النفس الأمارة

 

 

النفس الأمارة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:

أيها الأحبة: لقد كان النبي   يقول في خطبة الحاجة 🙁الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا)1.

فلقد استعاذ   من شر النفس فكما أن النفس قد تكون مطمئنة وقد تكون لوامة فكذلك قد تكون أمارة بالسوء، والنفس الأمارة: هي التي تميل إلى الطبيعة البدنية، وتأمر باللذات والشهوات الحسية، وتجذب القلب إلى الجهة السفلية، فهي مأوى الشرور ومنبع الأخلاق الذميمة، (وهذه هي النفس التي ينبغي مجاهدتها).2

قال ابن القيم – رحمه الله -: وأما النفس الأمارةُ بالسوء فهي المذمومة فإنها التي تأمر بكل سوء وهذا من طبيعتها إلا ما وفقها الله وثبتها وأعانها، فما تخلص من أحد من شر نفسه إلا بتوفيق الله له كما قال تعالى حاكياً عن امرأة العزيز:{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}3.. وقال تعالى:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}4. وقال تعالى لأكرم خلقه عليه وأحبهم إليه:{وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً}5فالشر كامن في النفس،وهو يوجب سيئات الأعمال، فإن خلى الله بين العبد وبين نفسه هلك بين شرها وما تقتضيه من سيئات الأعمال، وإن وفقه الله وأعانه نجاه من ذلك كله فنسأل الله العظيم أن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.6

إن الشيطان يقف وراءه هذه النفس يزين لها الشرور والآثام.

قال ابن القيم – رحمه الله -: وأما النفس الأمارةُ فجعل الشيطان قرينها وصاحبها الذي يليها فهو بعدها ويمينها، ويقذف فيها الباطل، ويأمرها بالسوء ويزينه لها ويطيل في الأمل، ويريها الباطل في صورة تقبلها وتستحقها، ويمدها بأنواع الإمداد الباطل من الأماني الكاذبة، والشهوات المهلكة ويستعين عليها بهواها، وإراداتها، فمنه يدخل عليها كل مكروه. فما استعان على النفوس بشيء وهو أبلغ من هواها وإراداتها إليه.7أ.هـ

ولذا أوجب الله – تعالى- مجاهدة هذه النفس الأمارة، وحذر من الانجرار وراءها، ومحاربة النفس الأمارة بالسوء هو: تحميلها ما يشق عليها بما هو مطلوب في الشرع..

قال ابن حجر – رحمه الله – في قوله يعني البخاري – باب من جاهد نفسه في طاعة الله –​​​​​​​  قال: يعني بيان فضل من جاهد، والمراد بالمجاهدة: كف النفس عن إرادتها من الشغل بغير العبادة..

وعن أبي عمرو بن بجيد: من كرم عليه دينه هانت عليه نفسه. وقال القشيري: أصل مجاهدة النفس فطمها عن المألوفات، وحملها على غير هواها.. وللنفس صفتان: انهماك في الشهوات، وامتناع عن الطاعات، فالمجاهدة تقع بحسب ذلك..

قال بعض الأئمة جهاد النفس داخل في جهاد العدو، فإن الأعداء ثلاثة ورأسهم الشيطان، ثم النفس لأنها تدعو إلى اللذات المفضية إلى الوقوع في الحرام الذي يسخط الرب، والشيطان هو المعين لها على ذلك ويزينه لها. فمن خالف هوى نفسه قمع شيطانه، فمجاهدة نفسه حملها على اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه. وإذا قوي العبد على ذلك سهل عليه جهاد أعداء الدين، فالأول: الجهاد الباطن، والثاني: الجهاد الظاهر. وجهاد النفس أربع مراتب: حملها على تعلم أمور الدين ثم حملها على العمل بذلك، ثم حملها على تعليم من لا يعلم، ثم الدعاء إلى توحيد الله، وقتال من خالف دينه وجحد نعمه. وأقوى المعين على جهاد النفس؛ جهاد الشيطان بدفع ما يلقي إليه من الشبهة والشك ثم تحسين ما نهي عنه من المحرمات، ثم ما يفضي الإكثار منه الوقوع في الشبهات، وتمام المجاهدة أن يكون متيقظاً لنفسه في جميع أحواله، فإنه متى غفل عن ذلك استهواه شيطانه ونفسه إلى الوقوع في المنهيات..8

وما أحسن قول الشاعر عندما قال:

يا من يجاهد غازياً أعداء دين    الله يرجوا أن يعـان وينصـرا
هلا غشيت النفس غزواً إنها أعدى عدوك كي تفوز وتظفرا

قال يحيى بن معاذ: أعداء الإنسان ثلاثة: دنياه، وشيطانه، ونفسه، فاحترس من الدنيا بالزهد فيها، ومن الشيطان بمخالفته، والنفس بترك الشهوات.9

ونقل ابن رجب في مجاهدة النفس عن أبي بكر قوله: وهذا الجهاد يحتاج أيضاً إلى صبر،فمن صبر على مجاهدة نفسه وهواه أو شيطانه غلبهم، وحصل له النصر والظفر، وملك نفسه فصار ملكاً عزيزاً، ومن جزع ولم يصبر على مجاهدة ذلك غلب وقهر وأسر، وصار عبداً ذليلاً أسيراً في يد شيطانه وهواه كما قيل:

إذا المرء لم يغلب هواه أقامه   بمنزلة فيها العزيز ذليل

 وقال ابن القيم – رحمه الله -: لا يسيء الظن بنفسه إلا من عرفها. ومن أحسن الظن بنفسه فهو من أجهل الناس بنفسه.10

وقال سفيان الثوري – رحمه الله -: ما عالجت شيئاً أشد عليَّ من نفسي، مرة لي، ومرة عليَّ.11

اللهم أعنا على أنفسنا، اللهم أصلح نفوسنا وآتها تقواها، وزكها أنت خير من زكاها،أنت وليها ومولاها يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم..


1 -أخرجه النسائي كتاب الجمعة باب كيفية الخطبة، وذكره الألباني وصححه في كتابه “خطبة الحاجة التي كان رسول الله يعلمها أصحابه”.

2– انظر التعريفات للجرجاني (263).  

3 -(53)سورة يوسف.

4 -(21) سورة النــور.

5 -(74)سورة الإسراء.

6– الروح لان القيم ص339.

7– المرجع السابق ص340.

8– فتح الباري (11/345-346).  

9 – مدارج السالكين (1/196).

10– جامع العلوم والحكم ص172.

11– إحياء علوم الدين (3/71).