهم في قليل ولا كثير الألقاب ولا الأوسمة ولا الشهادات العالية التي يحملها أصحاب الفضيلة.
إن الأمة بحاجة إلى المثل العملية المخلصة الصادقة التي تفرض على الناس الثقة بها وبالمبادئ التي تدعو إليها، وإن بيت الداعية هو محط الأنظار ومعقد الآمال. فهل يفطن قادة الدعوات لذلك؟ وهل تستجيب المناهج التربوية لهذه البدهية الضرورية؟! وهل ندرك أسباب الإخفاق في هذا المجال؟ ونصدق في معالجتها؟
إنها تساؤلات عابرة وخواطر تلح على النفس، وهي صدى للواقع الذي تساهل فيه الكثيرون وفرط فيه الأكثرون، ولا أعمّم، فما زال في الساحة أخيار، وما زال الكثير من الشباب على الفطرة وينقصهم الرعاية المخلصة والجادة والواعية.2 ولكن لا بد من التنبيه والتذكير المستمر لهذه القضية الخطيرة حتى يتنبه الغافل ويزداد بصيرة المتيقظ، والله تعالى خير معين.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا لرعاية أبنائنا وشباب أمتنا، وأن يهديهم ويصلحهم لما فيه عز أمتهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.