صلاة الكسوف والخسوف

 

 

صلاة الكسوف والخسوف

الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين،نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمَّا بعدُ:

فإنَّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله،وهما وغيرهما من المخلوقات يدلان على عظمة الله وقدرته،قال-تعالى-:((هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ))يونس: 5.ولما كسفت الشمس على عهد رسول الله ؛خرج إلى المسجد مُسرعاً فَزِعاً، يجرُّ رداءَهُ، فصلَّى بالناس،وأخبرهم أنَّ الكسوف آيةٌ من آياتِ الله، يخوِّفُ اللهُ به عبادَهُ، وأنه قد يكون سببَ نزول عذاب بالناس،وأمر بما يزيله،فأمر بالصلاة عند حصوله والدعاءوالاستغفار والصدقة والعتق وغير ذلك من الأعمال الصالحة، حتى ينكشف ما بالناس؛ففي الكسوف تنبيهٌ للناس،وتخويفٌ لهم ليرجعوا إلى اللهِ ويراقبوه.

كانوا في الجاهلية يعتقدون أنَّ الكسوف إنما يحصل عند ولادة عظيم أو موت عظيم،فأبطل رسولُ الله ذلك الاعتقادَ،وبيَّن الحكمة الإلهية في حصول الكسوف،روى البخاريُّ ومسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن النبي ، فقال الناسُ: انكسفت الشمسُ لموت إبراهيم،فقال رسول الله 🙁إنَّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة)(1).وعن أبي مُوسى أنَّ النَّبيَّ ،قال: (هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته،ولكن يخوِّف الله بها عباده،فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره)(2)،وفي لفظ:(فادعو الله وصلُّوا حتى تنجليَ)(3).

فالله-تعالى-يجري على هاتين الآيتين العظيمتين الشمس والقمر الكسوف والخسوف ليعتبر العباد،ويعلموا أنهما مخلوقان يطرأ عليهما النقص والتغير كغيرهما من المخلوقات؛ ليدل عباده بذلك على قدرته التامة واستحقاقه وحده للعبادة؛كما قال-تعالى-:((وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ))فصلت: 37(4).

معنى الكسوف والخسوف

الكسوف والخسوف شيء واحد،ويقال لهما كسوفان وخسوفان، والأشهر في تعبير الفقهاء:تخصيص الكسوف للشمس،والخسوف للقمر.

والكسوف:

هو ذهاب ضوء الشمس أو بعضه في النهار؛ لحيلولة ظلمة القمر بين الشَّمس والأرض.

والخسوف: هو ذهابُ ضوء القمر أو بعضه ليلاً ؛لحيلولة ظل الأرض بين الشمس والقمر.

ولا يحدثُ عادةً كسوفُ الشمس إلا في الاستسرار آخر الشهر إذا اجتمع النيِّران(5)،كما لا يحدث خسوف القمر إلا في الإبدار(6)، إذا تقابل النيران(7).

حكم صلاة الكسوف والخسوف

صلاة الكسوف والخسوف سنة مؤكَّدة باتفاقِ العُلماءِ، ودليلُها السنة الثابتة عن رسول الله ،فعن عائشة-رضي الله عنها-،قالت:خُسفت الشمسُ  في عهد رسولِ اللهِ ،فقام رسولُ اللهِ يُصلِّي،فأطال القيام جداً،ثم ركع فأطال الرُّكوعَ جِدَّاً،ثم رفع رأسه فأطال القيام جداً،وهو دون القيام الأول،ثم ركع فأطال الركوع جداً،وهو دون الركوع الأول،ثم سجد،ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول،ثم ركع فأطال الركوع،وهو دون الركوع الأول،ثم رفع رأسه فقام فأطال القيام،وهو دون القيام الأول،ثم ركع فأطال الركوع،وهو دون الركوع الأول،ثم سجد،ثم انصرف رسول الله وقد تجلت الشمس،فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه،ثم قال:(إن الشمس والقمر من آيات الله،وإنهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته،فإذا رأيتموهما فكبروا وادعوا الله وصلوا وتصدقوا)(8)،وفي لفظ:(فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة)(9).

وتُشرع بلا أذان ولا إقامة،ويُندب أنْ يُنادَى لها:(الصلاة جامعة)؛لأنَّ النَّبيَّ بعثَ مُنادياً يُنادي:(الصلاةَ جامعةً)(10).

صفةُ صَلَاةِ الكُسُوفِ

جمهور العلماء على أنَّ صلاة الكسوف ركعتان،في كل ركعة قيامان،وقراءتان وركوعان،وسجودان.فعن عائشة زوج النَّبيِّ ،قالت:(خُسفت الشمس في حياة النبي فخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه،فكبر فاقترأ رسول الله  قراءة طويلة،ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً،ثم قال:(سمع الله لمن حمده)،فقام ولم يسجد،وقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى،ثم كبر وركع ركوعاً طويلاً،وهو أدنى من الركوع الأول،ثم قال:(سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد)،ثم سجد، ثم قال في الركعة الآخرة مثل ذلك،فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات وانجلت الشمس قبل أن ينصرف،ثم قام فأثنى على الله بما هو أهله،ثم قال:(هما آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما   فافزعوا إلى الصلاة)(11).

