كيف تكوِّن أسرة سعيدة؟
الحمد الله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على خير خلقه، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن السعادة مطلب غالي، فكل إنسان يسعى إلى أن يكون سعيداً، وتختلف موارد الناس ومشاربهم في تحصيل السعادة، فمن الناس من يرى أن السعادة هي في جمع المال، ومنهم من يرى أن السعادة في كثرة العيال، ومنهم من يرى السعادة في غير ذلك، يقول الْحُطَيْئَةُ:
وَلَسْت أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ | وَلَكِنَّ التَّقِـيَّ هُوَ السَّعِـيد |
وأقول: أنه لا يمكن للإنسان أن يكون سعيداً إلا إذا كانت البيئة التي يعيش فيها كلها متقية لله ، فإنه لا يمكن أن يكون سعيداً لوحده، وخاصة إذا كان له تعلقات مع من حوله من أسرته ومجتمعه.
إن السعادة كل السعادة أن يكون الإنسان في بيت كله سعيد.
وعليه فكيف يكوّن الإنسان هذا البيت السعيد وهذه الأسرة السعيدة؟
حتى تكوِّن بيتاً سعيداً، وأسرة سعيدة؛ لا بد من الآتي:
- عليك أن تحسن اختيار الزوجة التقية الصالحة؛ وهي التي توفرت فيها الشروط المعتبرة التي بينها النبي ﷺ؛ كما في حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين ترِبَت يداك1. وعن ثوبان قال: لما أنزلت: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ (سورة التوبة:34)، قال: كنَّا مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره، فقال بعض أصحابه: قد نزل في الذهب والفضة ما نزل، فلو أنا علمنا أي المال خير اتخذناه؟ فقال: أفضله لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه2. والمرأة الصالحة تعتبر عنصراً من عناصر السعادة كما أن المرأة السيئة عنصر من عناصر الشقاوة؛ كما جاء في الحديث الصحيح الذي فيه: فمن السعادة: المرأة الصالحة تراها فتعجبك، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها، ومالك، ومن الشقاء: المرأة تراها فتسوؤك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها، ومالك3. وإذا كان ولي المرأة يريد تكوين أسرة سعيدة فعليه كذلك أن يختار الزوج المناسب لابنته، وهذا واجب عليه؛ لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ : إذا خطب إليكم من ترضون دينه، وخلقه؛ فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض4.
2. إن كنت لم توفق لزوجة صالحة من البداية فعليك أن تسعى في إصلاحها وذلك من خلال:
– العناية بأمور العقيدة لديها، وغرس الإيمان في قلبها، وربطها بالله – تعالى – من خلال آياته المبثوثة في الكون، ونعمه التي نعيشها ليل نهار، ولا نستطيع إحصاءها.
– الاعتناء بتصحيح عبادتها وذلك ببيان الأحكام الشرعية كما هي عليه من وضوء وصلاة، وصيام، وبقية العبادات.
– أن تسعى لرفع إيمانها؛ وذلك من خلال حثك إياها على قيام الليل، والإكثار من تلاوة القرآن، والمحافظة على الأذكار في أوقاتها، وقراءة الكتب النافعة، وسماع المحاضرات المفيدة، وحثك لها على الصدقة، وأن تحرص على أن ترافق النساء الصالحات، وأن تبتعد عن رفقة السوء، وتكون أنت قدوة لها في كل ذلك.
3. أن تجعل البيت مكاناً لذكر لله؛ فإن البيت الذي يذكر فيه الله والذي لا يذكر فيه كمثل الحي والميت كما في الحديث الذي رواه مسلم، فيؤدون فيه النوافل من العبادات، ويهتمون جميعاً بالأذكار الشرعية، والسنن المتعلقة بالبيوت؛ كدعاء دخول المنزل، والخروج منه، والسواك، وقراءة سورة البقرة في البيت لطرد الشيطان، وما إلى ذلك من الأحكام المتعلقة بالبيوت.
4. الحرص على تعليم أهل البيت: وذلك من خلال إقامة درس يومي لهم تدرسهم فيه، ويكون من كتب موثوقة ككتاب (رياض الصالحين) للنووي، وتفسير ابن السعدي، وغير ذلك من الكتب التي ترى أنها مفيدة ونافعة.
5. أن تصنع نواة لمكتبة إسلامية في البيت: وذلك من خلال توفيرك للكتب النافعة، ففي التفسير توفر: كتاب تفسير ابن كثير، وابن السعدي، وزبدة التفسير للأشقر، وفي الحديث: رياض الصالحين مع شرحه لابن عثيمين، ومختصر صحيح البخاري للزبيدي، ومختصر صحيح مسلم للمنذري والألباني، وصحيح الكلم الطيب، وقواعد وفوائد من الأربعين النووية لناظم سلطان، وجامع العلوم والحكم لابن رجب وغير ذلك، وفي العقيدة: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، وأعلام السنة المنشودة للحكمي، وسلسلة العقيدة لعمر الأشقر، وأشراط الساعة للوابل، وفي الفقه: زاد المعاد لابن القيم، والملخص الفقهي للفوزان، وصفة الصلاة للألباني، ومختصر أحكام الجنائز للألباني، وفي الأخلاق وتزكية النفوس: تهذيب مدارج السالكين، والفوائد، والجواب الكافي، وطريق الهجريتين لابن القيم، ولطائف المعارف لابن رجب، وتهذيب موعظة المؤمنين، وغذاء الألباب، وفي السير والتراجم: البداية والنهاية لابن كثير، والرحيق المختوم للمباركفوري، والعواصم من القواصم لابن العربي، وسير أعلام النبلاء، وغيرها من الكتب النافعة، كما يحرص على أن يكون قسماً من هذه المكتبة للصوتيات المفيدة كصوتيات الشيخ ابن باز، وابن عثيمين، والألباني، وابن جبرين، والفوزان، وغيرهم من العلماء المعروفين بسلامة المعتقد، وصفاء المنهج، وحسن السيرة والسلوك.
6. ومن وسائل تكوين الأسرة السعيدة دعوة الصالحين والأخيار وطلبة العلم لزيارتك في بيتك، فإن في ذلك فوائد جمة، كذلك ينبغي أن تأخذ زوجتك لزيارة أخوات لها متعلمات من الداعيات إلى الله – تعالى -، وطالبات العلم، حتى تنسجم معهن، وتتربى بمجالستهن، وتأخذ من فوائد الجلوس معهن الشيء الكثير.
7. عدم إظهارك للخلافات العائلية أمام أولادك.
8. أن تهتم بتربية الأطفال، وأن تحذرهم من مصاحبة الأشرار، وأن تبعد عنهم وعن أمهم وسائل الشر داخل البيت من القنوات الشيطانية التي تبث الشر، وتربي الطفل على التمرد، وقلة الأدب، والجرأة على الله، وعلى أحكام الدين، والتي تحرف مسار التربية بهم إلى مسارات خاطئة، وإلى طرق نهايتها الهلاك.
وغير ذلك من الوسائل التي من أخذ بها يكون قد كوّن أسرة سعيدة5. والله الموفق.
1– رواه البخاري ومسلم.
2– رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وهو في صحيح الجامع للألباني (5231).
3– رواه ابن حبان، وهو في السلسلة الصحيحة للألباني رقم (282).
4– رواه الترمذي، وقال الشيخ الألباني: حسن، انظر حديث رقم: 270 في صحيح الجامع.
5– للإستزادة في هذا الموضوع راجع: (40) نصيحة لإصلاح البيوت للشيخ محمد صالح المنجد.