فرش المسجد

فـرش المسجـد

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

لم تكن المساجد في القرون الأولى مفروشة بالفرش كما هي في زمننا هذا، لكنه ثبت أن النبي     -صلى الله عليه وسلم- صلى على أنواع من الفرش وكذا أصحابه1.

ولقد كانت المساجد قديما في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- تفرش أرضيتها بالتراب أو الحصى.

أ- ويدل على هذا: عن معيقب –رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد، قال: (إِنْ كُنْتَ فَاعِلاً فَوَاحِدَةً)2.

الشاهد: "يسوي التراب". ووجه الدلالة: أن التراب كان هو فراش مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي افترشه هو والمؤمنون في صلاتهم.

واتخاذ الفرش في زماننا هذا قد انتشر في كافة البلاد الإسلامية، وفرشت المساجد بأنواع من الفرش. والصلاة على الفرش الموضوعة بالمسجد جائزة إن كانت طاهرة ولم تك حريراً، ولا مغصوبة ولا محرمة.

وقد اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في كراهة الصلاة على الفرش التي ليست من جنس الأرض، كالأنطاع3 المبسوطة من جلود الأنعام، وكالزرابي المصنوعة من الصوف، على قولين:

القول الأول: يجوز فرش أنواع الفرش، ما عدا الحرير وما فيه نجاسة، والمحرم لكونه مغصوباً ونحوه. قال بهذا الجمهور، ولم يكره أصحاب مالك -رحمه الله- الصلاة على الفرش إن كانت موقوفة للمسجد.

القول الثاني: يكره أن يسجد الرجل على الطنافس4 وبسط الشعر والثياب والأدم5، وهذا قول مالك.

الأدلة:

استدل الجمهور بما يلي:

1 – ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى على حصير وبساط وخمرة.                   2 – عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: «كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه».

الشاهد: "بسط ثوبه فسجد عليه". ووجه الدلالة: أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا يسجدون على ما يفرشونه من ثيابهم؛ وهذا دليل على جواز ذلك ؛ حيث كانوا يصنعون ذلك وهم يصلون مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.

3 – قال ابن حزم: "وصلى ابن مسعود على مسح شعر، وعمر وابن مسعود وأبو الدرداء صلوا على بساط صوف".

فعلى هذا: فإن الصلاة على كل فراش طاهر مباح صحيحة بلا كراهة. خلافاً لمالك -رحمه الله تعالى- فقد قال في المدونة عنه: "وكان مالك يكره أن يسجد الرجل على الطنافس وبسط الشعر والثياب والأدم، وكان يقول: لا بأس أن يقوم عليها، ويركع عليها، ويقعد عليها، ولا يسجد عليها، ولا يضع كفيه عليها".

"والصحيح قول الجمهور. ولا يُعلم أحدٌ من العلماء كره أو حرم وقف الفرش للمسجد، ولكن المسلم إذا وقف فرشاً للمسجد لزمه ذلك الوقف.

وحيث ثبت هذا، فإنه يجوز فرش المساجد بالفرش التي ليس فيها تصاوير ولا زخرفة وليست بنجسة، ولا يترتب على فرشها ضرر. وأما ما يفعله بعض الناس من تخصيص سجادة معينة للصلاة عليها؛ فهذه بدعة، فإن كان الدافع لها التكبر فيحرم فرشها، وإن كان الوسواس فيكره؛ لأن الوسواس ضار بالمسلم، وإن كان عادة فهي بدعة مكروهة6 وإن كان لاتقاء الشمس أو التراب أو الغبار أو نحو ذلك جاز فرشها.

وفرش المسجد المستهلكة ينبغي أن تباع وينتفع بقيمتها، أو تستغل في مكان آخر، وتستبدل بخير منها وأصلح.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين7.


1 انظر: صحيح البخاري – (ج 2 / ص 129وما بعدها), سنن أبي داود – (ج 2 / ص 295وما بعدها.

2 رواه البخاري -1131- (4/ 406) ومسلم -851- (ج 3 / ص 160).

3 الأنطاع: جمع نطع. وهو -مبسوط أملس- نوع من الفرش-. / انظر: معجم مقاييس اللغة (5/440).

4  وهو بساط له خمل رقيق.(وتشبه القطائف والفرش في هذا الزمن).

5 الأدم: جمع إدام، وهو نوع من الفرش المصنوعة من جلود الأنعام. انظر: مختار الصحاح (ص10).

6 انظر: الفتاوى لابن تيمية (22/163)، وإصلاح المساجد (ص243) .

7 المرجع: أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية –لـ:(إبراهيم بن صالح الخضيري)، ) (1/110).