قال ابن القيم-رحمه الله-: “السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في صلاة الكسوف تكرار الركوع في كل ركعة؛لحديث عائشة،وابن عباس،وجابر،وأُبي بن كعب،وعبد الله بن عمرو بن العاص،وأبي موسى الأشعري،كلهم روى عن النَّبيِّ  تكرار الرُّكوع في الرَّكعةِ الواحدةِ،والذين رووا تكرارَ الرُّكوعِ أكثرُ عدداً وأجلُّ وأخصُّ برسولِ اللهِ مِنَ الذين لم يذكرُوه”.

قال الشَّوكانيُّ في “متن الدرر البهية”:(وأصح ما ورد في صفتها ركعتان،في كل ركعة ركوعان،وورد ثلاثة،وأربعة وخمسة،يقرأ بين كل ركوعين،وورد في كل ركعة ركوع)(12).

قال سماحة الشيخ ابن باز-رحمه الله-: (الأصح في صلاة الكسوف،هو ما اتفق عليه الشيخان: البخاري ومسلم في صحيحيهما،من كون النَّبيِّ صلَّاها ركعتين حين كُسفت الشمسُ يوم مات ابنه إبراهيم،في كلِّ ركعةٍ قراءتان وركوعان وسجدتان.هذا هو الأصحُّ عند المحققينَ من أهلِ العلمِ، وما زاد على ذلك فهو وَهَمٌ من بعضِ الرُّواةِ أو شاذٌّ؛ لأنَّ المحفوظَ عنِ النَّبيِّ :أنه إنما صلَّى الكسوفَ مرةً واحدةً،في اليوم الذي مات فيه ابنُهُ إبراهيمُ.فظنَّ بعضُ النَّاسِ أنها كُسفت لموته فأخبرهم النبيُّ أنَّ الشمسَ والقمرَ آيتان من آياتِ اللهِ لا ينكسفانِ لموتِ أحدٍ ولا لحياتِهِ، وإنما يرسلهما اللهُ لتخويف عبادِهِ وتذكيرهم وتحذيرِهم)(13).

ويُسنُّ أنْ تُصلَّى في جماعةٍ؛لفعل النَّبيِّ ،ويجوزُ أنْ تُصلَّى فُرادى كسائر النوافل،لكن فعلها جماعة أفضل(14).

الخطبة

يُسنُّ أن يعظ الإمامُ الناسَ بعد صلاة الكسوف، ويُحذِّرهم من الغفلة والاغترار،ويأمرهم بالإكثار من الدعاء والاستغفار؛فعن عائشة-رضي الله عنها-أنَّ النَّبيَّ انصرفَ فخطبَ النَّاسَ،فحمد الله وأثنى عليه،وقال:(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكشفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وصلوا وتصدقوا)(15).

فائـدة

إذا انتهت الصلاة قبل أن ينجلي الكسوفُ، ذكر العبدُ الله ودعاه حتى ينجلي،ولا يعيد الصلاة،وإن انجلى الكسوف وهو في الصلاة أتمَّها خفيفةً، ولا يقطعُها(16).

وقتُ صَلَاةِ الكُسُوفِ والخُسُوفِ

وقت الصلاة من ابتداء الكسوف أو الخسوف إلى التجلي؛ لقوله : (فإذا رأيتم ذلك فصلوا)(17)،وفي حديث آخر:(وإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى ينجلي)(18).

ولا تُقضَى صلاةُ الكسوف بعد التجلي؛ لفوات محلها، فإنْ تجلَّى الكسوفُ قبل أن يعلموا به لم يصلُّوا له(19).

نسأل الله أن يعفو عنا،ويغفر لنا،ويلطف بنا،وصلى الله على نبينا محمد،والحمد لله رب العالمين.


1 – متفق عليه.

2 – متفق عليه.

3 – متفق عليه.

4 – الملخص الفقهي(200-201).

5 – النيران: الشمس والقمر.

6 – الإبدار: الليلي التي يكون القمر فيها بدراً، أي مكتملاً.

7 – الفقه الإسلامي(2/395).

8 – متفق عليه.

9 – متفقه عليه.

10 – متفق عليه.

11 – متفق عليه.

12 – الدراري المضية شرح الدرر البهية (1/283).

13 – نقلاً من موقع الشيخ ابن باز.

14 – الملخص الفقهي (202).

15 – متفق عليه.

16 – الملخص الفقهي (202-203).

17 – متفق عليه.

18 – رواه مسلم.

19 – راجع: الفقه الإسلامي (2/405)، والملخص الفقهي (201).