الذكر وأهميته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
لقد أرشد الله الناس إلى ذكره فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} سورة الأحزاب(41).
وقال -تعالى-: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب(35).
وأفضل الذاكرين المجاهدون، وأفضل المجاهدون الذاكرون، قال الله – تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} سورة الأنفال(45).
قال ابن القيم – رحمه الله-: فأمر بالذكر الكثير والجهاد معاً؛ ليكونوا على رجاء الفلاح.
وقال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} سورة البقرة (200).
ففيه الأمر بالذكر بالكثرة والشدة، لشدة حاجة العبد إليه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين، فأي لحظة خلا فيها العبد عن ذكر الله – عز وجل-؛ كانت عليه ندامة، وكان خسرانه فيها أعظم مما ربح في غفلته عن الله.ولقد وصف الله المنافقين بأنهم يذكرون الله، ولكن بقلة فقال –تعالى-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} سورة النساء(142).
وعن عائشة – رضي الله عنها- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " ما من ساعة تمر بابن آدم لا يذكر الله – تعالى- فيها إلا تحسر عليها يوم القيامة".
وجاء في الحديث أن يحيى بن زكريا – عليه السلام- أمر بني إسرائيل بخمس خصال، ومنها قوله: "وآمركم أن تذكروا الله – تعالى- فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً، حتى إذا أتى إلى حصن حصين؛ فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا تحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله" 1.
وقال ابن عباس – رضي الله عنه-: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله – تعالى- خنس.
وعن معاذ – رضي الله عنه- قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: " ألا أخبركم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ". قالوا بلى يا رسول الله! قال: "ذكر الله". رواه الترمذي.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له: جمدان، فقال:" سيروا هذا جمدان، سبق المفردون" قيل: وما المفردون يا رسول الله؟ قال:" الذاكرون الله كثيراً والذاكرت".
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: " ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه؛ إلا قاموا على مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرةً " أخرجه أبو داوود وأحمد.
وفي رواية عند الترمذي: " ما جلس قومٌ مجلساً لم يذكروا الله – تعالى- فيه، ولم يصلوا على نبيهم؛ إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم" أخرجه الترمذي وأحمد وهو حديث صحيح.
وعن عبد الله بن بسر أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن أبواب الخير كثيرة، ولا أستطيع القيام بكلها، فأخبرني بما شئت أتشبث به، ولا تكثر علي فأنسى، قال: " لا يزال لسانك رطباً بذكر الله" رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد.
وفي البخاري عن أبي موسى – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".
وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : " يقول الله – تبارك الله وتعالى-: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإذن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم…" أخرجه البخاري ومسلم.
وعن معاذ بن جبل – رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله : أي الأعمال أحب إلى الله – عز وجل – ؟قال: " أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله – عز وجل-".
وقال أبو الدرداء – رضي الله عنه-: لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله.
ولا شك ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ الحديد والنحاس والفضة، وصدؤه يكون بأمرين: الغفلة والذنب. وجلاؤه بشيئين: الاستغفار والذكر.
فينبغي على المسلم المحافظة على الأذكار المأثورة؛ لأن العبادات مبناها على التوقف، لا على الهوى والابتداع. وليس لأحد أن يسن للناس نوعاً من الأذكار غير المسنونة، ويجعلها عبادة راتبة، يواظب عليها الناس، فإن هذا ابتداع دين لم يأذن الله به.
وأما عن الفوائد التي يجنيها الذاكر لربه فهي كثيرةً جداً، ولقد قال ابن القيم – رحمه الله-: وفي الذكر أكثر من مائة فائدة. ثم سردها مع ذكر أدلتها وتعليقه عليها؛ ولذلك فإنني أحيلك على مليء، ومن أحيل على مليء فليحتل، فعليك بكتاب ابن القيم/ صحيح الوابل الصيب صـ82، وما بعدها.
والله أسأل أن يوفقني وإياك وجميع المسلمين إلى ما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال، إنه جواد كريم بر رحيم، والحمد لله رب العالمين.
1– رواه الترمذي وغيره، وهو حديث صحيح ذكره الألباني في صحيح الجامع، وهو حديث طويل جميل.